هل افتعل ترمب أزمة تركيا ليحصل على دعم الإنجيليين في الكنائس الأميركية؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/29 الساعة 10:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/29 الساعة 10:52 بتوقيت غرينتش

ساهمت العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على أنقرة في مفاقمة التراجع الذي تمر به الليرة التركية، وكذلك مضاعفة واشنطن الرسوم على بعض الصادرات التركية. وكون تلك الإجراءات من حليف مفترض لتركيا، بعثت رسالة سلبية مؤثرة إلى أسواق المال والاستثمار.

ورغم أن الناطقة باسم الخارجية الأميركية هيذر نورت قالت إن المشكلات الاقتصادية التي تمر بها تركيا بدأت قبل العقوبات، فإن الواقع وتوقيت تحركات الولايات المتحدة حيال تركيا لا يبرِّئان واشنطن.

رفضت محكمة تركية، الأربعاء، طلباً جديداً للإفراج عن القسّ الأميركي أندرو برونسون الذي يصف البعض احتجازه بأنه ذريعة مباشرة لاشتعال الأزمة الأخيرة الحادة في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، البلدين الحليفين في الناتو، فيما زادت أنقرة الرسوم الجمركية على واردات أميركية منها السيارات والكحوليات والتبغ، وذكر نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي على حسابه في تويتر أن رفع تركيا الرسوم على بعض المنتجات الأميركية جاء بموجب مبدأ المعاملة بالمثل.

اعتقلت السلطات التركية برونسون، في تشرين الأول/أكتوبر 2016 بتهمة التجسُّس ونشاطات إرهابية. ويرفض القسّ المقيم في تركيا منذ نحو 20 عاماً، هذه التهم، وبعد أكثر من عام ونصف العام من السجن السابق للمحاكمة تم وضعه قيد الإقامة الجبرية في تموز/يوليو بعد نداءات متكررة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإطلاق سراحه وإعادته إلى الولايات المتحدة.

صحيح أن الكثير من المراقبين اعتبر قضية منظومة إس 400 الدفاعية الروسية التي ترغب تركيا في استيرادها من موسكو، وكذلك موقف أنقرة المعلن من أي عقوبات أميركية جديدة على إيران، هما السبب وراء الأزمة الأخيرة، واعتبار أن قضية القس ليست سوى ذريعة، إلا أن جوهر القضية هو الميول التركية التي بدأت تظهر في الآونة الأخيرة نحو استقلالية قرار أنقرة.

لم يعد خافياً أن الأزمة الناشئة بين تركيا وأميركا ليست مشكلة على المدى القصير، إنما هي عبارة عن تراكم مجموعة من المشكلات المشابهة في هذه الفترة، إذ تمر أميركا بفترة أزمات مختلفة مع العديد من الدول الأخرى، الحلفاء والأعداء منها.

في ظل إدارة ترمب لم تمنح البعثات الدبلوماسية الأميركية في تركيا الأتراك تأشيرات دخول لفترة طويلة، وفرضت حظراً على إدخال الأجهزة الإلكترونية إلى الطائرات المتجهة من تركيا إلى الولايات المتحدة، وأوقفت نائب المدير العام لمصرف "خلق" التركي، كما استمر الدعم العسكري الأميركي للامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا والناتو، إضافة إلى الملف المتعلق بتنظيم الكيان الموازي.

حصل ترمب على أصوات 80% من الإنجيليين في انتخابات الرئاسة عام 2016، ومن المقرر إجراء انتخابات جزئية في الولايات المتحدة خلال تشرين/الثاني المقبل، وتوالت التهديدات من ترمب ونائبه مايك بنس مع اقتراب موعد الانتخابات، بفرض عقوبات على تركيا في حال عدم الإفراج عن القسّ برونسون.

قد يكون التصعيد الأخير مرتبطاً بملفات أميركية داخلية بحتة ولا علاقة لتركيا بها، والهدف استجداء دعم الإنجيليين في الانتخابات النصفية المزمع إجراؤها في البلاد بعد أشهر، والمسألة كانت وليدة محاولات ترمب للتأثير في السياسة الداخلية لبلاده، بتعبير آخر، حاول ترامب تحقيق انتصار خارجي ضد تركيا من أجل ضمان استمرار دعم الإنجيليين له في الداخل الأميركي.

تمر اليوم العلاقات بين أنقرة وواشنطن بأزمة عميقة، هي ليست الأولى، فقد شهدت علاقات البلدين دائماً منذ خمسينيات القرن الماضي تقلبات متعددة، إلا أن الحالة اليوم تختلف مقارنة بالماضي، وقد يكون هذا الفارق وراء تفاقم الأزمة اليوم.

في السابق، حتى وإن واجهت الولايات المتحدة مشكلات مع الحكومات المدنية في تركيا، كان معظم كبار قادة الجيش التركي موالين لها، وللمرة الأولى خسرت واشنطن الجيش التركي، وفق ما جاء في صحيفة "خبر تورك"، وحالياً، وللمرة الأولى، لا تجد الولايات المتحدة حليفاً لها داخل الدولة التركية، وهذه سابقة في العلاقات بين تركيا وأميركا، فالجيش الآن يقف إلى جانب الحكومة المدنية.

وفي ظل إصرار الإدارة الأميركية على مطلب استعادة القسّ من الإقامة الجبرية في تركيا، كشرط مسبق لحلحلة الأزمة مع أنقرة، فإن هذه الفترة قد تشهد المزيد من التردي في العلاقات التي يبدو أنها صارت محكومة بالتآكل والانتقادات المتبادلة، على حساب التسويات وحماية المصالح المشتركة وحيثيات التحالف.

يبقى القول إن الأزمة الحالية لا تقتصر على سوء العلاقات الثنائية بين تركيا وأميركا فقط، إنما تمثل أزمة ينعكس تأثيرها على النظام العالمي الذي أسّسته أميركا وأصبحت مركزاً لمحوره، إذ إن أميركا تعاني من مشكلات مع جميع حلفائها وأعدائها، وليس مع تركيا فقط.

صحيفة الحياة

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
باسل الحاج جاسم
كاتب و باحث في الشؤون التركية و الروسية
تحميل المزيد