هو عنوان صفحة فيسبوك التي أسسها الشاب الأميركي من أصول عربية "نُصَير ياسين"، ويتابعها أبنائي الثلاثة بشغف من بين ما يقرب من 7 ملايين متابع حول العالم.
يقوم نصير بإعداد مقاطع فيديو يومية باللغة الإنكليزية مدة المقطع الواحد دقيقة واحدة فقط، وهنا يكمن سر عبقريته، حيث أدرك أن الناس لم يعد بمقدورها مشاهدة محتويات طويلة ومملة.
تحصد فيديوهاته اليومية عدداً مذهلاً من المشاهدات؛ لا تقل في المتوسط عن ثلاثة ملايين مشاهدة، ويحصد هو -بدوره- مبلغاً من المال يصل أحياناً إلى 100 ألف دولار أميركي شهرياً!
لا تندهش عزيزي القارئ، فمشاهير العالم من نجوم كرة القدم وتلفزيون الواقع وعروض الأزياء والفن والموسيقي قد يحصد أحدهم مبلغاً يفوق هذا الرقم مقابل المنشور الواحد على يوتيوب أو إنستغرام، فضلاً عن سناب شات وتويتر،
ولعلك تدري -مثلي تماماً- أنك لن تجد في قائمة أولئك المشاهير ممن يحصدون ملايين الدولارات من مواقع التواصل الاجتماعي -لن تجد- كاتباً أو أديباً أو مفكراً واحداً، فضلاً عن عالمٍ ألمعي نابغة، فهؤلاء يحيون ويموتون -في الغالب- بالكاد!
وُلد نصير ياسين في التاسع من فبراير عام 1992 ميلادية، بقرية عرَّابة في الجليل بفلسطين المحتلة، ثم انتقل للدراسة والعيش في الولايات المتحدة الأميركية، حيث حصل على منحة دراسية من جامعة هارفارد التي تأتي على رأس كبريات الجامعات المرموقة في العالم.
في عام 2014 حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد وعلوم الحاسب، ثم عمل في وظيفة متميزة بشركة "فينمو" الأميركية التي تتبع "باي بال" العالمية الشهيرة لخدمات الدفع الإلكتروني عبر الإنترنت.
ورغم أنه كان يحصل على راتب رائع (120 ألف دولار أميركي سنوياً) فإنه قرر الاستقالة في عام 2015 ليشتري كاميرا وليتفرغ للسفر حول العالم بهدف تسجيل مقاطعه اليومية التي يتحدث فيها عن الشعوب وعاداتها وتقاليدها، ويلتقي فيها بمختلف الـ"ناس" حيث سمى صفحته كذلك.
زار نصير عشرات الدول وقام بتسجيل مقاطعه الشائقة منها، كما زار مصر لأربعة أيام أنتج فيها أربعة مقاطع مدة المقطع دقيقة واحدة كما جرت عليه العادة، قال في أحد تلك المقاطع: "إن الحياة في مصر رخيصة تماماً، حيث إنه يمكنك تناول وجبة مشبعة مقابل زهاء نصف دولار أميركي (الكشري)، ثم دعا الأميركيين لزيارة مصر".
وفي مقطع آخر قال: "إن الشعب المصري يتميز بشبابه وحيويته، حيث إن نصف المصريين في الفئة العمرية الأقل من 25 عاماً"، وكان عندها محاطاً بالعشرات من معجبيه من الشباب والفتيات.
كما ظهر في مقطع ثالث إلى جوار صديقته الأميركية التي تعيش معه دون زواج، حيث إنها لا تؤمن بفكرة الزواج! ليتحدث عن أسوان التي تحفل بصيف دائم بسبب ارتفاع درجات الحرارة طوال أيام العام.
أما في مقطعه رقم 709، فقال إن الناس في بورتوريكو غاضبون من الحكومة بسبب الضرائب الباهظة، وأما المصريون فهم غاضبون أيضاً لكنهم لا يستطيعون التعبير عن ذلك الغضب؛ لأن هذا سيعرضهم للسجن!
ثم تحدث في نفس المقطع عن كونه محظوظاً لأنه يحمل الجنسية الأميركية، فبمقدوره انتقاد الحكومة دون أن يكون مهدداً بالسجن أو الاعتقال فضلاً عن التعذيب!
يعرِّفُ نصير نفسه على أنه مسلم بمقتضى ولادته لأبوين مسلمين، رغم أنه لم يعد يصلي أو يصوم، بل ولا يمانع من احتساء الخمور، أما فيما يتعلق بأصوله فهو يقول عن نفسه إنه ليس فلسطينياً فقط، ولا إسرائيلياً فقط، بل هو مزيج من الاثنين!
في واحدة من مقاطعه التي التقى فيها في القدس المحتلة بيهودي متعصب، حيث دار بينهما حوار صاخب، قال له الرجل: "إنك تبدو فرنسياً لأنك ذكي، أما العرب فهم جميعاً برابرة".
ثم التفت ذلك اليهودي العنصري إلى شقيقته الصغرى ذات الـ15 عاماً، وقال لها: "هذا الشاب عربي"، فردت الفتاة: "ولماذا يفخر بهذا؟"، ثم بادرت نصير: "لماذا تقتلوننا؟"، وحين أجابها نصير بالعبرية التي يجيدها بحكم نشأته: "أنا لا أقتل أحداً! وهناك الملايين منا لا يقتلون أحداً"، قاطعته الفتاة قائلة: "لو كان الأمر بيدي لما سمحت لأي عربيٍ بالدخول إلى هذه المنطقة".
عندها التفت نصير ليقول لمشاهديه: "لقد خضت نقاشات مماثلة مع عرب باتوا مقتنعين بأن جميع اليهود سيئون، وعلينا أن نعمل جاهدين من خلال السوشيال ميديا على أن نثبت للعالم أنه ليس كلّ العرب إرهابيين ولا كلّ اليهود أشرار".
هكذا وببساطة شديدة، أصبح العرب هم المتهم بالقتل! وأصبح لازماً على العصريين من الشباب متعددي الثقافات أن يقنعوا العالم بأن الدولة التي قامت على الاحتلال والاغتصاب والقتل والتهجير ليس كل مافيها سيئاً!
نصير ياسين أو "ناس ديلي" ظاهرةٌ لا يملك أحدنا إزاءها النفي أو التجاهل، إلا أن ما يجدرُ بنا حقاً أن ندرسه ونفهمه ونتعلمه، كيف يمكننا أن نتعامل مع واقعٍ يبدو أنه قد تخطى كلَّ مفكرينا وكُتابنا ودعاتنا الكبار الذين عجزوا عن مسايرة التطور الديناميكي الذي أحدثته ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وما لم يعمل هؤلاء على اللحاق بما تبقى من الركب المتسارع الخطوات، فسيدهسنا ويدهسهم ليبقى نصير ياسين وغيره من المشاهير ممن لا يقدمون لشباب أمتنا قيمة حقيقية كبرى، هم القدوة والمثل!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.