حتى كيت بلانشيت مثَّلت في فيلم مصري.. لكن لماذا لم تحصل مصر على «الأوسكار» ولا مرة في تاريخها؟

عدد القراءات
1,016
عربي بوست
تم النشر: 2018/09/04 الساعة 08:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/04 الساعة 15:25 بتوقيت غرينتش

"نسعى للمشاركة مهما تضاءلت الفرص، هذا واجبنا، وعملياً ليس لنا رصيد من الترشيحات لجوائز الأوسكار؛ لأننا رغم حرصنا على التواجد، فإننا لم نصل حتى للقائمة الطويلة، وأفلامنا تقدمنا بها وخرجنا يا مولاي كما خلقتني".

الناقد طارق الشناوي

بعدما أجهد نفسه مرات عدة في مشاهدة فيلم "الناصر صلاح الدين" ليرى تلك الساعة اللعينة التي ارتداها أحد الكومبارس ضمن مشاهد الفيلم لتحرم مصر من جائزة الأوسكار، قرر أن يبحث عن المتسبب في هذا الخطأ، هل هو المخرج أم مدير الإنتاج أم مسؤول المجاميع أم الكومبارس؟ لكن صدمته كانت عنيفة حينما وجد أن الفيلم لم يترشح للأوسكار من الأساس، عندها أدرك أن السؤال الشهير (what about your first Oscar?) لن يُسأل في مصر.

علاقتنا بالأوسكار

للسينما المصرية محاولات سنوية للترشح لجائزة الأوسكار، حيث يتم ترشيح أحد الأفلام المصرية للمنافسة على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، والتي بدأت في الحفل العشرين للأوسكار عام 1947، إلا أنه لم يدخل أي منها دائرة الترشيحات للفوز بالتمثال الذهبي.

وعلى مدار 60 عاماً، تم ترشيح 31 فيلماً، بداية بفيلم "باب الحديد"، عام 1958، أول فيلم عربي وإفريقي يطرح للتأهل للجائزة، نهاية بفيلم "شيخ جاكسون"، عام 2017، ومع ذلك فالأفلام المصرية لم تصمد للتصفيات الأخيرة.

إلا أن التاريخ يسجل واقعتين لعلاقة الفيلم المصري بالجائزة، الأولى: فيلم "الميدان" للمخرجة جيهان نجيم، وهو إنتاج مصري أميركي، وصل للقائمة القصيرة في قسم الفيلم التسجيلي الطويل، لكن الرقابة منعت عرض الفيلم جماهيرياً وفي المهرجانات؛ بسبب رصده لهتاف "يسقط حكم العسكر"، الذي تردد أثناء ثورة يناير 2011.

والثانية حين عُرض فيلم "خريف آدم" في إحدى الولايات الأميركية، وأصبح من حقه نظرياً المشاركة داخل المسابقة العامة، وليس كأفضل فيلم أجنبي؛ لأنه عُرض تجارياً في إحدى القاعات بنسخة مترجمة، إلا أن الفيلم لم يصمد في التصفيات الأولى سوى في فرع الموسيقى لراجح داوود.

وقد لا يعرف الكثيرون أن شاباً مصرياً سكندرياً حصل على الأوسكار، اسمه أحمد يسري، حيث فاز بالجائزة مرتين، عامي 2012 و2015، ضمن فريق المؤثرات البصرية لفيلمي (interstellar) و(Hugo)، إلى جانب مشاركته في أعمال أخرى أهمها:

(Wolverine – Spectre – Insurgent – Snow white – Total Recall – Thor – Godzilla – The Fate of the Furious – Star Trek – Mission: Impossible)  

ومن ناحية أخرى فإن مصر لها علاقتان طريفتان بالأوسكار: أولهما عن طريق الممثلة كيت بلانشيت، التي فازت بجائزة أوسكار أفضل ممثلة عام 2014، فقد قامت بدور كومبارس في فيلم "كابوريا" للفنان أحمد زكي، وهو ما أعلنته عند استلامها للجائزة، حيث قالت إنها زارت مصر وهي تبلغ من العمر 18 سنة، وكان أول أعمالها الفنية بمقابل يومي قدره 5 جنيهات وبعض الفلافل، وقالت: "كان العمل مرهقاً للغاية، وكنت أجلس مع المجاميع على الأرض لأكثر من 6 ساعات لإعداد مشهد واحد فقط، وسط حالة من الزحام والضجيج والأتربة، لكنني كنت سعيدة بحصولي على سندويتشات الفلافل المجانية".

العلاقة الثانية هي تواجد أول صحافية مصرية لتغطية الأوسكار عام 2016، التي واجهت الفنان ليوناردو دي كابريو بسؤالها الشهير الذي أثار سخريته وسخرية الجميع: (what about your first Oscar?).

تخبُّط إداري وروتين

واجه الفيلم المصري عقبات عدة عاقت وصوله إلى القائمة النهائية للأوسكار، من أهمها الجهة المنوط بها ترشيح الفيلم، التي بتتبعها نجد مسيرة ناجحة جداً من التخبط الإداري الذي كان عاملاً رئيسياً لعدم اقتراب الفيلم المصري من التمثال الذهبي، حيث يشترط الأوسكار أن تتولى الترشيح جهة غير حكومية، وقد كان المركز الكاثوليكي للسينما هو المنوط به ذلك، وفي عام 2004 قرر وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني سحب هذا الحق من المركز الكاثوليكي، وشكَّل لجنة برئاسة الكاتب محمد سلماوي، لكن اللجنة كثيراً ما كانت تنسى موعد التقدم للأوسكار.

وفي السنوات الأخيرة أسندت المهمة لنقابة السينمائيين، التي تشكّل لجنة برئاسة النقيب لتخاطب جميع شركات الإنتاج لعرض أفلامها على اللجنة، التي تنتهج نهجاً إدارياً روتينياً لا فنياً عند اختيارها الفيلم الممثل لمصر في المسابقة، فرغم أنها تضم مخرجين ومنتجين ومديري تصوير ومهندسي ديكور ونقاداً فنيين فإن إجماع اللجنة يذهب إلى الفيلم الحاصل على أكبر عدد من أصوات الأعضاء الذين لا تشهد اجتماعاتهم نقاشاً حول الأفلام المتنافسة؛ "لأن كل عضو يكون مقتنعاً بالفيلم الذي سيصوت له والنقاش سيؤدي إلى ضياع الوقت"، بحسب تصريح أحد أعضاء اللجنة.

مثلث الاختيار: المجتمع – الرقابة – السلطة

لكي يرى الفيلم النور لا بد من أن يمر على ثلاث مراحل، وكل منها يفرض قدراً من القواعد والأُطر التي تقوِّض الإبداع، وتجبر أصحاب العمل على التعديل والقصِّ أو إنهاء العمل وعدم تنفيذه.

أول هذه المراحل المجتمع الذي يخرج منه الفنان، وينعكس بدوره على عقليته، فيتقيد بخلفيته الثقافية وما يقبله وما لا يقبله، وثانيها جهاز الرقابة الذي لا تسلم منه سوى الأفلام التجارية ذات المستوى المتدني من الحوار والإبداع، والذي يفرض أحياناً قيوداً غير منطقية إلا لدى أعضائه فقط، وثالثها السلطة التي قد ترى في الفيلم ما يمسّها بسوء أو يمسّ وحدة البلاد وصورتها خارجياً، من وجهة نظرها، وقد ترفض السماح بعرض الفيلم حتى وإن أجازته الرقابة، كما أن السلطة لا تقدم أي دعم سياسي لصناعة السينما المصرية، ولا تذكر السينما إلا حينما تريد تطويعها لتقديم رسالة مؤيدة للنظام أو بث بعض أفكارها بغطاء فني.

وتجتمع قيود الجهات السابقة لتكوّن رؤية شديدة التقييد للفن والإبداع، ينتج عنها فيما بعد مردود سلبي تجاه بعض الأفكار والأفلام والمبدعين، ويتحول الإبداع إلى انتهاك أو إلحاد أو معارضة.

أسباب فنية

ومن أهم المشكلات التي تواجه الفيلم المصري انخفاض مستوى جودته الفنية والتقنية، كما أن شركات الإنتاج باتت تقدم أفلاماً تجارية ضعيفة في مضمونها ومستواها الفني والسينمائي، إلى جانب الافتقاد إلى الإتقان في كتابة السيناريو، وبناء الشخصيات، ومعالجة الأحداث، والتعامل مع السينما طبقاً للمتاح، دون محاولة التطوير فيها أو الخروج عن المألوف، فضلاً عن ضعف التسويق والتوزيع والعرض، إلى جانب أن شركات التوزيع لا تقوم بدورها في تحمُّل الجزء الأكبر من عملية توزيع الفيلم وتأهيله، ودعمه مادياً وإعلامياً، لذلك لا تتوافر كافة المقومات التي تعزز وصول الفيلم المصري إلى التمثال الذهبي.

وقبل كل ذلك فإن السينما في مصر لا تحظى بالاهتمام والدعم الذي يساعدها على الارتقاء، بل لازالت عند الكثيرين تعني الترفيه والتسلية، ولم تصل إلى مستوى الصناعة التي تعتمد على آليات واستثمارات تسهم في خروج منتج قادر على المنافسة العالمية، إذ لا تزال الأفلام المصرية التي تُعرض – فقط تُعرض – في المهرجانات السينمائية الدولية هي أقصى طموح العاملين بالمجال، على اعتبار أنه يكفينا شرف المحاولة والسفر.

فضلاً عما سبق فإن مهرجانات السينما المصرية والعربية لا زالت خارج نطاق الخريطة العالمية، وتكتفي بدعوة قلة من النجوم العالميين دون الاستفادة من تواجدهم، لذا نحن في مصر نعيش في الجانب المظلم من العالم، وقد تكون معرفة الجانب الآخر بنا توقفت عند يوسف شاهين وعمر الشريف.

أسباب غير فنية

يواجه الفيلم المصري منافسة شرسة في الأوسكار من قبل الأفلام الأخرى التي تتنافس في الجودة والتقنية، وتتوافر لها مقومات فنية ومادية لا تستطيع الأفلام المصرية مجابهتها، كما أنه يترشح لفئة واحدة، وهي أفضل فيلم أجنبي، على خلاف الأفلام الأميركية كمثال، التي تنافس على الفئات كلها تقريباً، كما أن عمليات الاختيار ومنح الجائزة أحياناً تعتمد على اعتبارات أخرى خارج النطاق الفني، فتكون أحياناً سياسية، كما يحدث مع الأفلام المعارضة للنظم الحاكمة، أو تخضع لمعايير شخصية تؤثر على تصويت لجان التحكيم، والتي قد يكون منها التأثر بالسينما الأميركية، خاصة أن الأوسكار أميركي الصنع والتوجه، كما أن لجان التحكيم عادة ما تشاهد الأعمال التي تحصل على شهرة وعرض عالمي، وهو ما يفسِّر عدم دخول الفيلم المصري الذي لا يتم الاهتمام بعرضه دولياً.

وقد يكون العائق مادياً، فالأوسكار يتطلب ميزانية ضخمة، ويُوجب على صاحب الفيلم خوض حملة ترويجية وسط أعضاء الأكاديمية؛ ليتمكن من الدخول في سباق الترشيحات، وفي النهاية يبقى الأمر مغامرة لا تُعرف نتائجها، بحسب تصريح المخرج يسري نصر الله.

نجاح أي فيلم لا يُقاس بعدد الجوائز التي فاز بها، وكثيراً ما نالت الافلام إعجاب الجمهور والنقاد لكنها لم تحصل على الأوسكار، وهناك أفلام فازت بالجائزة ولم تكن هي الأكثر استحقاقاً لها، ما يجعل الفوز بالأوسكار ليس المعيار الوحيد للجودة، فضلاً عن أن الأوسكار جائزة قائمة على التصويت، وليست مسابقة قائمة على جودة الفيلم، وحصول فيلم مصري على الأوسكار لا يعد مؤشراً على التميز، ولن يعدو أن يكون مجرد حالة نحتفي بها وتتوارى في طيّات التاريخ ما لم يرافق ذلك إنتاج سينمائي يخضع لأطر فنية راقية لا تجارية رخيصة، مع تحويل السينما إلى صناعة حقيقية، بعيدة عن المحاولات الفردية والعشوائية لصناعها، وتأسيس أكاديميات فنون سينمائية مصرية تكون العالمية ضمن أهدافها، في إطار منظومة فنية متكاملة، وليس مجرد لجان تجتمع وتُصدر تصريحات صحافية، تتبعها اجتماعات روتينية ثم ينتهي الأمر عند الإعلان عن فيلم مصري جديد يسافر إلى الأوسكار بطائرة عودة قبل الذهاب؛ لأننا لم نطبق أياً من الأمور التي تجعلنا نفعل أكثر من الذهاب والعودة.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد سمير سامي
كاتب حر
تحميل المزيد