توقفوا عن الأحلام نيابةً عنا، فهذه حياتنا واختياراتنا

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/07 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/07 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
Crying red haired girl sitting with crossed legs on sofa while her mother comforting her

كان يحلم بأن يكون ولده مهندساً وبنى آماله على أن يقول الناس: المهندس زيد أو خالد أو المهندسة هند أو حياة، لكن للأسف أكمل أولاده الدراسة الإعدادية، وإذا برغباتهم وآمالهم وأحلامهم تختلف تماماً عما كان يحلم به الوالد أو الوالدة، لأن

الخلاصة: "أبناؤكم ليسوا لكم بل أبناء الحياة".

 

كان يحلم بأن يتزوج ولده بِنَت أخيه أو صديقه أو فتاة يقتنع بها أولاً ثم يُقنع ولده بها، أو شاب هو يقتنع به ثم تقتنع ابنته به، وكذلك الأم تود لو يتزوج ابنها بنت أخيها أو أختها أو فتاة على مواصفات هي تريدها في الفتاة ثم تحاول أن تقنع ولدها بها، ولكن للأسف، فالولد مقتنع بفتاة هو يحبها أو وجد ضالته في غير المكان الذي يبحث فيه أهله؛ لأن الأمر باختصار هو أن:  "أبناؤكم ليسوا لكم بل أبناء الحياة".

كان كل حلمه في الحياة أن يكون أولاده أمام عينيه دائماً وأبداً، فتأقلم على رؤيتهم، يبذل جهداً لأن يكونوا معه حتى بعد زواجهم، فهو يجد لذة ذلك فهم أولاده وفلذة كبده، لكن تناسى أنه قد يكون مستقبلهم ورزقهم وسعادتهم هو تركهم أن يضربوا في الأرض يبتغون من فضل الرزق والمال والسعادة، فأصبح أولاده كل واحد منهم في حي أو مدينة بل ربما في بلد آخر؛ لأننا نحتاج إلى أن نؤمن بالمقولة التالية: "أبناؤكم ليسوا لكم بل أبناء الحياة".

كان الآباء يحلمون بأن يكون أولادهم نفس تخصصاتهم وأعمالهم، فهو يعشق هذا التخصص ويظنُ لحبه لابنه أو ابنته أن يزج بهم في هذا المجال، تمضي الأيام ويبلغ الأولاد مبلغ الرجال، وتشتبك القرارات، ليُقرر الولدُ قراراً مختلفاً تماماً عن الذي يطمحُ لهُ والده أو والدته، ناهيك عن أن بعض الآباء يستخدم بر الوالدين ليجعله حاجزاً ما بين الابن وطموحه، وربما لا ينجح الكثير بهذه الطريقة فالطموح والحياة خلاف ما نتوقع دائماً، ومن لم يؤمن سيؤمن يوماً من الأيام بالتالي: "أبناؤكم ليسوا لكم بل أبناء الحياة".  

إذا نحنُ أبناء الحياة نعيش تغيراتها المكانية والزمانية، فما ناسب أبي قد لا يناسبني إطلاقاً، وما صلح له من عمل واختصاص لا يصلح لي على أي وجهٍ من الوجوه، فالعالم يتغير ويتحرك، ونحن كذلك كأبناء لا ينبغي أن نعطي فرصة لأبنائنا أن يختاروا ويقرروا عنا، وربّ سائلٍ يسأل هل سيختفي دور الآباء تماماً؟

لن ينتهي دور الآباء سيكون واجباً عليهم أن يوجهوا ويرشدوا الابن لكيفية اتخاذ القرارات وتحديد الخيارات، وسيكون دورهم الرئيسي هو الاستشارة.

ويحق للأب أن يعترض إذا تبيّن أن خيارات أولاده خاطئة مئةً بالمئة، هنا يحاول بطرقه الحكيمة أن يقنع الأبناء بالحياد عن هذا القرار أو الاختيار، أو يترك لهم فرصة التجربة إن لم يكن هناك خطر عليهم في هذه التجربة.

ولعل أبرز ما جعل للآباء تحكّم في قرارات أبنائهم، هو سوق الوعظ، فقد رفع الوعظ الديني من مسألة بر الوالدين وبالغ فيها لدرجة التطرف، فقد عاش كثيرٌ من الأبناء باختصاصات وتأقلموا مع زوجات، وسكنوا في مدن، لم يكونوا يوماً ما يرغبون في القيام بها، وقضوا معظم حياتهم شقاءً في شقاءٍ، وغابت عدالة الآباء فيما يصلح حياة الأبناء.

رسالة إلى كل أب وأم علِّمْ أولادك حرية الاختيار، وفهِّمهم طرق اتخاذ القرار، وكُن أنت المستشار، ستظفر ببرِّهم حقيقةً وليس خوفاً من التفلت من سلطتك، فثمّة فرقٌ كبير بين أن تكون أباً متسلطاً يبرُّه أبناؤه خوفاً منه، وبين أن تكون أباً مستشاراً يبرُّه أبناؤه حباً له.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
حارث العباسي
كاتب وتربوي عراقي
حارث العباسي إعلامي وتربوي مهتم بالقضايا الفكرية والتربوية والأدبية عملت مقدم برنامج في فضائية نينوى الغد الفضائية أعمل مدرس لغة عربية في مدرسة أمل نينوى العراقية إسطنبول بكالوريوس تربية علوم قرآن جامعة الموصل أدرس ماجستير طرائق تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها
تحميل المزيد