هرب من سجن الخميني إلى تركيا.. قصة الإيراني الذي أراد أن يُصورني في حفل زفافي

عدد القراءات
1,152
عربي بوست
تم النشر: 2018/08/27 الساعة 08:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/27 الساعة 08:24 بتوقيت غرينتش
Kashan, Iran - April 27, 2017: An elderly taxi driver sits in a yellow taxi waiting for passengers.

جلست في بهو الفندق أنتظر قدومه، كانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحاً، وكنت أقاوم نعاساً لذيذاً حرمت منه لأكون في الموعد مع الطائرة التي ستنقلني إلى طنجة، لمحت في ظلمة ليل بروكسل سيارة أجرة، نزل منها رجل بدا في أواخر عقده الرابع، كان يرتدي سترة لونها أكثر سواداً من شعره الذي خطَّه بعض الشعر الأبيض، ومن خلف نظارته الطبية لمحت حزناً في عينيه السوداوين.

 

أخذ حقيبتي، فتحت الباب الخلفي، وجلست أستعد للنوم فالطريق إلى مطار شارل لورا سيأخذ منّي ساعة، لكن تعليقاً منه جعلني أمضي الساعة في الاستماع إليه.

قال لي فور أن اتخذ مقعده:

– "لقد انتظرت ثلاث ساعات قبل أن يحل موعد قدومي إليك".

– لم أفهم قصده، استفهمته فقال لي:

"لا يوجد عمل سيدتي".

سألته:

– هل أنت بلجيكي الأصل؟

أجاب:

– لا، أنا إيراني..

فرددت:

– أنت رابع إيراني ألتقي به الأول كان في المكسيك، والثاني والثالث في أميركا، وثلاثتهم لاجئون سياسيون.

أجابني:

– وأنا أيضاً.

صمت لحظة أحاول أن أستجمع سمعي الذي غلب عليه النوم كما عيني ثم وجدتني أقول له:

– أحقاً؟

كان التعب قد أخذ منّي مأخذه، لكن كلمة "أحقاً" هاته جعلت صديقي السائق ينطلق في الحكي فأجابني:

– نعم، لقد كنت في عقدي الثاني حين خرجت ورفاقي أناهض الشاه، لكن الخميني سرق منا ثورتنا الجميلة، اعتقلت وتوفّي والدي وأنا مسجون فسمحوا لي بالخروج يومين لحضور جنازته، لكني نفذت بجلدي هربت إلى تركيا بدون أوراق ولا أي شيء، ثم أتيت إلى بلجيكا، كنت أريد أن أهاجر إلى أميركا، لكن الأقدار شاءت أن آتي إلى هنا، وهنا بقيت منذ 25 سنة.

أنا الآن سائق أجرة، شريك مع صديق لي إيراني بدوره، عمري الآن 53 سنة، وإلى اليوم لم أوّفق في ممارسة المهنة التي أحب وهي التصوير الفوتوغرافي.

في بلدي إيران كنت مصوراً، صوّرت العديد من حفلات الأعراس وكنت سعيداً، كان لي أهل يحبونني وأحبهم، تزوجت بامراة أردت أن أكون بطلها، لكنها كانت مجرد كاذبة مستغلة، حين أتت إلى بلجيكا مع طفلي الوحيد انقلبت عليَّ وحرمتني من رؤية ولدي لسنتين. ولدي الآن شاب في الـ26 من عمره، علاقتي به جيدة لكن له حياته الخاصة ونادراً ما نلتقي مع أننا في نفس المدينة.

بلجيكا لم تعد كما كانت مع انفتاحها على هجرة الأوروبيين الشرقيين، هم لا يحبون المهاجرين، لكن لا يستطيعون قولها علناً، لم يعودوا يحبون المهاجرين، ففرص العمل أصبحت قليلة، والغلاء يزداد يوماً عن يوم، والسماء رمادية، والناس أكثر رمادية من السماء.

لفتني وصفه للناس بالرماديين، كنت أتأمله من مقعدي الخلفي وهو يتحدث، بدا خجولاً، مضطرباً، كان كتفاه العريضتان تقاومان في عناد فارسي قهر الغربة والسياسة وظلم الحب، كانت إشارة المرور حمراء، توقف، والتفت إليَّ وقال لي بنظرة طفل من وراء نظارتيه الطبيتين:

– أريد أن أعود إلى بلدي إيران، لكني لا أستطيع، وحتى إن استطعت ماذا أفعل هناك؟ الحياة هناك أغلى من هنا، ولا أدري كيف يمكن أن أجلب رزقي هناك، أريد الهجرة إلى كندا هي أرحم من أميركا لكني لم أعد صغيراً، وأصبحت مريضاً، لقد أصبت بمرض القلق بسبب الضغوط اليومية، أنا إنسان تعيس ووحيد وفقدت كل ثقة لي بالنساء، وبالناس.

فتحت إشارة المرور على اللون الأخضر، استدار السائق، وضع يده على المقود وأكمل السير، وهو يقول:

لست أفهم كيف استطعت أن أحكي لك كل هذا، أنا أشعر بأني أفضل الآن، لقد استطعت الحديث عما كان يؤرقني ويحزنني ولست أدري كيف مر الوقت سريعاً، لقد وصلنا إلى المطار.

لم أردد إلا كلمة شكراً، فقد كان ما سمعت أثقل من أن ينطلق لساني مرحاً، كنت حزينة على هذا الرجل (عباس)، وفي حزني عليه تذكرت صديقي عبدالرزاق سائق التاكسي المغربي الذي التقيت به في واشنطن وبادر إلى الحديث إليّ وحدثني عن حياته في ساعة، كانت قصة عبدالرزاق نسخة مشابهة لقصة الإيراني عباس، إلا إن هجرة عباس كانت إجبارية فرضتها عليه إيران الخميني، في حين هجرة عبدالرزاق فرضها عليه فقدان والدته وعدم قدرته على العيش في المغرب بعد رحيلها.

نزلت من التاكسي، وحين مددت يدي إلى الحقيبة لأخذها من عباس وجدته يسألني:

-هل أنت متزوجة؟

أجبته ضاحكة :

لا ليس بعد.

مد لي بطاقة عمله وقال:

هذا رقم هاتفي حدثيني حالما تنوين الزواج سوف أكون سعيداً بأن أحضره وأكون مصور حفل زفافك.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

شامة درشول
مستشارة في تطوير الإعلام
تحميل المزيد