بعد أزمة الليرة التركية.. هل تصبح فكرة التخلي عن الدولار قابلة للتحقيق؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/11 الساعة 09:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/11 الساعة 09:24 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: A U.S. dollar banknote is seen on top of 50 and 100 Turkish lira banknotes in this picture illustration in Istanbul, Turkey August 14, 2018. REUTERS/Murad Sezer/Illustration/File Photo

على الرغم من الطابع الاستراتيجي للعلاقات التي تربط بين الحليفين التقليديين تركيا والولايات المتحدة الأميركية، إلا أن تلك العلاقات ما فتئت تشهد فتوراً حاداً وأحياناً رجات عنيفة بين الفينة والأخرى لا سيما عقب إعادة انتخاب الرئيس أردوغان لولاية رئاسية جديدة وإرسائه لنظام رئاسي بدلاً عن النظام البرلماني، وذلك بسبب ملفات عديدة أهمها الورقة الكردية والمحاولة الانقلابية لسنة 2016 ورفض سلطات واشنطن تسليم الداعية الإسلامي فتح الله غولن المتهم من قبل سلطات أنقرة بتدبير تلك المحاولة الانقلابية الفاشلة، وحملة الاعتقالات والتوقيفات الواسعة النطاق التي شنتها السلطات التركية ضد ما يعرف "بالكيان الموازي"، ورفض هذه الأخيرة تسليم القس الأميركي "أندرو برانسون" واقتناء الأخيرة لمنظومة 400S- الصاروخية الروسية وتبني تركيا لسياسة أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة.

 إلا أن هذا التدهور الحاصل في العلاقات الثنائية بين البلدين قد أخذ  في عمومه أبعاداً متعددة ليصل مداه إلى  شن هجوم اقتصادي منظم على الليرة التركية وفقدانها لنسبة هامة من قيمتها السوقية خلال أيام فقط في مقابل الدولار الأميركي، ويأتي كل ذلك وسط سيل من التراشق الكلامي والاتهامات المتبادلة والتلويح بفرض عقوبات اقتصادية متمثلة في الرفع من قيمة الرسوم الجمركية على الواردات من الصلب والألومنيوم التركي وفي مقابل ذلك الرفع من قيمة الرسوم الجمركية  لتصل إلى%  120 على بعض السلع الأميركية  كالسيارات والتبغ ومساحيق التجميل والتلويح بمقاطعة المنتجات الإلكترونية الأمريكية وتشجيع المنتج المحلي والصناعة الوطنية بدلاً عن ذلك.

وبينما بدأت الليرة التركية في التعافي التدريجي وامتصاص الصدمة من وقع الضغوط التي تتعرض لها بفعل حزمة من التدابير التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي لدعم استقرار عملته المحلية، والدعم المعلن من قبل بعض الدول الوازنة على الصعيد الدولي كألمانيا وفرنسا وروسيا  والصين وقطر، فإن هذه الأزمة وما نجم عنها من تقلبات في الأوساط المالية العالمية لاسيما الأوروبية والآسيوية قد أخذت كنتيجة  لذلك تدعو للتساؤل حول مدى مشروعية استخدام حرب العملات والعقوبات الاقتصادية كأداة للضغط والمساومة بهدف تحصيل مكاسب سياسية لا سيما بين حليفين استراتيجيين وعضوين فاعلين في حلف شمال الأطلسي، وما مدى جدوى الاعتماد على الدولار الأميركي في المعاملات التجارية الدولية وعن علاقة الثقة في الشراكة والتحالف مع الولايات المتحدة فضلاً عن مدى احترام مبادئ حرية التجارة والسوق الحرة.

هذه الأسئلة والهواجس قد بدأ يصل صداها إلى العديد من العواصم العالمية ومنها دول أوروبية، كما بدأت تترجم إلى واقع ملموس من قبل وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" الذي وجه بدوره من العاصمة التركية أنقرة انتقادات حادة لهيمنة الدولار الأميركي على المعاملات التجارية العالمية وعن نية بلاده في التعامل بالعملات المحلية في ما يخص المعاملات التجارية المرشحة لأن تصل إلى نحو 100 مليار دولار بين روسيا المكتوية أيضاً بنيران العقوبات الاقتصادية الأميركية وتركيا، وقد يصل الأمر ليطال دولاً أخرى كالصين والهند وإيران.

كما أن تبني الرئيس ترمب لسياسة اقتصادية أكثر حمائية من خلال إطلاقه لشعار "أميركا أولاً" والذي كان موضع انتقادات وجدل كبيرين ليس فقط من قبل الحلفاء التقليديين لواشنطن بل وحتى داخل الأوساط السياسية الأميركية المعارضة لسياسة الرئيس الأميركي بسبب السعي إلى إعادة النظر في اتفاقيات تجارية كبرى كاتفاقية منطقة التجارة الحرة لأميركا الشمالية "النافتا" وخلافه مع شركاء تجاريين كبار ضمن مجموعة "الآسيان" كالصين، والضغط على الحلفاء الأوروبيين داخل حلف شمال الأطلسي بهدف الرفع من قيمة المساهمة في ميزانية الحلف لتصل إلى 2%  من حجم الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة عضو في الناتو، كل هذه العوامل قد تصب في نظر العديد من المحللين في اتجاه  إعادة صياغة العلاقات الدولية أو حدوث تغييرات مهمة قد تطال المشهد السياسي والاقتصادي العالمي.

فهل يمكن أن يتمخض عن هذه التغيرات ولادة لتكتلات اقتصادية جديدة، أو توحي بأفكار جديدة على غرار مجموعة "البريكس" حيث سعى الدول الأعضاء إلى إرساء آليات نقدية جديدة بعيداً عن هيمنة الدولار الأميركي والاحتكار الأميركي – الغربي للاقتصاد العالمي عبر الرفع من  المساهمة الفاعلة في الاقتصاد العالمي، وتحقيق التكامل والتعاون بين الدول الناشئة، أم أن الوقت مازال مبكراً لذلك بالنظر إلى قوة ومتانة الاقتصاد الأميركي الذي يصل حجم ناتجه المحلي إلى ما يزيد عن 20,4 تريليون دولار أي بواقع 25,1 بالمائة من حجم الاقتصاد العالمي بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي لسنة 2018؟

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
خالد التاج
كاتب مغربي
تحميل المزيد