أبوإسكندر الغالي، تحية وبعد.
أكتب لك من شدة اشتياقي وأريد أن أنقل لك بعضاً مما حدث بعد أن تعانقنا وتعاهدنا على اللقاء مرة أخرى.
بعد أن رحلت يا أبوإسكندر سقطت دير الزور وقسّمت لعدة أقسام، سقطت حلب والغوطة ودرعا، والآن وبعد أيام قليلة سوف تسقط إدلب، ليعلن الأسد رسمياً انتصاره على شعبه ويحكمهم لخمسين سنة أخرى.
من تعرفهم قد رحلوا وتركونا خائبين نتساءل: هل ما فعلناه كان صحيحاً أو خطأً لا يُغتفر؟!
كل الذين تعرفهم ماتوا، خليل مات منذ 5 سنوات، وكذلك مهند وأبووسيم وجرير الذي قتله الحزن عليك أكثر من الرصاصة التي أردته بعد رحيلك بشهر. أبوخالد مات وسلام مات بعده بفترة قصيرة. مات كل الذين في قلبهم إيمان بالثورة التي عرفتها وعشتها وكنت بطلها، وكأن الريح المنتظرة من أرض الشام قد خرجت وقتلتهم جميعاً.
لن أقول إنك الآن في مكان أفضل؛ لأنني أعرف تماماً أنك متلهف للعودة إلى الميدان، لكن الميدان الذي تعرفه قد تغيّر يا عزيزي وأصبح مرتعاً لكل مرتزق أراد أن يعبر عن جنونه بالقتل، وكل دول العالم التي جربت فينا كل أنواع الأسلحة.
ما أريد أن أنقله لك يا أبوإسكندر هو أننا سقطنا جميعاً في امتحان كان أكبر من قدرتنا على التحمّل. وجدنا أنفسنا في حجم وطن عمره آلاف السنين من التاريخ و40 سنة من العبودية والذل.
سوريا التي تعرفها قُتلت في الحرب وقُتل معها ضمير عالَمٍ لا يعرف الإنسانية ولا التسامح. عالم جلس في مقعد المتفرج على مجزرة كانت تبث على الهواء مباشرة وتصل لهواتف أكثر من ملياري إنسان، ولكن لا أحد يكترث.
حاولت أن أعيش بسلام بعد رحيلك، تنقلت بين دول عدة وأعيش أزمة هُوية يعيشها أغلب السوريين في المغترب.
لا أعلم إذا كنتَ قادراً على مشاهدة شيء مما يحدث على الأرض، لكنني أتمنى أنك لم تشاهد ما حدث بعد رحيلك. فما حدث أمر مخجل وعار علينا جميعاً.
فلترقد بسلام، وإذا كان عالم الأموات كما نتخيله جميعاً فأرجو منك أن تلقي التحية على كل رفاق الثورة الذين سقطوا فداءً لقضية كان قد حُسم أمرها منذ انطلاقها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.