عقوبة الإعدام.. لماذا لا تجعل معدلات الجريمة تنخفض وتقل؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/28 الساعة 09:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/28 الساعة 09:00 بتوقيت غرينتش
executed man (doll) hanging in the gallows. Photo was taken at a viking-show in Denmark.

هنيهة؛ ريثما أستطيع توثيق الحديث الدائر بينكما الذي وصلت حدّته إلى ذروتها.

هكذا صاح القلم الحر موجهاً عباراته لصوتين متضادين يدور بينهما سجال حاد حول عقوبة الإعدام، وكان كل صوت يدعم وجهة نظره بحفنة من الحجج التي يقف على سدة تقويضها الصوت الآخر، فما بين الصوت الأول والصوت الثاني المقارع له؛ احتدم الحديث كالآتي:

الصوت الأول: من قال إن عقوبة الإعدام ترادف معنى العدالة جزاء في بعض الجرائم؟ وما يدرينا أنها هي العدالة جزاء حيال مقترف جريمة من الجرائم التي تكون عقوبة الإعدام جزاء مقترناً بها؟ عقوبة الإعدام لا تحقق الردع العام كما يزعم مؤيدو تطبيقها؛ بل هي بمثابة عقوبة تتسم بالوحشية، والمنتفع الحقيقي من تطبيقها ليس المجتمع؛ بل من يترأسونه؛ لأنهم يلقون الفزع في قلوب الدهماء من الناس.

الصوت الثاني: من الواضح أن العاطفة مسيطرة عليك، وهذا واضح تماماً من كلماتك التي تلوكها المصبوغة بالعواطف الجياشة، التي تضرب بالحقائق عرض الحائط، كيف لا تكون عقوبة الإعدام هي العدالة في جريمة مثل جريمة القتل أو الاغتصاب على سبيل المثال؟ أليست هذه العقوبة المشار إليها تتسق مع مبادئ القانون الطبيعي، ومع الشرائع السماوية؟ أليست هذه العقوبة رد فعل مجتمعياً يتواءم مع الفعل المقترف؟ ألم تفكر في أننا إذا طرحنا هذه العقوبة أرضاً فإن هذا الفعل سيكون منشِّطاً لغريزة الانتقام التي تشغل حيزاً لا بأس به في صدر كل إنسان؟ ألم تفكر في أن مثل هذه العقوبة إذا لم تُفعَّل فسوف تشجع على اقتراف العديد من الجرائم وتؤول بالمجتمع إلى باحة تعبق بالأنارشية؟ وما وجه التقابل بين عقوبة الإعدام كوسيلة لتحقيق الردع العام والأنظمة الأوتوقراطية.

 

الصوت الأول: أي عاطفة مسيطرة عليّ؟ ما الجدوى من أن يخسر المجتمع فرداً جديداً من الممكن أن يُستخدم أداة عاملة تعمل بالسُّخرة للمصلحة العامة؟ هل من الممكن الرجوع في عقوبة الإعدام إذا ثبتت براءة المتهم كما حدث في العديد والعديد من القضايا؟ هل معدلات الجريمة تنخفض في البلاد التي تطبَّق فيها عقوبة الإعدام باستمرارية؟ ألم تر نتائج الاستغناء عن عقوبة الإعدام في بعض البلاد؟ هل ارتفعت نسبة الجرائم بها؟ هل الله يقبل أن تطبق هذه العقوبة الفظة على من دفعتهم الظروف القاسية إلى أن يرتكبوا جرائم جزاؤها هو الإعدام؟ وأي رد فعل مجتمعي؟ هل المجتمع هو خالق الروح حتى يزهقها بادعاءاته؟ وكيف لا يوجد وجه للتقابل بين عقوبة الإعدام والأنظمة الأوتوقراطية؟ أليست هذه من ضمن الأدوات التي تُستخدم للتنكيل بالمعارضين -المفكرين وأصحاب الرأي- عن طريق محاكمات مجحفة -لا سيما المحاكمات العسكرية- لا تمتُّ إلى العدالة بِصلة، وتعصف بالمادة العاشرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان؟ أليست هناك أنظمة ثيوقراطية مستبدة تأخذ الدين ذريعة للقتل وجب أي فكر إبداعي؟ أنسيت محاكم التفتيش التابعة للكنيسة بالعصور الوسطى وعلى حذوها النظام الوهابي الشهير في عصرنا الحديث، الذي يجعل الدين ستاراً يواري وراءه قمعه للمفكرين والمدافعين عن حقوق الإنسان؟ أليست هذه هي العقوبة التي تستخدمها الأنظمة المستبدة في كثير من الأحيان، وهي عارية تماماً من الضمانات الموضوعية والإجرائية؟

 

الصوت الثاني: لماذا لا تقتنع بأن هناك بعض المجرمين لا تجدي معهم السبل العلاجية التي تنحو نحو علاجهم نفعاً، وأنهم بمثابة عالة على المجتمع؟ ولا بد من اجتثاثهم من المجتمع، هل عمل المتهم بالسخرة كفيل بإصلاحه، إذا افترضنا أنه حُكم عليه بالسجن مدى الحياة؟ أم أنه من الممكن أن ينمي فيه الغريزة الانتقامية التي تجعله ناقماً على المجتمع بأكمله؟ لماذا تشير إلى أن هناك أشخاصاً من الممكن أن تطبَّق عليهم عقوبة الإعدام، وهم في حقيقة الأمر ضحايا للمجتمع، والظروف القاسية هي التي دفعتهم لارتكاب هذه الجريمة، وتشيح بوجهك عمن مُنحوا فرصة أخرى في الحياة وارتكبوا جرائم تكاد تكون أشنع؟ أتتذكر ما حدث بفرنسا في النصف الثاني من القرن العشرين، عندما قامت إحدى المحاكم الفرنسية عام 1958 بالحكم على "نوبير جرسو" بالإعدام؛ لقتله فتاة مراهقة أبت الانصياع لرغبته الجنسية، وقبل تنفيذ حكم الإعدام، عفا عنه رئيس الجمهورية، وأطلق سراحه عام 1972، إلا أنه في عام 1978 شنق امرأة لأنها لم تستجب هي الأخرى لرغباته الجنسية؟ وهناك أمثلة أخرى، وبالمناسبة أنا معك أنه لا يجب التوسع في تطبيق عقوبة الإعدام؛ لأنها تُستخدم كأداة في الأنظمة الأوتوقراطية لقمع المعارضين، ولكن لا يجب الاستغناء عنها، وأنا أؤيدك أن عقوبة الإعدام لا بد أن تكون محاطة بضمانات إجرائية وموضوعية، ولكني أختلف معك بشدة حول الجدوى الاقتصادية، عقوبة الإعدام غير مكلفة بالمرة، ولا يستغرق تنفيذها غير برهة يسيرة، في حين يكلف تنفيذ سلب الحرية نفقات باهظة، تتمثل فيما يستلزمه تشييد السجون وحراستها، وتنفيذ البرامج العلاجية والإصلاحية فيها.

 

الصوت الأول: أأنت الآن تستدعي الأمثلة التي تشير إلى أن الأساليب العلاجية لم تجد نفعاً معهم، وتعاميت عن المتهمين والمعرضين لهذه العقوبة، وهم لم يقترفوا إثماً في الأساس في بعض البلاد؟ أنسيت أن هناك متهمين الآن قابعين في غياهب السجون لم يقترفوا إثماً سوى حرية التعبير عن رأيهم؟ أتتذكر أنت الشاب التونسي ماهر المناعي الذي وجد دليل براءته بعد الحكم عليه، بالصدفة. وإذا سلمنا بصحة عقوبة الإعدام، فهل يمكنك إنكار أن عقوبة الإعدام تعصف بخصيصة من خصائص العقوبة، وهي شخصية العقوبة، أتنكر أن هناك ضرراً مادياً ومعنوياً يلحق بأسرة المحكوم عليه؟ وهل من المنطقي أن نسلم لعقوبة الإعدام حتى تتفضل الأنظمة بتفعيل الضمانات اللازمة لها؟

الصوت الثاني: لا لم أقصد تجاهل الشباب ضحايا العدالة الناقصة، ولكني أود أن أذكرك بتوجهاتك الديمقراطية، هل أنت ترى وجوب استبدال عقوبة الإعدام بعقوبة أخرى؟ كيف تستبدل بعقوبة أخرى رغم أنها تدخل في فكرة النظام العام، لا سيما بالبلاد التي تكون الأغلبية فيها من المسلمين والمسلمات؟

الصوت الأول: لم أتغافل عن توجهاتي الديمقراطية، وأرى أن عقوبة الإعدام، إذا افترضنا أنها تدخل في فكرة النظام العام، فيجب ألا تنحصر إجازاتها على الفنيين فقط -الأداة التشريعية- بل لا بد أن تحدث مناقشات مجتمعية حولها، ومن الممكن أن نحتكم إلى صناديق الاقتراع لتقول كلمتها. بعيداً عن هذا، هناك سؤالٌ مُلحٌّ، وهو: أهذه هي حججك التي تريد أن تزهق روح إنسان تحت مظلتها؟

الصوت الثاني: نعم، هذه هي حججي التي تحفظ حقاً من حقوق الله سبحانه وتعالى.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد عيسى
مدوّن مصري
طالب بكلية الحقوق ومهتم بالشأن الثقافي والأدبي
تحميل المزيد