أنا لست ناقصة ليكمّلني رجل.. رؤيتي للزواج مختلفة فاتركوني وشأني

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/29 الساعة 09:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/29 الساعة 09:13 بتوقيت غرينتش
Thoughtful woman against black background

أطفأت مها شمعة التاسعة والعشرين، لكنها كانت كأنها الرصاصة التاسعة والعشرون ألفاً التي تطلق عليها في اليوم.

من محيطها.. من نظرات صديقاتها اللواتي تزوجن أو خطبن، ومن أقرب الناس إليها. من زوجات إخوانها وأمها وأبيها.

كان التناسب طردياً بين عمرها ومعاناتها وبؤسها..

بين عمرها ومحاولات وأد روحها.. وتشتيت عقلها.

فرصاصة تطلق بوجه جمالها وأنوثتها.. يقولون على مسمعها أو وراء ظهرها لو كانت جميلة لما بقيت للآن بمنزل أبيها.. لأصبح أولادها بطولها..

ورصاصة تطلق بوجه إنسانيتها وكرامتها

ورصاصة بوجه أحلامها باعتبارها ناقصة ولن تحقق أي إنجاز وحدها.

لسان حالها يقول: إن كنت عبئاً ثقيلاً عليكم لمَ أنجبتموني وأجهضتم كرامتي وحقي قسراً وظلماً!

 

أنا لست ناقصة ليكملني شبه رجل..

لست مضطرة لأقبل بأي رجل يدق بابي لألا أُنعت بالعانس.. فأن أبقى وحدي طوال العمر خير ألف مرة من أن أحيا في ظل شبه رجل شرقي فارغ مهشم الروح متناقض الكيان..

ذكر لا يتزوج حبيبته، ولا يحب زوجته ولا يخلص لها!

لا يسرني أن أتزوج من ذكر لا يفرض رجولته إلا على أنثى خلقت من ضلعه، ولا أثر له في مجالس الرجال.. لا ولن تهمني نظرات شفقتكم يا مجتمعي المريض.. ولا تخَفن أيتها النساء الساذجات على أزواجكن مني، أو تخبئن أطفالكن عني فلدي من الأحلام ما يكفيني وتحقيق ذاتي هو بالدرجة الأولى ما يعنيني، والارتباط والاختيار قراري وحدي.

فلو تزوجت صغيرة لقلتم متعجلة أو متخلفة، ولو تأخرت في الزواج لأطلقتم علي أحكامكم الجائرة..

لن ترضوا عني بكل الحالات. فلهذا لن أفعل إلا ما يحلو لي، ولن أخشى كلمة العانس التي تنعوتنني بها في كل فرصة.. فهي أفضل ألف مرة من أن أحيا كالعبيد خوفاً من كلمة المطلقة..

 

فهذه أسماء تضرب وتعنف وتهان كل يوم أمام أولادها، وفي نهاية يومها تضع منشوراً على فيسبوك تكتب فيه "زوجي حياتي جنتي الله لا يحرمني منك"، أو تنزل صورته وتكتب "ملاكي.. الله يحرسنا من العين"، أو تضع صورة الهدية التي قدمها لها شكراً على منحه حقه الشرعي بعد جرعة إهانة كبيرة، أو بعد مسكها خيطاً جديداً من خيوط خياناته المتكررة.

و كل هذا خوفاً من شماتة الصديقات، والجارات، وكل من يعرفها.

 

وهذه رغد التي لم يكن لها من اسمها أي حظ أو نصيب منذ تزوجت. فهي تعمل خارج البيت طوال النهار، وفي نهاية الشهر يستولي شريكها المادي وشريكها في الأولاد لا أكثر بأحد مخططاته على راتبها الشهري.

فمع قرب نهاية كل شهر يبدأ السيناريو نفسه إذ يفتعل المشاكل ليخاصمها، فيلجأ لغرفته الخاصة في مثل هذه المواقف؛ لينفرد بمحادثاته الغرامية ويمارس شاعريته وطقوسه السرية.

وأن يخاصمها يعني أن يتملص من كل الالتزامات المادية، وإما أن يفاجئها ويصل به الأمر لإعداد عشاء رومانسي على ضوء الشموع.

وهنا يكون قد ضرب على وترها الحساس، إنه وتر العاطفة الأقوى لدى المرأة، وبهذا يكون قد استولى على مالها وجسدها في صفقة واحدة.

وبعد سنين من كدِّها وتعبها وبكل نكران وجحود يجهز ومن مالها بيت الزوجية الجديد بحجة أنها لم تعد تحافظ على جمالها، وهو لا يزال شاباً، وأن المرأة تهرم أسرع من الرجل! ضارباً بعرض الحائط كل التضحيات التي قدَّمتها لأجله، وكل السنين التي صبرتها على مزاجيته وسوء أخلاقه.

 

وهذه فدوى المتعلمة المثقفة ولأن تأثير تكرار سماع الكلام ذاته قد يكون له تأثير السحر كما يقول المثل: "الزن في الأذن مثل السحر"، فبلحظة انفصال لعقلها عن قلبها هربت من كلام مجتمعها وأملاً في إنجاب ذكرٍ يكون سنداً وعوناً لها في كبرها كما يقولون، فتزوجت في الثلاثين من عمرها برجل في الخمسين ولكنه كان بصحة رجل سبعيني، فأصبحت ممرضته ولم تنجب منه أبداً.

أنا لا يستهويني دور الضحية الضعيفة؛ ليصفق لي الندم و الفشل.

ولو كنت أقبل بدور البطولة في مثل هذه المسرحيات الهزلية لأصبح لدي أربعة أطفال على أقل تقدير.

لن نرتقي ونتطور ما دام هناك هذا الفكر وهذه الجينات المجرثمة تسري بالعقول والدم.

للمرة الألف أقول اتركوني وشأني وانشغلوا في أموركم بدلاً من أن تنشغلوا بي لتخرجوا من واقعكم البائس، وتنسوا مشاكلكم، وتسقطوا عليَّ عقدكم النفسية.

يحضرني الآن المثلان الشعبيان الفلسطينيان "كل تأخيرة فيها خيرة" و"العزوبيّة ولا الجيزة الرديّة". ولا أراهما أكثر  توافقاً مع شيء كهذا الموقف.

وفي اللغة الإنكليزية يقولون

It's better to wait long than marry wrong.

و أنا أقول:

كل أمور حياتي من الله قدرُ

ليس له بها يد بشرُ

فأرجوكم افهموني بأي لغة شئتم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

وجدان شتيوي
كاتبة رأي فلسطينية
كاتبة في العديد من المواقع الإلكترونية مثل دنيا الرأي، ومجلة هاشتاغ وإشراقات، والمجلات الورقية مثل مجلة فلسطين الشباب، ومشارِكة في العديد من الكتب المشتركة الصادرة عن دار زهدي للنشر مثل ساعة الرمل وشؤون صغيرة وذاكرة الخريف وألف كاتب ولاجئ. عملْتُ سابقاً مدرسة للغة الإنجليزية في معاهد تدريسية، وباحثة في جهاز الإحصاء الفلسطيني، وأعمل حالياً مديرة مركز تعليمي.
تحميل المزيد