كانت تمنع عن أطفالها التابلت والتلفاز وكل الإلكترونيات وكل ما له شاشة، حتى صفحتها على فيسبوك كلها حِكم ومواعظ ومقالات عن خطر تلك الاختراعات المقيتة، ويصل الأمر حد المباهاة أن حتى أطفالها لا يعرفون التابلت، ولا يعلمون كيف يُستخدم ذاك الشيء اللوحي المقزز الذي طالما يسحب من وقتك ويقتل إبداعك ويجلب عليك أشياء لا يجب أن تراها ويعلمك عن أشياء لا يجب أن تعلمها.
كنت في كثير من الأحيان أشعر بأن هناك شيئاً ناقصاً في الصورة، كلامها صحيح وأنا أيضاً لا يعجبني أن أترك أبنائي ليل نهار لـ FREE Nany أو مربية أطفال مجانية لا أعلم عنها شيئاً ولا أعلم بم ستحدث أطفالي وأكون مرتاحة البال، وتزداد حيرتي من كل الأمهات والآباء مثلها الذين لا يسمحون لأطفالهم بأي وقت للشاشة بينما هم أنفسهم على فيسبوك وواتساب وسائر مواقع التواصل الاجتماعي أونلاين أو على الأقل لا تجد أي منهم Technonlogy illeterate أو جاهل إلكترونياً أو أمي إلكترونياً.
صحيح الأمر مُحزن حين ترى أولياء الأمور حتى في التجمعات العائلية لا يتركون الهاتف من أيديهم وكأنه فرد من الأسرة، لكن هناك متسع من الوقت خلال اليوم.. ماذا لو كنا قد خرجنا في نزهة ورسمنا وقمنا بالتلوين وطهينا معاً الغداء وقرأنا وذهبنا لبيت العبادة سواء مسجد أو كنيسة وتعلمنا النجارة والسباكة وخبزنا الكعك والفطير وقمنا بتنظيف المنزل ومازال هناك وقت في يوم العطلة الصيفية الطويل؟
مثل تلك الأم أكره تلك الأجهزة وأشعر بالرضا عن نفسي إن مرَّت علينا الأيام دون أن تصل يد أبنائنا لذاك اللعين "التابلت".
ولكن يمر الوقت وأذهب للمدرسة، وأجد المدرسين في اجتماعهم الأول مع أولياء الأمور ينبهون على ضرورة التركيز مع الأبناء وتدريبهم عليه بشكل كافٍ على استعمال لوحة المفاتيح الخاصة بالحاسوب؛ وذلك لأن امتحان آخر العام سيكون متوافراً "أونلاين" وسيخضع لتوقيت زمني محدد، وإن لم يتدرب الطالب على كيفية النسخ والكتابة على لوحة المفاتيح بسرعة سيخصم من درجاته وسيؤثر ذلك على تقييمه في آخر العام!
بعد شهور من بداية العام الدراسي ذهبت للمدرسة لأتطوع لمساعدة المدرسة في الفصل مع التلاميذ، ثم وجدتهم قد وزعوا على الأطفال تابلت لعيناً آخر لحل بعض المسائل وللتفاعل مع بعض الأنشطة التفاعلية! يا إلهي، إنها أنشطة هامة وعليها درجات! ساعتها حمدت الله على سويعات التابلت القليلة التي منحتها لأبنائي على مضض وأني رغم شعوري بالندم والانتقاص من نفسي إلا أنني لم أجد بداً من منحهم بعض الوقت على الشاشة وإلا رسبوا!
ومازلت كلما تباهى أحد الأصدقاء أمامي بأنهم لا يتركون أبناءهم لتلك الإكترونيات اللعينة أمدح صنيعهم الذي لم ولن أستطيعه ولا أحاول أن أنبههم أن تلك الأشياء الإلكترونيات اللعينة قد تتسبب في رسوب أبنائهم إن لم يكونوا على علم بماهيتها وكيفية استخدامها مستقبلاً.
منذ وقت ليس بالبعيد شاهدت على موقع تيد محاضرة قصيرة لـ Sara Dewitt خبيرة المحتوى الإلكتروني الخاص بالأطفال لموقع PBS KIDS والتي تؤكد أن الألعاب والأنشطة التفاعلية على الأجهزة الإلكترونية هي لغة تعليم الأبناء في هذا العصر، وأنه لا يجب على أولياء الأمور الشعور بالندم والإحباط إن اضطروا لمنح أبنائهم القليل من وقت الشاشة ومناقشة ما رأوه وما فعلوه بعدها أو ربما مشاركتهم اللعب عليها وليعتبروا أنها مهارة جديدة يكتسبها الأطفال بدلاً من اعتبارها سماً أو خطراً نعرض أبناءنا له.. ماذا لو قنَّنا الجرعة؟ ماذا لو شاركناهم ما يسعدهم؟ ماذا لو علمناهم كيفية استخدام تلك الأجهزة على نحو يثري عقولهم؟ ماذا لو استطاع صغيرك الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة أن يبرمج آلة صغيرة؟ أو ينشئ موقعاً إلكترونياً أو مدونة أو قناة يعرض فيها أفلاماً صغيرة من تأليفه؟
في النهاية كل شخص له مهاراته ولسنا سواء، لن ينجح الجميع أن يكونوا أطباء ومهندسين وكُتاباً، العصر الحالي والقادم يحتاج لمهارات من نوع آخر.. والإنترنت والإلكترونيات أسلحة ذات حدين، قد تضر أبناءنا بالتأكيد مع زيادة التعرض لها وقد تؤثر على سلوكياتهم ومهاراتهم الاجتماعية وتطورهم اللغوي، ولكن بقليل من التوجيه منا قد تثري عقولهم وتفتح لهم آفاقاً جديدة ستساعدهم مستقبلاً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.