غلبني الاندهاش حين أخبرتني صديقتي "المخطوبة" بأن جارتها ذات الخمسين
عاماً طلبت يديها لابنها مع علمها أنها مرتبطة بآخر!
كان تعليل المرأة لطلبها أن "خطيبك لسَّه صغير"، أما ابنها "الحيلة" فتخرَّج ويعمل، ويملك من خبرات الحياة ما يؤهله "لفتح بيت" أو ربما "لفتح بيت زوجة رجل آخر!".
على الفور قفز إلى ذهني مشهد فيلم الزوجة الثانية للجميلة سعاد حسني والرائع شكري سرحان، حين أخبره شيخ البلدة "أصل العمدة عاوز يناسبك"، لم يُصدق أبوالعلا "شكري سرحان" نفسه حين عرف أن العروسة المنشودة هي زوجته "فاطنة؟! مراتي!"، فكان رد فعل العمدة "طَلقّها".
ولِمَ لا؟
فليتزوج غيرها؛ لأن "البلد مليانة بنات حلوة" ولزيادة الطمأنينة "مش هتقعد ليلة عازب!".
حين قصصت الأمر على إحدى صديقاتي جاء ردُّها صادماً: "آه عادي، ما أنا المدير بتاعي لمّح لي بالجواز وبنتي على حجري".
وقتها شرعت في مناقشة الأمر مع بعض الصديقات هنا وهناك، لكنني تفاجأت بأن الأمر نفسه حدث مع أغلبهن "مخطوبات أو متزوجات"! يأتي أحدهم بمنتهى "البجاحة" ويخبرها بأنه يرغب في الزواج منها.. هكذا فقط!
ليعيدوا بدورهم صياغة المثل المعروف فيصبح: إذا لم تستحِ فافعل ما شئت.. "عادي"!
حين فتحتُ التلفاز وجدت هذا المشهد من مسلسل قديم: يأتي رجل أربعيني فيخبر "المدام" بمنتهى البساطة أن "الباشا عايزك"، وعليها أن تنصاع لأن القاعدة هنا "ده مش كلام يا أبوالعلا.. ده أمر".
ولاحظت أن بعض الفتيات تملُكن القدرة على رد هذا العبث، وآخريات لا يستطعن؛ لأنه وكما قال شيخ البلدة لأبوالعلا: "الأكابر بس هما اللي يؤمروا وإحنا ننفذ!". وعلينا أن نعمل بنصيحته "انطاع يا ابني ده إحنا غلابة!".
كم أدهشني حقاً تكرار الشخصيات من حولنا، وبالتالي تكرر المشاهِد. فالأشخاص يكررون أفعالهم، وبالتالي يعيد التاريخ نفسه مرات ومرات.
تغيّر المظهر وبقى الجوهر كما هو. تقدمت الحياة وبقيّت النفوس على حالها، مازال حولنا من يرتدون ثوب العمدة، وآخرون يرتدون ثوب الشيخ، و"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم".
السلطة والدين وأعوانهما!
مرضى العقول والقلوب في كل مكان حتى وإن كانت في "مقام والدتك".
وطبعاً لا يفوتني أن ألتفت إلى دور الفن في مجمله؛ لأنه يُسجِل لنا لحظات ومواقف بشرية تدعو للتأمل أو "الجنان" أحياناً!
على ذكر الفن، أذكر أيضاً جملة الفنان القدير "عادل إمام" حين وصف دوره -كزوج لابنة المليونير- وصفاً دقيقاً في مسرحية "الواد سيد الشغال"، وهو الدور الذي لعبه "كومبارسات" كثيرون هذه الآونة، حين قال: "آه كوبري يعني"، فلا تتعجب حين تجد شخصاً يبحث عن "كوبري"؛ لكي يتزوج طليقته بضعة أيام فقط حتى يتمكن من زواجها مرة أخرى؛ لأنه طلقها ثلاثاً!
ولمَ لا؟! "فالدفاتر بتاعتنا والتواريخ في إيدينا حد هيحاسبنا؟ اعقد يا راجل اعقد".
الحقيقة أن كل هذا أصبح مثيراً للنفور والغضب، كلما تصورت أن الحياة تطورت يأتي هؤلاء المرضى ليعيدوا إحياء مشاهد تناسيناها مذ زمن، لم يعد هناك حد للتصرفات البشرية.. كما لم يكن من قبل!
بل إنك أوقاتاً كثيرة قد تُفاجأ بردود فعل تجعلك تعتقد أن هذه الأمور"عادية"، وأنك "مكبّر الموضوع"، فلِمَ لا تُصبح الحياة ببساطة منطق العمدة والشيخ وأعوانهما! وعلينا ألا ننسى أن الزواج "قسمة ونصيب".
وأخيراً إلى هذا المستنسخ البشري البائس "ذكراً كان أم أنثى"، اعلم تماماً أنك ظاهرة مريضة نمت وسطنا، ولا يمكننا القضاء عليها، ولكنني سأقول لكَ أو لكِ، كما قال أبوالعلا: "يا كافر يا عديم الدين!".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.