منذ سنوات بات موضوع الثروات الطبيعية يتصدر مشهد الصراع في المنطقة، ففي ظل موجة الاحتجاجات الشعبية ذات المطالب الاجتماعية، بات النقاش السياسي والحقوقي يتركز أساساً حول أحقية الساكنة المحلية في الاستفادة من ثروات المنطقة، خاصة الثروة المعدنية (الفوسفات)، والثروة السمكية (الصيد البحري).
ورغم شرعية النقاش حول ثروات المنطقة بالنظر إلى الفوارق الطبقية المسجلة في مدن الإقليم، فضلاً عن العديد من مظاهر الهشاشة المجتمعية كالفقر والبطالة في إقليم يتم الترويج على نطاق واسع لدعايات تفيد بتمتعه بمعاملات اجتماعية واقتصادية تمييزية…، لكن النقاش حوله غطَّى على موضوع لا تقل أهميته -في اعتقادي- عن موضوع الثروات الطبيعية.
ثروة محلية أخرى يتم نهبها والتلاعب بها في صمت، وأمام أعين الجميع بالمدن الصحراوية، ثروة هائلة تتوسع باستمرار، يقدر حجمها بمليارات الدراهم، وتدرّ مبالغ خيالية على شرذمة قليلة من المسؤولين الفاسدين ودائرة ضيقة من المتعاونين معهم، إنها ليست سوى الوعاء العقاري في المدن الصحراوية.
أحياء بالجملة يتم الاستحواذ على تهيئتها تحت جنح الظلام، ومئات إن لم تكن الآلاف من البقع الأرضية يتم توزيعها باعتماد المحسوبية والزبونية، يصل بعضها إلى مستحقيه، لكن يتم تمرير الكثير منها إلى مجموعة من اللصوص الذين يحترفون سرقة العقارات في المنطقة، عبر التحكم في الإدارات الوصية وتزوير الوثائق الإدارية، عقارات تجارية هامة تُحْتكر من طرف كروش الحرام دون وجه حق، وأخرى تنهب وتُنتزع من أصحابها في وضح النهار، مساحات مخصصة للساحات والفضاءات العمومية تصير بين عشية وضحاها ملكيات خاصة، ومواقع استراتيجية غير مُهيأة تُحال إلى أشخاص معينين بشكل غامض وبطرق غير قانونية، بما فيها تلك المساحات غير الصالحة للسكن أصلاً، بالخصوص في مداخل المدينة وضفاف الوادي، بالإضافة إلى المساحات المطلة على الساحات العمومية المهيئة.
شبكات إجرامية منتشرة في العديد من الهيئات والإدارات تتقاسم غنيمة الوعاء العقاري، ومسؤولون يراكمون ثروات هائلة بفضل التحكم فيه، يستعينون بسماسرة ووسطاء ومضاربين، كما يوظفون عصابات الخارجين عن القانون من الشماكرية واللصوص وقطاع الطرق للسيطرة على العقارات المتنازع عليها، أو تلك التي يغيب ملاكها خارج الإقليم قبل استكمال إجراءات البناء والإعمار الإدارية… ما أفرز العديد من ممتهني الاغتناء السريع من اللصوص ومحدثي النعمة من محيط كروش الحرام الذين باتوا بين عشية وضحاها مترفين وذوي شأن وربما من علية القوم…
عصابات تمتهن التلاعب بأسعار العقار عبر التحكم في نسبة كبيرة من العقارات والبقع الأرضية المعروضة في السوق، والمضاربة فيها وتفويتها لبعضهم البعض، الأمر الذي يُثقل كاهل المواطن العادي الفقير أو متوسط الدخل، الذي يعاني الأمرَّين لأجل ضمان حقه في السكن، في مدينة شهدت وفرة في العرض إلى عهد قريب، حيث تم تنظيم العديد من حملات توزيع العقارات السكنية والبقع الأرضية، لكنها لم تُجْدِ نفعاً أمام الارتفاع المهول المسجل في أسعار العقار مؤخراً، بسبب عمليات نهب العقار الواسعة.
ففي العقد الأخير فقط عرفت مدينة العيون -على سبيل المثال لا الحصر- مجموعة من حملات الإسكان هَمَّت فئات وشرائح واسعة من الساكنة، أبرزها تلك التي شملت ساكني "مخيم الوحدة"، إلى جانب أخرى شملت "العائدين"، ثم عمليات توزيع البقع الأرضية أعلن في حينه أنها لصالح الفئات المهمشة، إلى جانب أخرى خُصصت لعمال وموظفي بعض القطاعات… لكن الحملات نفسها طالت بقدرة قادر مسؤولين وموظفين سامين وتجاراً ومنتخبين دون وجه حق، استحوذوا على أهم العقارات وأكثرها قيمة.
ففي حين لا يزال العديد من أبناء المدينة من الفئات المعنية بتلك الحملات ينظمون الأشكال الاحتجاجية رفضاً لإقصائهم من الاستفادة من حقهم في السكن، يستحوذ العديد من المسؤولين إلى جانب دائرة ضيقة من الموظفين والعناصر الإجرامية المتعاونة معهم على نسبة كبيرة من العقارات المعروضة بالمدينة، كما ينظمون عمليات بيع واسعة للعقارات والبقع الأرضية، في إقصاء تام لأبناء المدينة المُفقرين ممن لا حول ولا قوة لهم أمام الارتفاع المهول في أسعار العقار، وفي تواطؤ جليّ من طرف الإدارات المعنية بالإسكان وبتهيئة الوعاء العقاري.
فمتى تستفيق الساكنة المحلية على عملية النهب الممنهج للوعاء العقاري والسارية على قدم وساق وعلى مرأى من الجميع؟ حملة لا تحرم أبناء المدينة من حقهم في السكن عبر التحكم والمضاربة في أسعار العقار فقط، ولكنها تشوه مظهر المدينة، وتستحوذ على المساحات الخضراء والفضاءات العمومية فيها، وترهن مستقبلها في يد شرذمة من المسؤولين والفاسدين وأذنابهم، عبر توظيف العقار المنهوب ومداخيله في المعارك السياسية الضيقة.
اقرأ أيضاً في قسم الرأي لدينا:
أوقفوا الغناء للصلاة وقطعوا أجسادهم بشفرات الحلاقة.. ما الذي حدث في جنوب الجزائر قبل أيام؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.