على الرغم من حبي وعشقي للفتيات أجمع لا أدري كيف أصبحت أدعو لكل من ينتظرون وليداً بأن يكون وليدهم ذكراً.
في مجتمعٍ لا يعرف عن الفتاة شيئاً سوى أنها جزء من شيءٍ ما يختلف هذا الشيء باختلاف عقائده وما نشأ عليه ربما!
..
بتُّ كلما أخبرني أحدهم بأنه ينتظر فتاة أتخيل كيف سيكون حالها وعلى أي شقاءٍ ستنشأ في مجتمع جعل جُلَّ عنصريته صباً من نصيبِ فتياته.
..
نشأتُ في بيتٍ لا يُفرق بين شاب أو فتاة
أخذنا جميعنا حقوقنا وفضل أهلونا علينا بالتساوي
حقُّ تعليمٍ وحق تربية وحق دلال وحق رفاهية جميعها كان بالتساوي
لم يطلب مني والدي أن أفعل شيئاً لإخوتي لأنه واجبٌ عليّ وفي المقابل لم يطلب من إخوتي المثل
فبتنا نفعل لأنفسنا جميعاً ما هو حقٌّ علينا وما دون ذلك يفعله أحدنا للآخر عن طيبِ حبٍ وخاطر.
..
أتلقى نصيبي من السباب إن تأخرت تماماً كما يتلقى أخي فيطمئن قلبي، لا شك مع مراعاة فروق التوقيت فيما بيننا بحسب التوقيت المحلي للمجتمع!
تتصل أمي بمن تعرف من أصدقائي إن تأخرت عن الرد عليها في غضون النصف ساعة أو أقل ولو زدت لزادت.
ربما كأخي حين لا يجيب هاتفه ولحسن تدبيره أنه لم يعطِ أمي أرقام أصدقائه بعد
أُناقش أبي في السفر لفترة قصيرة مع أصدقائي بحسب مدة غيابي إن كانت يومين فربما شهرين من المحاولات تكفي لأن يملّ نقاشي ويقبل، وتزيد المدة بحسب مدة الغياب
ربما كأخي أيضاً حين نراه يحمل حقيبة سفره
على فين إن شاء الله؟! يومين وراجع
لكني سأعتمد هنا نظرية أن خوفهم المفروض على قلوبهم من مجتمعٍ بائسٍ في محله
وعلى كلٍّ لا ألومُ عليهم أبداً جميلَ قلق أدامه الله لأيامي حُباً ونوراً.
..
دعنا من المزح قليلاً
حقيقةً لا شيء جعلني أتمنى أن يُنجب الجميع ذكوراً كان مصدره بيتي
فلم يمنعني والديّ عن شيء لأنني فتاة حتى حين طلبت من والدي أن أشتري دراجة نارية كعادتي الجنونية خاطبني بخوفٍ من مخاطرها ولم يذكر في حديثه أو رفضه أبداً كلمة "فتاة" فأيقنت بأن جميل ظني فيهم مازال في محله.
..
لكن ما جعلني أتمنى ذلك حقاً
هو ذلك الشاب الذي كان يخاطب لا أدري خطيبته أم زوجته مهدداً إياها بأنها إن لم تسمع جميع ما يخبرها به من أوامر فلا تلومن إلا نفسها
"متى استعبدتم الفتيات وقد خلقهن الله أحراراً"
وسائق التاكسي الذي سألني مُستنكراً
إيه البنات اللي بتشرب سجاير في الشارع كدة عادي دي؟!
وحين أجبته.. والأولاد!
فَطِن ربما إلى ما قد يرنو إليه حديثنا فسكت
وهذان الشابان اللذان وقفا أمام ناظري يمزحان مع فتاة وحين غادرت همز أحدهم للآخر يا عم دي شمال
متى حكَّمكم الله على باطن آمةٍ من عباده يا أطهار؟!
وصاحب الإعلان الوظيفي الذي قرر أن يجعل من شروط التقدم أن تكون ذكراً
ما أجهلك والله، فقوة الأبدان تُستمد من قوة العقل وغلبة العاطفة.
..
جميعنا أسوياء، في الذنب والطاعة يا عزيزي
السارق والسارقة، الزاني والزانية
المؤمنون والمؤمنات، الطيبون والطيبات
لا فرق بيننا سوى بما استقر في قلوبنا من خشية الله.
..
أعلم أن الله يهب لمن يشاء ذكوراً ويهب لمن يشاء إناثاً
لكنني أسأله أن يهب إناثاً لهؤلاء الذين يعلمون كيف يُنشئون فتيات أسوياء
ويهب ذكوراً لمن لا يعلم عن الفتاة جميل ما فيها ولا يراها سنداً أو عزوة لكبر سنه.
..
لا يراها كسُمية بنت الخياط
أول شهيدة في الإسلام، كانت من أول ستة اعتنقوا الإسلام في مكة بعد الرسول (عليه الصلاة والسلام)، هي وابنها عمّار وذاقت وعائلتها أقصى أنواع العذاب حتى تغضّ النّظر عن الإسلام لكنّها لم تضعف يوماً، بقيت ثابتة على موقفها حتى تحت وطأة أشد العذاب حتى استُشهدت على يد أبي جهل عندما سمعها تردد: (أَحَد، أحد، الله أكبر)، ورفضت الكفر، فطعنها، وكانت بذلك أول مَن استشهد مِن النساء في الإسلام، ثم لحقت بها عائلتها.
أيُ جَلَدٍ وتحمُّل هذا!
لا يراها كخديجة بنت خويلد
الزوجة الأولى للنبي (عليه الصلاة السلام)
كانت من أعرق بيوت قريش نسباً، وحَسَباً، وشرفاً
نشأت على التخلّق بالأخلاق الحميدة، وتميّزت بقوة العقل، والحزم، والحكمة، والعفة، والطهارة. وكانت ذات مال وتجارة رابحة.
كانت أول من آزرت ونصرت الرسول عليه الصلاة والسلام حين نزل عليه الوحي، وحين أتاها من غار حراء وهو يرجف ويقول: (زملوني زملوني )، وكأن الله اختصّها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لتكون رفيقة دربه في بداية نشر الدعوة الإسلامية.
وبهذا كانت أول من آمن بالله ورسوله، ولُقّبت بنصير رسول الله، فقد تركت حياة الراحة والاستقرار وخرجت مع الرسول في عام المقاطعة إلى شعاب مكة مدّة ثلاث سنوات تتحمّل معه أعباء الرّسالة
وسُمّي العام الذي توفّيت فيه بعام الحزن.
أيُّ سندٍ هذا؟!
لا يراها كأسماء بنت أبي بكر الصديق
لقّبها الرّسول (عليه الصلاة السلام) بذات النطاقين؛ لأنه حين كان أبوبكر الصديق يُحضّر نفسه للهجرة مع الرسول لم يجد حبلاً ليربط به الزّاد والسقا، فأخذت أسماء (رضي الله عنها) نطاقها الذي كانت تربطه في وسطها فشقّته نصفين وربطت به الزاد، وكان النبي يرى ذلك كله، فسمّاها أسماء ذات النطاقين، وقال لها: (أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة).
تمنّت أسماء الهجرة معهما، وكانت تأخذ الزاد والماء للنبي عليه الصلاة والسلام ووالدها أبي بكر الصديق، غير آبهة باللّيل، والجبال، والأماكن الموحشة!
وحين هاجرت من مكة إلى المدينة في طريق الهجرة العظيم والشاق كانت حاملاً بجنينها عبدالله بن الزبير بن العوام، وحين شارفت المدينة وضعت مولودها مع موطئ المهاجرين من الصحابة، فأخذه الرّسول وقبّله.
أي عطاء وصبر هذا يا أسماء!
..
وكثير وكثير من قصص العطاء والتضحية منذ قديم الأزل إلى وقتنا الحاضر لفتياتٍ قدمن أرواحهن فداء لمن حولهم غير أنه لا يسعني الوقت ولا المكان لذكرها جميعاً.
..
ربما لن يغير مقال واحد ما ترسخ في العقول والأذهان التي لم ولن تؤمن بأن المساواة حقٌ وعدل من الله قبل أن تكون من دعواتنا.
غير أنه قد يعبث في العقول لتتفكر قليلاً ويحرك ما قد ركد فيها منذ زمن بعيد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.