ترتبط كلمة التحرش بمفاهيم غرست في عقولنا ونبتت وأصبحت أحراشاً داخلنا. العيب.. التهمة.. الفضيحة.. الوصمة.. التكتم.. وبرأيي إن المجتمع ينظر للمعتدي والمعتدى عليه نظرة متقاربة، والاثنان متهمان بالنظرة الضيقة للمجتمع، الأول بما أذنب، والثاني تدور حوله الشكوك وعلامات الاستفهام هل وافق ولو أنه غير موافق لماذا لم يخبر أهله في حال علموا صدفة؟ لماذا ذهب مع المتحرش؟ لماذا لم يستنجد بأحد؟ لم وقع الاختيار عليه هو بالذات؟ هل سيقدم على هذا الفعل؟
يترك الجاني وتدور الدوائر حول المجني عليه، ويبقى دائماً وأبداً تحت المجهر وموصوماً بمحيطه، وما يصدمك حقاً من يدعون أنهم متعلمون مثقفون حين يقفون أول الناس بوجهك كي لا تأخذ حقك عبر القضاء وألا تعطي الموضوع أكبر من حجمه فبنظرهم أنه ما دام الأمر لم يصل لحد الاغتصاب فلنحمد الله على السلامة ونلملم الموضوع ونغلقه، فالخوض فيه فضيحة وتشهير بالطفل وبالعائلة وبالمحيط، ويسعون للحلول الودية وللجان العشائر والمخاتير لا يعلمون بوقوفهم في وجه القضاء، إنهم يساعدون في أن يكرر الجاني الفعل مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً، لأنه سيستسهل الأمر لأن آخر فعله تعهد مالي يتعهد بدفعه أهله وكفيلهم أما هو فلا تقع عليه أي عقوبة فعلية، هل هذا كاف هل بذلك يكون نال جزاء فعله، أنعاقبه هنا أم نعاقب أهله على ذنب لم يقترفوه سوى أن الله ابتلاهم بولد ضال عجزت جميع محاولاتهم عن ردعه وإيقافه،
أما بعض دعاة حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الإنسان لا أرى في رأيهم إلا الجهل والتخلف والرجعية كان الأجدى بهم أن يقفوا في وجه الجاني وألا يلتمسوا له الأعذار والمبررات ويخافوا على ضياع مستقبله، كان عليهم أن يكونوا أول من نادى بتطبيق القانون وحبسه فهو الكفيل بردعه ومعالجته أيضاً من شذوذه، ولا أرى في لجان الإصلاح إلا نصرة الجاني وإيجاد حلول ومخارج له لضمان عدم دخوله السجن، والمعتدى عليه لا يحظى منهم سوى بتعهد مالي وألا يكرر الفعل عليه مرة أخرى، أما ما حل وسيحل به من آثار التحرش الجنسي فلا وزن له ولا يتطرقون حتى لذكره، أسألكم بالله ما الضمان بألا يمارس المتحرش فعله على أطفال آخرين، من يضمن أن يعلم ذوو الأطفال بما حدث لهم، فغالباً قضايا التحرش تموت بانتهاء الفعل، ولا يجرؤ الأطفال على إخبار ذويهم بما حدث لهم خوفاً من العقاب أو من المعتدي نفسه ولشعورهم بالخزي والخجل لما حدث لهم، وما يقلق حقاً أن آثار التحرش خطيرة ووخيمة، فالطفل المعتدى عليه إذا لم يعرض على أخصائيين نفسيين سيعاني مشاكل نفسية وسلوكية،
وفي حال لم يؤخذ حقه أمام ناظره ممن اعتدى عليه تزداد احتمالية مواجهته مشاكل سلوكية ونفسية في طفولته ومخاطر في سن المراهقة وما بعدها، ويصبح أمام أمرين لا ثالث لهما إما أن يفقد هويته الجنسية واحترامه لذاته ويعاني مشاكل جنسية بعد الزواج أو سيعاني من الشذوذ الجنسي والاعتداء على الأطفال، وغالباً ما يحدث ذلك حين يتعرض الطفل عدة مرات للتحرش الجنسي..
رسالتي للساعين إلى التسكير والتكتم والإغلاق لموضوع التحرش الجنسي وعدم الحديث والخوض فيه بادعائهم أنه يثير مشاكل ويحدث ضجة مجتمعية ويفتح أعين الأطفال، ولإنكارهم وجوده أصلاً، أنبههم أنه وباء جديد على مجتمعنا وفي بدايته للانتشار والتفشي وعلينا معالجة الجرح كما يجب لا بإغلاقه قبل تطهيره وتنظيفه، ورجائي للآباء والأمهات أن تجلسوا مع أبنائكم، تستمعون لهم فأنتم لا تعلمون مدى وحجم الأثر النفسي والألم الذي سيقع في نفوسكم ونفوس أبنائكم في حال تعرضهم للتحرش الجنسي، علموهم أن لجسدهم خصوصية وأنه لا يحق لأحد لمسه، علموهم كلمة لا، علموهم أن يخبروكم بكل ما يحدث معهم، وأنكم بجانبهم، وألا يخافوا ولو حاول أحد تهديدهم أو الاساءة لهم أنكم أول من سيصدقهم ويدافع عنهم ويحميهم، علموهم أن من يخطئ سيدفع ثمن خطئه، وسيعاقب ويحاسب، فأنتم بذلك تعلمونهم العلاج والوقاية، كونوا على قدر مسؤولية قراركم بجلب هذه الأرواح للحياة..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.