عندما قررت التعرف على سبينوزا وفكرت في القراءة عنه، قبل أن أقرأ له، أحسست بألم في عيني اليسرى اضطرني إلى زيارة الطبيب. بعد الفحص أكد لي أن العين مصابة، وأنني بعد ذلك سأستعمل النظارات الطبية لمشاكل في وضوح الأشياء البعيدة، وأمر في الحين بوضع ضمادة على العين ستستمر 10 أيام.
أحسست بأنني لم أعد أعرف العالم، وكدت أقول له: هل ستدع سبينوزا ينتظر؟
رحلة سبينوزا
فرّت عائلة سبينوزا من محاكم التفتيش واستقرت بهولندا (بلد الحرية في القرن 17 عشر). فقد الرجل أمه ثم أباه، وتم طرده من الدين اليهودي وتحريم الاتصال به حتى من طرف أخوته والمقربين منه.
حبيبته هي الأخرى تركته.
ما ذنب الرجل؟ وما سر هذا الضنك؟
حين قام سبينوزا بنقد الكتاب المقدس تم طرده من دينه، وحين رفض اعتناق دين حبيبته – المسيحية – تركته، الدرس الأول: وحدها الحقيقة لا يتفاوض بشأنها.
حين ضاقت به السبل، اختار مهنة حديثة: صنع العدسات. لم يكن هذا الاختيار عفوياً، ولكنه منسجم مع تصوراته: عمل جديد يتوافق وروح العصر (العدسات تستعمل في المنظار)، وأيضاً تستعمل للنظارات: رؤية جديدة للعالم.
ولقد عرفت أيضاً بعد وضع النظارات الطبية كم هو مفيد تغيير نظرتنا للعالم بالبصر والبصيرة.
حين تقرأ سبينوزا تجد الفلسفة الأبيقورية، والحكمة الرواقية، والتصوف الإسلامي (ابن عربي ووحدة الوجود)، لكنه مختلف مع الجميع، لقد خط لنفسه طريقاً آخر من خلال التمحيص والنقد.
الدين – الإنسان – الأخلاق – السياسة، أشياء مرتبطة ببعضها البعض في فلسفة باروخ سبينوزا.
الإنسان رغبة
الرغبة هي جوهر الإنسان عند سبينوزا، فهي لا تعني الفقد أي أننا نرغب في الأشياء التي نحتاجها، ولا تعني أيضاً التملك لأن الأشياء التي نملكها نفقد الرغبة فيها.
إننا نستيقظ في الصباح لأننا نرغب في ذلك. نرغب في الرياضة، أو العمل، أو ارتشاف قهوة ساخنة باختصار نرغب في الحياة.
الرغبة قوة قد تتزايد فيتحقق الفرح، أو تتناقص فيكون الحزن.
حسب فلسفة سبينوزا فنحن محكومون برغباتنا – بوعي منا أو دون وعي – والأكيد أنه لا يمكن قتل الرغبة أو تجاهلها؛ بل هي دعوة صريحة إلى التحرر من العواطف والانفعالات باعتبارها وقائع وحقائق.
يضيف سبينوزا أن العواطف ينجم عنها أفكار، ويصنف هذه الأخيرة إلى نوعين: صحيحة، يحكمها العقل أو خاطئة، تتأسس على الخيال والوهم.
الحب عند فيلسوف السعادة
يعرفه بشكل لا يمتّ للرومانسية بصلة، فهو فرحة (غبطة) مرتبطة بشيء خارجي.
ففي بداية الحب تحجب عنا أفكارنا وإسقاطاتنا حول الآخر حقيقته، وعندما نستفيق من هذا الوهم نظن أن الآخر قد خدعنا.
لماذا نعاني؟
لأننا نفرط في حب أشياء لا نملكها، ولا تتوقف علينا بلغة الرواقيين.
المشكل والحل: الحب.
لأننا نحب فنحن نكره. ولأننا نتعلق بأشياء لا تتعلق بنا.. نعاني.
الحل: تلميع الزجاج، وهي مهنة سبينوزا.
إذا سألنا سبينوزا عن أي الحياتين أفضل الحياة السعيدة أم الطيبة، فماذا سيكون جوابه؟
بكل تأكيد، الحياة الطيبة فهي حياة سعيدة يحكمها العدل، ولا تلحق الضرر بالآخرين وليست على حساب أحد.
بعض أقوال سبينوزا:
– إن السعادة أو التعاسة تعتمد بشكل منفرد على صفة الشيء الذي نرتبط به بواسطة الحب.
– يتوهم الناس أنهم أحرار لجهلهم الحتميات التي يخضعون لها فلو كان للحجر شعور لقال أني أسقط بحرية.
– إن البغض اعتراف بالنقص والخوف، إننا لا نبغض عدواً نثق بأننا في وسعنا التغلب عليه.
– الحقيقة معيار ذاتها كالنور يعرف بذاته وبه يعرف الظلام.
هي دعوة جديدة، أقتسمها معكم اليوم، دعوة للفرح والسعادة، وألا نتردد جميعاً في طرح مثل هذه الأسئلة:
* من أنا؟
* ما هو الأفضل بالنسبة لي؟
* كيف أكبر وأرتقي؟
دمتم متسائلين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.