كانت الإدارة الأميركية خلال فترة رئاسة أوباما تتعامل بحذر مع جماعة الإخوان المسلمين، التي تولت السلطة في مصر في ذلك الوقت بعد أول انتخابات حرة في تاريخ البلاد. وبالرغم من الدعم المُعلن من طرف أوباما تجاه الديمقراطية والتغيير في العالم العربي خلال صحوة الربيع العربي، فإنه لم يتخذ موقفاً حازماً ولم يرفض الانقلاب العسكري ضد الرئيس المُنتخب محمد مُرسي. وكما نعلم، أدى الانقلاب العسكري -بجانب الطُغيان والقمع والفساد- لسيطرة الجيش على الحُكم مرة أخرى في أكبر بلد عربي.
يمثل هذا خلاصة الاستنتاج الذي توصل إليه ديفيد د. كيرك باتريك في كتابه الرائع (Into The Hands of Soldiers) الذي صدر هذا الشهر. وكمدير سابق لفرع صحيفة نيويورك تايمز بالقاهرة، يعرض كيرك باتريك الجانب المؤسف من الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، وهو الانقلاب الذي أضاع فرصة عظيمة لتحسين الأوضاع بالوطن العربي كله والسماح بتغيير تاريخي كان بإمكانه تحرير البلاد من ألف عام من الاستبداد والطغيان.
إن نفور الولايات المتحدة من جماعة الإخوان المسلمين، والذي يتضح جلياً في إدارة ترمب، هو أصل المحنة في العالم العربي بأسره. وعملية استئصال الإخوان المسلمين لا يُمكن أن توصف بأقل من كونها عملية استئصال للديمقراطية نفسها وضمان استمرار العرب في العيش تحت ظل الأنظمة الاستبدادية الفاسدة. ويعني ذلك استمرار مسببات الثورة والتطرف واللاجئين، وكلها عوامل تؤثر على أمن أوروبا وبقية العالم. لقد قلبت أزمة الإرهاب واللاجئين الجو السياسي في الغرب وأدت لصعود التيارات اليمينية المتطرفة به.
لا يمكن أن يكون هناك إصلاح سياسي أو ديمقراطية في أي بلد عربي دون القبول بالإسلام السياسي كجزء من هذا الإصلاح. وإن أتيحت الديمقراطية في أي بلد عربي، فسيُعطي العديد من الناس أصواتهم للأحزاب السياسية الإسلامية هناك. وبات من الواضح الآن أن الطريقة الوحيدة لمنع الإسلام السياسي من لعب أي دور في السياسة العربية هي إلغاء الديمقراطية بحد ذاتها، ويعني ذلك حرمان الناس من حقهم الأساسي في اختيار ممثليهم السياسيين.
يصيغ أستاذ العلوم السياسة بجامعة الكويت، شفيق الغبرا، الأمر على الشكل التالي: "إن حرب الأنظمة العربية على الإخوان المسلمين لا تستهدف الحركة بحد ذاتها، وإنما تستهدف أولئك الذين يمارسون السياسة، والذين يُطالبون بالحرية والمُساءلة". وبالنظر للتدهور السياسي الذي حدث في مصر بعد الانقلاب، فقد أصاب الغبرا عين الحقيقة. قام نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي بقمع الإسلاميين واعتقال حوالي 60 ألف شخص منهم. والآن، فرض النظام قبضته المستبدة لتطال كُلاً من الشخصيات العلمانية وحتى العسكرية، حتى أولئك الذين وقفوا وراءه في الانقلاب. وفي وقتنا هذا، ماتت الحياة السياسية في مصر بالمعنى الحرفي للكلمة.
من الخطأ انتقاد الإسلام السياسي والتيار المُحافظ وقضايا الهوية عندما يكون الاختيار محصوراً بين مجتمع حر متسامح مع جميع وجهات النظر من جهة، ونظام قمعي مستبد من جهة أخرى. قامت 5 سنوات من حُكم السيسي لمصر بتوضيح تلك النقطة.
هناك جهود تُبذل هنا في واشنطن، وتشجعها بعض الدول العربية التي لا تدعم الحرية والديمقراطية، لإقناع الكونغرس بإدراج جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية. وإن نجحوا في ذلك، فإن هذا من شأنه أن يُبطئ من الخطوات الهشة نحو الديمقراطية والإصلاح السياسي، التي تم كبحها بالفعل في الوطن العربي. ومن شأن ذلك أيضاً الرجوع خطوة للخلف بالدول التي حققت تقدّماً في خلق بيئة متسامحة وسمحت بالمشاركة السياسية لمختلف طوائف المجتمع، بما فيها التيار الإسلامي.
يُشارك الإسلاميون اليوم في برلمانات العديد من الدول العربية كالكويت والأردن والبحرين وتونس والمغرب. وقد أدى ذلك لظهور الإسلام الديمقراطي كحركة النهضة في تونس ونُضج التحول الديمقراطي في البلدان الأخرى.
أدى الانقلاب العسكري في مصر إلى خسارة ثمينة لمصر وللعالم العربي بأكمله. فإن كان المسار الديمقراطي قد استمر في مصر، كانت الممارسات السياسية لجماعة الإخوان لتَكون أكثر نُضجاً وشمولاً، وكان التناوب السلمي للسلطة ليكون حقيقة واقعة ومثالاً تحتذي به الدول العربية الأخرى.
دائماً ما تقول إدارة ترمب إنها تسعى لتصحيح أخطاء أوباما، إذن فعليها أن تضيف سوء تعامله مع الديمقراطية في الوطن العربي إلى القائمة. فقد أخطأ أوباما عندما أهدر الفرصة الثمينة التي كان من شأنها تغيير تاريخ العالم العربي، وقد أخطأ عندما رضخ للضغط المفروض من السعودية والإمارات بجانب عدد من أعضاء إدارته. لقد تجاهل الجميع الصورة الكاملة واحتكموا لكراهيتهم المتعصبة ضد أي شكل من أشكال الإسلام السياسي، وقد دمّرت هذه الكراهية اختيار العرب للديمقراطية والحُكم الرشيد.
– هذه التدوينة مترجمة عن صحيفة The Washington Post الأميركية.
إقرأ أيضاً في قسم الرأي لدينا:
الإسلام السياسي.. لماذا يُعتبر نظام حكم فاشلاً لا أساس له في الدين الإسلامي؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.