امرأة حامل في شهرها الثالث تنتظر موعد ولادة حكومة لبنان بفارغ الصبر

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/01 الساعة 13:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/01 الساعة 13:32 بتوقيت غرينتش
Young preganant woman expecting a baby happy parent near window

استفاقت آمال فجأة وهي تشعر بغثيان قوي ودوار. حاولت إيقاظ زوجها الممدّد إلى جانبها على السرير، ولكنّ نعاسه كان يغتنم الدقائق المتبقية قبل انقطاع التيار الكهربائي، للتنعّم ببرودة هواء المكيّف. أزالت اللحاف الصيفي الخفيف عنها. ترجّلت من السرير. هرولت نحو الحمام. فتحت باب الحمام بكل ما أوتيت من قوّة. ارتطم باب الحمام بالحائط الجانبي. استفاق زوجها أخيراً على صوت الباب، وسارع للّحاق بها.

 

"ما تخافي، حياتي. متل ما قال الدكتور، بآخر هالشهر، ببلّش يخفّ الغثيان إن شاء اللّه". هذا ما قاله لها زوجها، محاولاً طمأنتها والتخفيف من حدّة وطأة التقيّؤ الذي كان ينتابها.

 

آمال حامل في شهرها الثالث. تتذكّر جيداً كيف كانت فرحتها لا توصف عندما اكتشفت أنها حامل، وكيف زارت الطبيب برفقة زوجها للتأكد من صحة هذا الخبر، بعد أن أجرت فحصاً للدم، فحدّد لها الطبيب أن تاريخ بدء الحمل هو الخميس في 24 مايو/أيار 2018.

 

 وللصدفة، فإنه نفس اليوم الذي كلّف فيه رئيس الجمهورية ميشال عون الرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة في لبنان، وذلك على إثر الانتخابات النيابية التي حصلت في 6 مايو/أيار 2018، وبعد أن سمّى 111 نائباً، من أصل 128، الحريري لرئاسة مجلس الوزراء.

 

عندها، سرعان ما تمّ إشاعة أجواء تفاؤلية في لبنان، مفادها أنّ عملية تشكيل الحكومة ستتمّ بسرعة. وقد أكّد مختلف الأفرقاء السياسيين نيتهم تسهيل مهمة الرئيس المكلّف، لا سيما أنّ التشكيل السريع للحكومة أضحى ضرورة ملحّة في ضوء المعطيات المقلقة المتعلقة بالوضع الاقتصادي والنقدي في لبنان. هذا بالإضافة إلى أنّ سرعة التشكيل من شأنها أن تخوّل لبنان القيام بالإصلاحات الاقتصادية التي يتوجّب على الحكومة العتيدة القيام بها، وذلك للاستفادة بأسرع وقت ممكن من مقررات مؤتمر المانحين "سيدر" الذي انعقد في باريس في 6 نيسان/أبريل المنصرم.

 

في الشهر الثاني من حمل آمال، بدأ جنينها ينمو بوتيرة سريعة، إذ بدأت أعضاؤه الرئيسية بالتكوّن، مثل الكبد، والكلى، والمعدة، والمخ، بالإضافة إلى الأذن الداخلية… والحكومة اللبنانية لم تتشكل بعد.

 

كما أخذت الخلايا العصبية لجنين آمال تنمو وتتفرّع في مخّه، وشرع هيكله العظمي ويداه وقدماه في التكوّن، كما جفون عينيه، حتى لو بقيت مغلقة، حتى أنّ أعضاؤه التناسلية بدأت بالتمايز… والحكومة اللبنانية لم تتشكل بعد.

 

 بمحصّلة الشهر الثاني من الحمل، أصبح طول الجنين تقريباً سنتيمترين ونصف، ووزنه حوالي غرامين… كلّ هذا والحكومة اللبنانية لم تتشكّل بعد.

 

أما في الشهر الثالث من حمل آمال، فبدأ رأس جنينها باتخاذ الشكل الدائري، كما أصبح الرأس أكبر أعضاء جسم الجنين، وأخذ شعر خفيف بالكاد يغطيه، كما بدأت ملامح وجه الجنين بالتكوّن، لا سيما الأنف والأذنين… والحكومة اللبنانية لم تتشكل بعد.

 

في منتصف الشهر الثالث، بدأ دماغه يتطور بسرعة فائقة وينتج كمية كبيرة من الخلايا العصبية،  وأصبحت عظام الجنين وعضلاته أكثر صلابة، كما أصبح بإمكانه أن يحرك رأسه ويفتح فمه ويغلقه… والحكومة اللبنانية لم تتشكل بعد.

 

في أواخر الأسبوع الثاني عشر، انتهى تكوّن أصابع الجنين، وبدأت أظافر رقيقة جداً في الظهور تدريجياً، كما تكوّن الحبل السري بالكامل، وأخذ بنقل الغذاء له وإخراج الفضلات، ما سمح باكتمال تشكّل الأجهزة الداخلية، لا سيما القلب والكليتين والمثانة والكبد، والبدء في عملها… والحكومة اللبنانية لم تتشكل بعد.

 

في نهاية الأسبوع الثاني عشر، الموافق يوم الأربعاء في 15 أغسطس/آب 2018، كانت خلايا قلب جنين آمال قد تطوّرت، وبدأ قلبه الصغير ينبض نحو 140 نبضة في الدقيقة، كما بدأ الكبد في وظيفته بالقضاء على المواد الغذائية عديمة الفائدة، وتمّ تشكيل نخاع العظام المسؤول عن ظهور خلايا الدم الحمراء، كما أصبحت لديه غدد هاضمة في معدته… كلّ هذا والحكومة اللبنانية لم تتشكّل بعد.

 

في محصّلة الشهر الثالث، أصبح داخل آمال إنسان صغير، طوله بين 7 و10 سنتيمتر، ووزنه حوالي 25 غراماً، أمّا الحكومة اللبنانية، فلم تتشكّل بعد.

 

بعد انتهاء الأسبوع الثاني عشر من الحمل، لا عودة إلى الوراء، فحتى الإجهاض يصبح عندها ممنوعاً في البلدان التي شرعنته (كفرنسا). أما في لبنان، حيث الإجهاض جريمة يعاقب عليها القانون، فهنالك من ما زال يهدّد بإجهاض الحمل الحكومي، وذلك بالدعوة إلى هرطقة دستورية، مفادها إلغاء تكليف الحريري في مجلس النواب.

 

تتأمّل آمال في تكوّن جنينها، لا سيما في قيمة الوقت؛ فلكل شهر، ولكل أسبوع، ولكل يوم أهميته في تكوّن ونموّ فلذة كبدها، فتنتابها عندئذ سعادة كبيرة ممزوجة بالكثير من الحنان.

 

وبنفس الوقت، تنظر آمال إلى الواقع السياسي في لبنان، حيث يضيع الوقت في النكد السياسي، والعراقيل المملة، والتفاصيل العبثية، وتذهب الأيام والأسابيع والأشهر سدى بين من ينتهج التعطيل، والاستقواء بسلاحه أو بسلاح حلفائه منذ سنوات، وبين من يحترف التنازلات السياسية دون مقابل جدي، وتبويس اللحى المسمّى زوراً توافق، فيغلب على آمال الحزن واليأس.

 

لا يسع آمال إلا المقارنة بين جنينها التي بدأت تدبّ في عروقه ملامح القوة، وبين طبقة سياسية عاجزة عن تشكيل حكومة في لبنان، يغلب عليها طابع الضعف والتكاسل، وذلك رغم محاولات هذه الطبقة الدؤوبة لتزيين هذا العجز بنعوت القوة المصطنعة، كـ"العهد القوي"، و"لبنان القوي"، و"الجمهورية القوية"، وما شاكلها من ديباجات الفشل، ومن عبارات مغروفة من قاموس "الكيتش" السياسي، والتي ما عادت تنطلي إلا على مريدي هذه الطبقة السياسية، وحاشيتها، والمستفيدين منها.

 

جنين آمال نذير حياة وفرح. أما الطبقة السياسية التي تتصارع حول تشكيل الحكومة، وتتبارى في إيجاد العقدة تلو العقدة لعرقلة هذا التشكيل، فهي نذير موت وأحزان. غالباً هم أنفسهم، منذ أيام الحرب الأهلية، الذين لم يأتوا على لبنان إلا بالمنايا والخراب، بسبب حبهم  اللامتناهي للسلطة والجاه والمال، في سبيل الهيمنة المتعجرفة، يحترفون الحروب العبثية داخل حدود لبنان وخارجها، يسمسرون للصفقات المشبوهة، يمتهنون ضروب الفساد، والزبائنية، وتأمين الحماية للسلاح المتفلّت، وللمربعات الأمنية، لا بل حتى أصبحوا يحاولون مؤخراً شرعنة الأعمال الجرمية (زراعة الحشيشة) التي تتمّ داخلها، ناهيك عن الارتهان إلى المحاور الإقليمية والدولية على حساب مصلحة الوطن.

 

وبعد ذلك كله، يحاولون كمّ الأفواه عند أوّل انتقاد يوجّه إليهم من مواطن قضوا، بأدائهم الفاشل، على آماله وعلى مستقبل أولاده.

 

تعود آمال الى السرير للاستراحة قليلاً، مستندة على  زوجها، عابرة بين التشاؤم والرجاء، وهي تتساءل إن كانا سوف يبقيان في لبنان، أو يهاجران إلى بلد آخر لتامين مستقبل جنينها الذي تنتظر ولادته بفارغ الصبر. فلربما يبصر النور قبل ولادة الحكومة، خصوصاً أنّ تشكيل الحكومة التي سبقت الأخيرة، كان قد  استغرق أكثر قليلاً من 10 أشهر (حكومة الرئيس تمام سلام).

 

عادت آمال إلى غرفة النوم، وإلى الواقع اللبناني. لاحظت أن التيار الكهربائي قد انقطع. أما الاشتراك بموتور الحيّ، فلا يكفي لتشغيل المكيف.

 

ربما تكون آمال شخصية خيالية، وحملها أيضاً. أما الواقع السياسي والاقتصادي في لبنان، والحمل الحكومي فيه… فلا.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
ساجي سنّو
حقوقي وكاتب سياسي لبناني
حقوقي وكاتب سياسي لبناني مقيم في باريس
تحميل المزيد