لماذا اشترط محمود عباس وجود إسرائيل في اتحاد الكونفدرالية بين الأردن وفلسطين؟

تم النشر: 2018/09/06 الساعة 09:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/06 الساعة 09:33 بتوقيت غرينتش

لا يفتر محمود عباس من ترديد شعاره العقيم "يدنا ممدودة للسلام" مع دولة الاحتلال حتى لو ذبحوه وذبحوا شعبه من الوريد إلى الوريد، وكأنه بهذا الفعل يطبق (مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضاً، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضاً)، ونسى أن الله عزوجل يقول: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)، واعتقاداً منه أن السلام مع دولة الاحتلال لا زال قائماً، فلا يفوت فرصة إلا ويطرح مبادرة سلام، أو يوافق على مبادرة سلام تقدمها له دولة ما أو حزب ما، ظناً منه أنه بطرحه مبادرات سلام أو بموافقته على مبادرات سلام قد يُحرج دولة الاحتلال ويضعها في عزلة أو يضعها في الزاوية.

أحدث ما قُدم لعباس من مبادرات هو ما قدمه جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومبعوث الرئيس الخاص إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات حيث عرضا برنامجاً سياسياً يعتمد على كونفدرالية فلسطينية أردنية، فماذا كان جواب عباس إلا أن قال إنه على استعدادٍ لقبول مثل هذه الخطة فقط إذا كانت "إسرائيل" أيضاً جزءاً من نفس الاتحاد الكونفدرالي.

بعد حديث عباس عن موافقته على كونفدرالية (فلسطينية – أردنية) شرط انضمام الاحتلال الصهيوني، هل كان هذا المقترح من بنات أفكار محمود عباس أم رغبة صهيونية عبّر عنها عباس بلسان عربي مبين؟ وترى ما موقف الأردن ودولة الاحتلال والشعب الفلسطيني؟ ومن المستفيد من هذه الكونفدرالية؟ ومن المتضرر؟

قبل التعليق وجب التعريف بفكرة الكونفدرالية

الاتحاد الكونفدرالي أو الكونفدرالية هو رابطة أعضاؤها دول مستقلة ذات سيادة والتي تفوض بموجب اتفاق مسبق، بعض الصلاحيات لهيئة أو هيئات مشتركة لتنسيق سياساتها في عدد من المجالات، وذلك دون أن يُشكل هذا التجمع دولة أو كياناً، وإلا أصبح شكلاً آخر يسمى بالفيدرالية، وتحترم الكونفدرالية مبدأ السيادة الدولية لأعضائها، وفي نظر القانون الدولي تتشكل عبر اتفاقية لا تُعدل إلا بإجماع أعضائها.

وفي السياسة الحديثة، فالكونفدرالية هي اتحاد دائم للدول ذات السيادة للعمل المشترك فيما يتعلق بالدول الأخرى، عادة ما تبدأ بمعاهدة، ولكنها غالباً ما تلجأ في وقت لاحق لاعتماد دستور مشترك، غالباً ما تنشأ الكونفدراليات للتعامل مع القضايا الحساسة مثل الدفاع والشؤون الخارجية أو العملة المشتركة، حيث يتعين على الحكومة المركزية  توفير الدعم لجميع الأعضاء. (المصدر ويكيبيديا)

ويبدو أن هذه الفكرة لم تكن من بنات أفكار محمود عباس، حيث قال محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، تسيفي برئيل، إن مقترح الاتحاد الكونفدرالي بين الدولة الفلسطينية والأردن يعتمد بالأساس على "المسار الإسرائيلي" الذي يعرض إلحاق الضفة الغربية المحتلة (من دون القدس) تحت الوصاية الأمنية الأردنية، بحيث يكون الأردن مسؤولاً عن حماية الحدود بين إسرائيل وبين الكونفدرالية.

ويقضي التصور الإسرائيلي المذكور بتوقيع اتفاق كونفدرالي بين القيادة في الضفة الغربية والأردن، دون توضيح ما إذا كان سيتم إقامة برلمان مشترك ودستور مشترك، ودون تحديد ما إذا كان الطرف الفلسطيني سيحظى باعتراف بمكانة دولة أم لا؟ وأضاف: "من المحتمل أن تكون إسرائيل مستعدة للاعتراف بدولة فلسطينية، ولكن فقط كجزء من الكونفدرالية المشتركة، دون قطاع غزة، التي تنتقل للعودة تحت الوصاية الأمنية المصرية، في حين تبقى المستوطنات في موقعها وتحت سيطرة أمنية ومدنية إسرائيلية مباشرة".

موقف دولة الاحتلال من الاتحاد الكونفدرالي

يفضل البعض في اليمين الإسرائيلي إقامة كونفدرالية فلسطينية أردنية كوسيلة لتفادي منح وضعية الدولة الكاملة للفلسطينيين في الوقت الراهن، ولأن إسرائيل حَصَلت على ما تُريده من الأرضِ والمياه وفي تسوية مثل هذه، يمكنها تُريد تصدير "عِبء" ثلاثة ملايين ونصف مليون من أبناء الضفة  إلى الأُردن، مَع وعود ببضعَة مِليارات من المُساعَدات الماليّة.

موقف الأردن من الاتحاد الكونفدرالي

جمانة غنيمات، الناطقة باسم الحُكومة الأُردنيّة، أكَّدت في تَصريحاتٍ نقلتها وكالات محليٍة ودوليٍة أنّ ربط الضِّفَّة بالأُردن غير مُمكن، وغير قابِل للنقاش، كما رفض كبار المسؤولين في الأردن بشدة المقترح، وقالوا إن محمود عباس قد كشف عن اقتراح تأسيس كونفدرالية "وهو يعلم أن هذه الفكرة غير ممكنة، لا الآن ولا في المستقبل"، ووفقاً لما ورد في صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، فقد قال مسؤول كبير في الأردن إن تصريح عباس كان متعمداً ومدروساً، بهدف إحباط جهود المصالحة الفلسطينية الداخلية بين حماس وفتح، وأضاف: "هناك كثيرون في إسرائيل يدّعون أن الأردن هو فلسطين فعلاً، وهو أمر نرفضه كلياً، لقد فوجئنا عندما سمعنا عباس يقول إنه يدعم كونفدرالية سياسية تشمل الأردن وفلسطين بشرط أن تشارك إسرائيل فيها".

الموقف الفلسطيني من الاتحاد الكونفدرالي

ثمة من يرى أنها لتعطيل جهود المصالحة الداخلية، ومن يرى فيها تهيئة للداخل الفلسطيني بما هو قادم على اعتبار أن هذه الفكرة تدخل ضمن جدول أعمال صفقة القرن والتي تتعرض لمسألة اللاجئين وتلميحاً للقبول بفكرة التوطين، ومن يرى فيها استكمال جهود صهيونية أميركية لفصل الضفة عن غزة، ومحاولة لزرع بذور الشقاق بين الشعبين الأردني والفلسطيني كما قالت حركة الجهاد الإسلامي، كما أعلنت حركة حماس والجبهة الشعبية والديمقراطية وحركة الأحرار وغيرها من الفصائل رفضها إعلان محمود عباس عن قبوله فكرة الكونفدرالية مع الأردن والاحتلال.

وعن معرفة من المستفيد من هذه الكونفدرالية؟ ومن المتضرر؟ أحسب أن الإجابة عن هذا السؤال لا تحتاج إلى كثير جهد فيكفي الاطلاع على حجم الضرر الذي سيلحق بالقضية الفلسطينية وبالأردن كي نعرف من المستفيد؟

ختاماً: فإن الأمر المؤكد أن عباس لا يدخر جهداً في تحقيق أفضل أماني دولة الاحتلال وتحقيق شعاره الذي قاله "إسرائيل ولدت لتبقى"، وهنا أستذكر ما قاله لي ذات يوم ضابط كبير متقاعد في السلطة الوطنية من أن محمود عباس خدم إسرائيل أكثر من جابوتنسكي، أحد أكبر مفكري الحركة الصهيونية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
مصطفى أبو السعود
كاتب وباحث فلسطيني
تحميل المزيد