عن أيِّ تأثيرٍ يتحدّثُ هؤلاء؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/02 الساعة 14:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/13 الساعة 12:47 بتوقيت غرينتش
Vlogger talking about her camera equipment and lighting settings

قبل فترة انتشرت قصة المدوّنة الكويتية مع خادمتها وتصدرت المواضيعَ و"الهاشتاغات" على مواقع التواصلِ الاجتماعي، بعدَ أنْ عكستْ بتصرفِها العنصريِّ وجهَها الآخر الذي عبثاً حاولتْ أن تُزيّنهُ بمساحيقِ التجميل ورُتوشِ الفوتوشوب.

المدوّنةُ التي لم تتنازلْ عن برجِها العاجيّ لتعتذرَ للملايين مِن متابعيها عن تصرفها خرجتْ لتقولَ أنّ الحربَ الإعلاميّةَ التي شُنّتْ عليها، ومقاطعة الشّركاتِ لها إنّما لكونِها مُحجبة ومسلمة، وكأنّهُ فاتَها أنَّ هذهِ الشركات كانتْ تتعاملُ معها وهي تعلمُ ذلك. ولكنّه الجَهْرُ بالسُّوء الذي جعلَها تتبجّحُ وتقولُ أيضاً أنّهُ من الجيّد أنّ الجميع قدْ أجمعَ على جمالِ وجهها مِن الخارج أمّا مَن يعرفُها جيّداً فلا يخفى عليهِ جمالُها الداخليّ، وكأنّها بَدتْ سعيدةً لأنَّ الجميعَ بما فيهِم وسائلُ الإعلام الأجنبية تتحدّثُ عنها بينما كانَ من المفروض أنْ تُخفي وجهَها عن الأنظارِ ندماً وخجلاً.

قدْ لا يبدو كلامُ هذه المدوّنة مُستغرباً فهؤلاء الذين يلقبون أنفُسَهم بالمؤثرين على مواقعِ التواصل تمادوا حتى تكادُ الأرض أنْ تلفظَهُم وما تماديهم إلاّ لأنّنا تابعناهُم يوماً واعتقدنا أنّهم يستحقونَ المتابعة، فاكتشفنا عكسَ ذلك.

حدثَ وأنْ شاهدتُ منذ فترةٍ ومن بابِ الفُضول برنامجاً يستضيفُ شباباً وشاباتٍ كلاً على حِدَة، ليتحدثوا فيهِ عن تجربتهم الخاصة مع التنمُّر والسّب والشّتمِ الذي يصلهُم من متابعيهم في مواقعِ التواصل الاجتماعيّ.

ما شدَّني بعيداً عن موضوعِ البرنامجِ الرئيسيّ الذي قد تحملُ مذيعتُه نيّةً طيبةً أثناءَ تحضيرها له، هو الصفةُ التي قدّمَ بها هؤلاء أنفسَهم عندما سألتهم المذيعة أين تصنّفون أنفسكم، هل من بينِ صُنّاع المحتوى أم مِن بين المؤثرين! ولكن وبكلّ ثقةٍ اتّفق الجميعُ على إجابةٍ واحدة لا تحتملُ أوجُهاً أخرى، إنّهم مؤثرونَ وحسب.

دفعني الفضولُ مرةً أخرى لأبحثَ عن هؤلاء، وأفتّشَ عن نوعِ التأثير الإيجابيّ الذي يقصدونَه، والذي لمْ يصلني للآن، وبضغطَةِ زرٍّ واحدةٍ على أسمائهم وصلتُ لمعنى التأثيرِ الذي يتحدثونَ عنه.

هُم مجموعةٌ من الفِتَية والفتيات والمشاهير الذين اختاروا أنْ يعرضوا تفاصيل حياتهم على مواقع التواصل الاجتماعيّ كما هي، فجعلوا من خصوصيّتهم الشّخصية المؤشّر الذي بسببهِ ترتفعُ وتتضاعفُ مشاهداتهم ويكثر بها مُتابعوهم.

الوصفةُ تكمُن في زوجٍ وسيمٍ مُتحرّر، يُظهِرُ حبّهُ لزوجتِه ودعمَه لها على العَلن، في صورٍ وفيديوهاتٍ تبدو مُبالَغاً فيها أحياناً، وفي زوجةٍ تتفاخرُ بأحضانِ زوجها وبقطٍّ تلاعبه وكلبٍ تتمشّى وتتصور معَه، ناهيكَ عن المطاعمِ الفاخرة التي يرتادونَها وصور الأطعمةِ اللّذيذة التي يُكثرون من نشرها، والسّيارات الفاخرة التي يتباهَوْنَ بقيادتِها، ولتكتملَ لوحةُ العطشِ للشّهرة، ستجدُ أيضاً صوراً وهُم يحملونَ كُتباً في إشارةٍ إلى أنّهم يملكونَ الوقتَ لتغذيةِ عقولهم بالمعرفة. وصوراً لتواجدهِم في نوادٍ رياضية وفعالياتٍ ولقاءاتٍ نسيَ فيها تلفزيونِ الدولة الذي استضافهُم ليتحدثوا عن حياةٍ فارغةٍ بصفتهم من المشاهير، أنّ هناك مئاتَ النّوابغِ الذين بحاجةٍ للّقاءٍ ودعوةٍ تُسلّطُ فيها الأضواءُ عليهم.

ولا يكتفي هؤلاء بذلك وحسب، بل يقدمونَ لكَ المنتج الفلانيّ كإعلانٍ ربحيّ، ويتحدثونَ لكَ عن مشترياتهم اليومية وماذا فعلوا خلالَ يومهم الطويل وأينَ حجزوا لعطلهم القادمة وماذا اشتروا مِن ثيابٍ فاخرة مع إشارةٍ للمحلات ذاتِ الأسماء الكبيرة والمعروفة في عالم الألبسة والموضة ولا يفوتهُم مشاركتكَ بمسابقاتٍ يكونُ الرابح فيها هُم ولا أحد غيرهُم، كما ينقلونَ لكَ خبر استقبال مولودهِم الأول بحفلاتٍ باذخةٍ لا تعني للمتابعِ ولا تهمُّه في شيء.

فينبهرُ بهم المُراهقون وقد يكتئبُ الكثيرونَ، لكثرةِ المقارناتِ التي تقومُ بها عقولهم بينَ حياتهِم البسيطة وحياةٍ خياليةٍ يشاهدونها ويتمنّونَ لو أنّهم يعيشونَ نسخةً مثلها.

وكأنَّ هَمُّ هؤلاء الوحيد أنْ يتضاعفَ عددُ متابعيهم وتزيدَ أرباحُهم ومهما حاولوا التودّد لهم، فإنّما هو لغايةٍ واحدةٍ تصبُّ في مصلحةِ جيبهم وشُهرتهمْ على حدِّ السَّواء.

حتى إذا ما جرّبَ أحدُ المتابعين انتقادَهُم ونُصحهم أهدوهُ حظراً وكتبوا ملاحظةً يطلبونَ فيها مِن الجميع عدم التدخلِ في شؤونهم الخاصة وحياتهم التي شاركونا فيها، إلى أنْ وصلنا لغرفِ نومهِم وحفظنا ألوانَ أغطيّةِ أسرّتهم وماذا يوجدُ على رفّ مكتباتهم من كتب وزينة، وفي ثلاّجاتهِم من طعام، وحتى مواعيد دخولهم وخروجهم من المنزل.

مَن يدّعونَ التأثير في ازدياد، فقد عرفوا طريقاً سهلاً للربحِ والتسليّة والشُّهرة، لن يتوقفوا عن إغرائكم بالمُنتجِ الفلانيّ والمطعم والمكان والسيارة الفلانيّة، ولن تهدأَ أفئدتهُم حتى يُعشّشَ الوهمُ في عقولكم وحتى يتحوّل كلُّ مَن يتابعهم إلى نسخةٍ تسعى لتقليدهم ولا تصل لذلك. سيتلاعبونَ بمشاعركُم وستكونونَ بالنّسبةِ لهم أرقاماً ورصيداً في البنكِ لا يتوقف.

فقد اعتقدوا أنّ تلكَ العبارةَ التي يُذيّلونَ بها صورهم وهم يقفونَ على بابِ سيارتهم الفارهة أو تلكَ القِصّة التي يحدثونكم عنها أثناءَ فراغهم ببثٍّ مباشرٍ إنّما هو التأثير، ولو عَلِمُوا أنّ نصف مَن يتابعهم فضوليٌّ والنّصف الآخرُ مراهقٌ، لتوقفوا عن تسميةِ أنفسهم بذلك، واختاروا اسماً يتناسبُ وبيع الوهمِ الذي يمارسونه.

لذا لا تتوقعْ مِن متابعةِ هؤلاء أنْ تحصلَ على السّعادةِ أو الحكمةِ أو الفائدة، فلا تُعْطِ لأحدٍ منهم قيمةً ووقتاً لا يستحقهما، ولا تجعلْ من نفسِك أُلعوبةً في أيديهِم، وكُنْ داهيةً لا يخفى عليكَ مَن تتابع، واسأل نفسَكَ قبلَ ضغْط زرّ المتابعة لأحدهم:

عنْ أيِّ تأثيرٍ يتحدّثُ هؤلاء!؟

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
خولة شنوف
كاتبة ومدونة جزائرية
تحميل المزيد