أول يوم مدرسة في ألمانيا

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/10 الساعة 10:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/28 الساعة 13:01 بتوقيت غرينتش
Happy little kid girl by desk with backpack or satchel and big school bag or cone traditional in Germany for the first day of school. Healthy adorable child outdoors, in green park. Copyspace on desk

في حياة الألمان عدة مناسبات يفردون لها احتفالات خاصة، على سبيل المثال، عندما يصل الشاب لعمر الثامنة عشرة، أو عندما يبلغ الشخص سن الأربعين.

ومن أهم المناسبات التي يحتفل بها الشعب الألماني في حياته الخاصة الدخول للمدرسة للمرة الأولى، والتحاق الطفل بالصف الأول الابتدائي.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يلتحق فيها أحد أبنائي بالمدرسة في ألمانيا، إلا أن لكل مرة منها سحرها الخاص، في كل لحظة أمضيها مع كل طفل من أطفالي في هذا اليوم.. أول يوم مدرسة.

ما قبل المدرسة

يتم التحضير لدخول المدارس قبل عام كامل من بدايتها، ففي مرحلة الحضانة لا توجد علاقة كبيرة بين الطفل والأقلام بعيداً عن التلوين، ولا يوجد تعليم مباشر لأي شيء، بل يتعلم الطفل عن طريق اللعب وممارسة الحياة الفعلية.

في هذا العام يبدأ الطفل تعامله الحقيقي مع الأقلام، يتعلم كيف يمسك بالقلم، وكيف يرسم به على خطوط محددة مسبقاً، كما يتعلم كيف يكتب اسمه الأول على الأقل.

في هذا العام، يحصل الطفل على الكثير من المنشورات عن حقائب المدرسة، تلك الحقائب التي سيستخدمها لأربعة أعوام قادمة، ويخصص يوم في الحضانة لتلك المرحلة، ليحضر كل طفل حقيبته التي اشتراها ويريها لجميع أصدقائه.

وفي هذا العام أيضاً يتم عمل أهم قطعة سيصطحبها الطفل في أول يوم من المدرسة وهي Schultüte. البعض يصنعها في الحضانة، ويصنعها البعض مع أهله في المنزل، ويعمل القليل على شرائها جاهزة، فهي القطعة التي يتباها بها الجميع مع دخول المدارس.

من الطبيعي أن يصاب الطفل بالتوتر في أول يوم له في المدرسة، فعالم المدرسة مختلف تماماً عن عالم الحضانة، كما أنه سيتعامل مع مجتمع مختلف، في مكان جديد، لم يجربه بعد.

كانت صغيرتي متوترة قليلاً قبل خروجنا من المنزل، إلا أن ذلك التوتر كان قد أُزيل تماماً مع نهاية اليوم الدراسي، والذي استمر فقط لمدة ساعتين. لنصطحبها من المدرسة وهي مشتاقة للعودة إليها غداً.

وهنا يأتي السؤال كيف استطاع الألمان أن يزيلوا توتر طلاب الصف الأول الابتدائي ويجعلوهم مقبلين على المدرسة بحب وشوق؟ يأتي ذلك بعدة أمور تأتي مجتمعة في اليوم الأول للمدرسة.

Schultüte

أو كما يمكن أن نسميها بالعربية "كيس المدرسة" وهي ترجمة حرفية لا توحي بالمعنى الحقيقي لها.

هي في الواقع عبارة عن قمع كبير مصنوع من الورق المقوى، بطول 110 سم تقريباً، يزين من الخارج بأشكال مختلفة غالباً ما تكون ثنائية الأبعاد، تعبر عن شخصية كل طفل وما يحبه.

يملؤه الأهل ببعض الهدايا للطفل، وبعض الأدوات المدرسة، وربما القليل من الحلوى، ويكون محتواه الداخلي مفاجأة للطفل، لا يعرفها إلا بعد عودته من المدرسة.

Schultüte هي من أهم عوامل إزالة التوتر عند الأطفال في ذلك اليوم، فحماسهم لمعرفة ما بها، وتباهيهم بحملهم لها يبعث في نفوسهم شعوراً بالفرحة والسعادة والترقب والفضول، يزيح معه بالتدريج شعور التوتر الطبيعي.

أول يوم مدرسة

يبدأ أول يوم للمدرسة للصف الأول الابتدائي بعد ساعة كاملة من بداية اليوم الدراسي نفسه (ويختلف الأمر من ولاية لأخرى)، حيث يبدأ اليوم بالذهاب للكنيسة للصلاة والتبرك وتمني عام دراسي سعيد للأبناء، وهذا يكون بالطبع لمن أراد الذهاب، أما من لم يذهب للكنيسة، فيبدأ تجمع الأهالي من آباء وأجداد وأعمام، مع أطفالهم أمام مبنى المدرسة، حتى تأتي مدرّسة كل فصل لاصطحابهم إلى حفل بداية العام.

يتكون الحفل من كلمة لمدير المدرسة، والعديد من الأغاني التي يتدرب عليها طلاب الصف الثاني الابتدائي، طيلة عامهم الأول في المدرسة، ليحتفلوا بدخول طلبة جدد إلى مدرستهم، كما تم الاحتفال بهم منذ عام مضى. ويمضي الأمر دائماً على هذه الوتيرة بحيث يحتفل كل عام دراسي بالعام الذي يليه.

هذا العام تم الاحتفال في مدرستنا بالتحاق 6 فصول جديدة بالصف الأول الابتدائي، وهو عدد كبير في مدينتنا الصغيرة، أن يكون في المدرسة الابتدائية 6 فصول من مرحلة ما فيها. وهو ما ترتب عليه تغيير مكان الاحتفال، وتغيير التجهيزات كلها المصاحبة له.

الانطلاق إلى الفصول

بعد انتهاء الحفل، تصطحب كل مدرّسة طلاب فصلها إلى الغرفة التي سيمارسون فيها أنشطتهم المدرسية لمدة عامين قادمين، ولا يتم اصطحاب الأطفال فقط، بل آباؤهم أيضاً، حيث يتم السماح للأهالي بمشاركة أبنائهم التعرف على فصلهم للمرة الأولى، ومعرفة أماكن جلوسهم في الفصل، وربما التعرف ولو قليلاً على مدرّسة الفصل وعلى بعض الأهالي وبعض زملاء الأبناء.

وجود الأهل وتوجههم إلى الفصل يُعد من الأمور المهمة التالية التي تعمل على إزالة توتر أبنائهم، فهم يشعرون بالطمأنينة لتواجد أحد ممن يعرفونه معهم، في نفس المبنى، بل وفي نفس الفصل.

بعد اتخاذ كل طفل لمكانه في الفصل (وهي الأماكن التي سيتم تغييرها بعد 4 أيام، ويتم التغيير بعدها بشكل مستمر طوال العام)، يجد الجميع أن أسماء الطلاب معلقة على السبورة، وعلى كل طالب أن يحاول البحث عن اسمه، وأن يقوم بعدها بوضعه أمامه حتى تستطيع المعلمة معرفة أسماء الجميع.

وبعد انتهاء الكل من أخذ أسمائهم، كان هناك اسم واحد متبقٍّ ليس له صاحب..

Mimi

تبدأ المدرّسة بالنداء على صاحب الاسم "ميمي" وما من مجيب، ثم تبدأ القول إنها تسمع بعض النقر في المكان، فلنبحث من أين يأتي الصوت، لينتهي البحث، بأن هناك صديقاً جديداً للأطفال إلا أنه خجل للغاية ولا يستطيع الخروج من مكانه والفصل ممتلئ هكذا بالناس.

يبدأ البحث عن حلول.. ثم تقترح إحداهن أنه على الكبار أن يخرجوا من الفصل حتى يستطيعوا هم التعرف على صديقهم الجديد، فيغادر الأهل أبناءهم بناءً على رغبة الأبناء أنفسهم، يتحرقون شوقاً للتعرف على الصديق الجديد، الذي سرعان ما يكتشفون أنه دمية صغيرة ترافقهم في عامهم الدراسي الأول.

وبعد حوالي الساعة يعود الأهل لاصطحاب الأطفال إلى بيوتهم لفتح Schultüte ثم يتم الاحتفال بوصول الأبناء إلى سن المدرسة.

أذكر أن مديرة Hort (وهو مكان يذهب إليه الأطفال بعد انتهاء اليوم الدراسي في حالة عمل الأب والأم) قد أخبرتنا يوم اجتماع أولياء الأمور في نهاية العام الدراسي السابق، بأنها لا تريد أن ترى طفلاً واحداً من أطفال الصف الأول الابتدائي في أول يوم للمدرسة، فهذا يوم خاص جداً، على الطفل أن يمضيه مع أهله في جو احتفالي خاص.

كل ما سبق يعمل على إزالة توتر المدرسة الجديد من نفوس الأطفال تماماً.

فلسفة التعليم

في كلمة مدير المدرسة لطلبة الصف الأول الابتدائي ذكر لهم الآتي:

"ها قد كبرتم ولم تعودوا أطفالاً في الحضانة، بل أصبحتم طلبة في المدرسة، هنا ستتعلمون، وتقومون بحل واجباتكم المدرسية، وستضاف لكم مسؤوليات جديدة، ولكن لا تقلقوا، فستجدون الوقت الكافي لممارسة الأنشطة التي تحبون، ولتكوين صداقات جديدة مع وجود الوقت الذي يسمح لها أن تكون صداقات قوية".

ربما من فلسفة التعليم بصفة عامة في ألمانيا أن التعليم والمدرسة رغم أنها إلزامية، إلا أنها جزء من الحياة، فمدة اليوم الدراسي تسمح للطفل بممارسة عدة أنشطة إن رغب في ذلك، سواء أنشطة رياضية أو تعلم للموسيقى والرقص والدفاع عن النفس. كما أنه يتعلم في المدرسة خاصة في الصفوف الأولى عن بيئته المحيطة به، كيف بتعامل معها، وكيف يتعرف عليها.

وربما يكون شعار المدارس غير المعلن: على هذه الأرض حياة ستحب أن تحياها، وسنعمل على أن تخرج من مدرستنا وأن تعلم كيف تتعامل مع هذه الحياة.


إقرأ لدينا أيضاً عن التعليم في ألمانيا:

 

ما يجب أن يتعلمه العرب من التربية الجنسية التي تعلمها أولادي في مدارس ألمانيا

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رواء مصطفى
مهندسة وكاتبة مقيمة بألمانيا
تحميل المزيد