أكبر احتياطي بترول في العالم وشعب يموت من الجوع.. لماذا انهار الاقتصاد الفنزويلي؟

عدد القراءات
2,881
تم النشر: 2018/09/12 الساعة 08:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/12 الساعة 08:36 بتوقيت غرينتش

كيف لبلد يتمتع بموارد طبيعية خلابة ولديه أكبر احتياطي بترول في العالم أن يعاني شعبه من الجوع والمرض وارتفاع أسعار بين لحظة وأخرى؟! نعم إننا نتحدث عن فنزويلا تلك الدولة التي منحها الله هذه الموارد الطبيعية لكن الفساد وسوء الإدارة أضاعا ذلك هباء، فنزويلا اليوم تعاني من انهيار عملة ومعدل تضخم جامح وصل لمستوى قياسيّ.

 

تمتلك فنزويلا على الساحل الشمالى لأميركا اللاتينية بالإضافة للنفط ثروات طبيعية وتعدينية، قمم جبال الأنديز المغطاة بالثلوج في الغرب، وغابات الأمازون في الجنوب، وصولاً إلى شواطئ الكاريبي في الشمال. ويعيش في فنزويلا 30 مليون نسمة. وتمتلك أكبر مخزون من النفط في العالم، وكميات كبيرة من الفحم والحديد والذهب، ومع كل هذه الثروات يواجه الشعب مجاعة وفقراً وتدهوراً اقتصادياً واجتماعياً متصاعداً منذ 6 سنوات.

 

وسبب هذه الأزمة أن فنزويلا واحدة من الدول التي تعتمد بنسبة تجاوزت 90% على عائدات النفط، وكانت تعيش وقتاً جيداً للغاية عندما كان سعر البرميل قد وصل إلى 100 دولار وتجاوزه أيضاً أحياناً. لكن انخفاض سعر النفط حيث أدى تراجع الطلب على النفط وكثرة المعروض للبيع في السوق إلى تحطيم الأسعار المرتفعة ليصل سعر البرميل إلى أرخص الأسعار الممكنة.

 

هذا هو السبب الظاهري، لكن السبب الحقيقي كان منذ عام 1998 عندما تولى هوغو تشافيز السلطة وأعلن تطبيق النظام الاشتراكي متمثلاً في برامج حماية اجتماعية لمساعدة الفقراء وبرامج تنمية اجتماعية وتقديم الدعم على البنزين والمحروقات وتأميم صناعة النفط، واستمر على نهجه الرئيس الحالي مادورو؛ مفسّراً ما يحدث بأنه حرب اقتصادية وحصار أميركي.

 

لكن السبب الحقيقي يكمن في التفكير غير المدروس لهؤلاء الرؤساء الذين اكتفوا بعوائد البترول دون استغلالها لتحقيق تنمية حقيقية للفقراء. فكان يمكن تحقيق تنمية صناعية في مجالات صناعة تكرير البترول وصناعات البتروكيماويات والصناعات الغذائية وتنمية قطاع السياحة؛ نظراً للطبيعة الخلابة لهذه الدولة، وكان يمكنهم تنمية قطاع الزراعة وقطاع الخدمات وحينها لتمكنوا من توفير فرص عمل للشباب وتنشيط الاقتصاد وتنويع دخل الدولة.

 

ففي ذلك الوقت الذي قررت فيه إدارة فنزويلا الخيار الأسهل حققت دول مجاورة لها نمواً اقتصادياً كبيراً كالبرازيل والأرجنتين، حيث قام لولا دا سيلفا، رئيس البرازيل، بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي لهيكلة الاقتصاد البرازيلي، وقام بسداد القرض قبل موعد استحقاقه بعامين من عائدات النفط، وزادت في عهده الاكتشافات والتصنيع، وأطلق 8 برامج للعدالة الاجتماعية: معونة اجتماعية، مصروف المدرسة، مصروف الغاز، مصروف الطعام، مصروف الأسرة، المصروف الأخضر، القضاء على الجوع، برازيل دون فقر. نجحت تلك البرامج في تحقيق شعبية هائلة للرئيس لولا، ونجح في تنمية قطاع الزراعة وقطاع الخدمات.

 

وبالرغم من الفشل الذريع للسياسات الاقتصادية الحالية التي أدت لهذا التضخم الجامح فإن الحكومة الفنزويلية تتهم الولايات المتحدة بافتعال هذه الأزمات، وتضع حلولاً صورية ولا تعالج المشكلة الحقيقية، حيث قامت بإلغاء 5 أصفار من عملتها المحلية "البوليفار القوي"، وأطلقت ورقة نقدية جديدة باسم "البوليفار السيادي" وربطتها بعملة إلكترونية جديدة (البترو) ورفعت الأجور.

 

إلا أن هذه الحلول لا تدعم الاقتصاد الفنزويلي وسيستمر انهيار العملة وارتفاع مستوى التضخم، وانخفاض السلع والأدوية وسينتهي الوضع بشكل مأساوي. وحتى تتمكن الدولة من حل هذه الأزمة ينبغي تحقيق استقرار سياسي وتبني خطة اقتصادية عاجلة قائمة على التنوع الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية وتنمية القطاعات الصناعية والزراعية وتحقيق التعاون مع دول الجوار كالبرازيل والأرجنتين، وإنهاء العداء مع الولايات المتحدة الأميركية.

 

حققت فنزويلا إخفاقات كبيرة أدت لهذا الوضع الحالي في نفس الوقت الذي سعت فيه دولة البرازيل للتنمية الحقيقية للدولة وللاقتصاد، وذلك يدل على سوء الإدارة الفنزويلية لمواردها وتسببها في إهدارها، فهل ستدرك خطأها وتحاول تداركه أم لا؟

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
ياسمين حسام الدين
باحثة اقتصادية
تحميل المزيد