الدناءة والحقارة أسلوبا حياتنا.. كيف أصبحنا بوجود السوشيال ميديا؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/09 الساعة 08:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/09 الساعة 08:39 بتوقيت غرينتش
Clueless young man having troubles with his smartphone looking preoccupied

قبل أن أقرر الخوض في غمار هذا الموضوع، ليس فقط لأنه شائك، بل لأنه يَمس جيلاً بأكملهِ، يؤثر عليهِ بل ويسهم جملةً وتفصيلاً في صُنعِ فكرهِ وحياتهِ، فينخرط الجميع في وهم الكمال، عن طريق سعادة لا تشوبها أيَّة تعاسة من زوجين يتشاركان كل معاني الحب والرومانسية، بل وينخرطان لعرض تفاصيل حياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فتراهما يصوران الهدايا ويعرضانها، بل وعندما يكونان مقبلين على رحلة عائلية، أو زيارة مكانٍ معين، أو حتى تناول العشاء في مطعم، يكتبان ذلك على صفحتيهما، ليشاركا الناس سعادةً إن لم تكن في مجملها ذائفة فهي وقتية. ليكونا بذلك عرضة لضغائن الآخرين، ولآفاتِ النفسِ البشرية من حسد وغيره.

فتجد مشاعر الغضب تملأ باطن الجميع؛ لظنهم أن حياة غيرهم أفضل وأسعد، وأنهم وحدهم التعساء حتى وإن لم يكونوا تعساء، شعورٌ لا إرادي بالتشوق إلى المثالية، والسعادة القصوى، على مواقع في أصلها وهمية، بينما لو قررت معرفة حياتهم الحقيقية وما يدور فيها لوجدتها مليئة بالصعاب والخلافات.

لذلك فإن جوهر السؤال هنا: لماذا يلجأ الأفراد لمثل هذه الأفعال؟

لربما هو بحثٌ عن المثالية أو الكمال، الذي لم يجدوه في الواقع الفعلي، فذهبوا لواقعٍ افتراضي عسى أن يجدوا ضالتهم، فتراهم يبحثون عن الكمال في علاقةٍ مستمرةٍ لا يشوبها المشاحناتِ أو الخلافات، علاقةٌ بها من الكمال ما يخالف القانون الكوني، بأن لا وجودَ للكمالِ في هذه الحياة، فيغيبُ عن أذهاننا أن النقص طبيعة بشرية، النقص: معضلتنا البشرية التي طالما حاولنا معالجتها والبحث عن حلولٍ ولم نجد.

وتارةً أخرى يبحثون عن الأمان، من خلالِ عددٍ من الليكات ليسعدوا بها طيلة اليوم، ويسعوا للحصول على عددٍ أكبر ليشعرهم هذا بالقبول والثقة وأنهم مهمون في هذا العالم.

لكن للأسف هذا جزءٌ صغيرٌ، على صعيدٍ شخصيٍ لكل فردٍ على هذه المواقع، تأثيره السلبي أصبح لا يمكن التغاضي عنه؛ لأنه أنتجَ كرهاً وحقداً من الجميعِ للجميع، فكرهوا الخير لبعضهم البعض، وأصبحوا في علاقاتٍ هشة وضعيفة، لا يريد أحد رؤية الآخر ناجحاً فسعى الجميع لفشل الجميع.

أما الكارثة الأخرى فهي في صناعة المحتوى التافه، كما أُطلق عليه، فمثلاً تجد الكثير من الفيديوهات التي تتحدث عن الفتاة التي عندما تعلن خطبتها أو تتزوج كيف تعامل أصدقاؤها بغرورٍ، وأحياناً تقطع علاقاتها معهم، وتارة أخرى تجد أصدقاء يباركون لصديقتهم، لتجدهم يتحدثون من ورائها بأبشع الصفات ويحتقرونها، والأسوأ من ذلك ترى آلافاً من الإعجاباتِ بالفيديو والمشاركاتِ والتعليقات، لتزرع في عقل كل واحدة أنه لا وجود للصداقات الفعلية، وألا أحد يحب الخير للآخر.

مثل هذه الأفعال رعايةٌ كاملةٌ لصناعة الفشل على جميع الأصعدة الشخصية والاجتماعية والعملية.

فعلى الصعيد الشخصي نصنع من أوجاعنا وأوجاع غيرنا محطاً للسخرية؛ لأن الدائرة مفرغة، يوم لنا ويوم علينا، على الجميع ألا ينسى ذلك، لا السعادة دائمة ولا التعاسة كذلك.

أما اجتماعياً فما عاد أسهل من قطعِ العلاقاتِ لاختلافٍ في الرأي، كما شهدنا في الفترة السابقة.

وعملياً لا يمكن أن أنجح أنا وأنت، إما أنا وإما أنت، فسأقاتل لتفشل، حتى إن كنت في مجالٍ آخر، لا يمكن أن أسمح أن يقال عنك ناجح.

لا يوجد لدينا ثقافة أن نجاحي لن يأخذ من نجاحك شيئاً، بل سنضيف نجاحات للعالم، على الأقل سنرتقي كبشرٍ وشعوبٍ صنعت من نفسها أضحوكة العالم.

أما تبريرهم للفيديوهات أنها ساخرة فما هي إلا تبريراتٌ عقيمةٌ لأفعالٍ شنيعة وخاطئة، لجعل الناس يتساهلون مع مثل هذه الأفعال، بل وتجعل الآخرين يتوقون للتجريب، بأن يكونوا الفاعل بدلاً من المفعول به، لندخل في دائرةٍ مفرغة وحلقاتٍ لن تنتهي، نخرب علاقاتٍ اجتماعية، ونصنع من الدناءة والحقارة والغدر أسلوباً لحياتنا، ثم نسأل لماذا أصبحنا هكذا؟ لماذا لم تعد هناك مودة ولا رحمة ولا صلات اجتماعية سليمة؟ بل أصبح كل شيء تابعاً للمصلحة، حتى العلاقات بين الأخوة أصبحت سطحية، تربطها أضعف الخيوط، وتنتهي مع أبسط المشكلات؟

هذه الأسئلة مدعاة للسخرية وللضحك، نصنع الأشياء ثم نتأذى بها فنكون جميعاً مظلومين، فمن الظالم إذاً؟ مَن مرر مثل هذه الأفعال وسخفها حتى أصبحت حياة، ضعوا حداً لهذا الهراء، لكي لا نستيقظ يوماً علي عالمٍ بشع يفوق حد الاحتمال، حتى لا تصبح الثقة بمن حولنا درباً من الخيال، حتى لا يصبح الخير ماضياً تم دفنه.

كفانا آلام وعلاقات قائمة على مصالحٍ وقتية، تنتهي بأبسط المواقف، يكفينا عالم سيئ أسوأ مما نحن فيه، على الأقل لنصنع لأولادنا عالماً أفضل، لنربيهم على الخير، عسى أن ننقذهم من هذا الواقع المرير.

هذا المقال غيضٌ من فيض، لكل شيء حلول كما له أسباب، سأستعرض الأسباب والحلول في المقالات القادمة عسانا نصل إلى حالٍ أفضل سوياً.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إيمان عاصم
شغوفة بالقراءة والكتابة
تحميل المزيد