أنا مغربي.. ولقد كفرت بديمقراطيتكم!

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/27 الساعة 09:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/27 الساعة 09:09 بتوقيت غرينتش

يا مغربي ويا مغربي ويا مغربية!

جات نوبتك تعبر وتبان

الانتخاب عليك وعليّا مسؤولية

نعزوا بلادنا ما بين البلدان

لا تقولش أنا واحد صوتي ما عندو ما يدير

صوت لا تبقاشي قاعد

عبر على ما في الضمير.

ليست إبداعاً شخصياً، بل هي جزء من كلمات أغنية كانت تحثّ المغاربة على المشاركة الكثيفة في أول انتخابات العهد الجديد: تشريعيات 2002. الراحل محمد رويشة (وكان مجرد ساعي بريد) أراد تبليغ رسالة بأن العز والنماء مرتبطان بدخول المواطن المعزل، حسب تعليمات عبدالقادر مطاع، شفاه الله، لوضع إشارتين على اللائحة الوطنية والمحلية.

وكما حدث قبل أيام في زيمبابوي، حيث وقف المواطنون طوابير طويلة ظناً منهم أن انزياح "روبرت موغابي" ومشاركتهم الكثيفة ستحول بلدهم لسويسرا ثانية، فإن الدولة المغربية توهمت (أو أرادت إيهام المواطن) أن المشاركة في انتخابات بصناديق شفافة زِر سحري، ما إن يضغط حتى تفتح جنان عدن وتغلق الجحيم المسعرة.

فشلت تجربة الديمقراطية المدعومة بأغنية رويشة وتمثيلية عبدالقادر مُطاع، كما فشلت محاربة الأمية ببرنامج خبيرات "ألف لام"؛ لأن الانتخابات لا يجب أن تكون حرة فقط، بل ونزيهة. "نزيهة" التي طالما انتظرها الشعب لا تكون إلا بقدرة هذا الشعب على الاختيار، وحُسن الاختيار ومعاقبة من تم اختياره، إن هو مال عن جادة الصواب.

المغاربة اليوم لهم حرية الاختيار ولو في ظل دستور عصري لكن مليء بالفخاخ، غير أن حسن الاختيار غير متوفّر في ظل سعي الداخلية للإبقاء على كتلة 40% متحكم بها. ثلاثة أرباع من يصوّتون إما فقراء أو أمّيون (ولا نعيبهم) أو انتهازيون، أو ببساطة مدمنون على الذل والهوان وعبادة الأصنام.

لا نفهم كيف للدولة أن تعتبر الظروف غير مهيّأة لملايين المغاربة في الخارج للتصويت (وهم الآمنون المطمئنون المثقفون في جزء كبير منهم)، بينما تعتبرها جدّ مهيأة (الظروف) لملايين المغاربة في الداخل ممن تجود عليهم الجمعيات بالسكر والشاي، ويغيثهم الجيش بمستشفياته الميدانية كما يحدث في بورما ومخيمات الزعتري. هنالك شيء عفن في مملكة الدنمارك كما عبّر شكسبير في مسرحية "هاملت".

الضلع الثالث مفقود لدى أسعد شعوب شمال إفريقيا: القدرة على زج المفسدين في السجن سنين عدداً إن هم أساؤوا استغلال سلطاتهم. الإعفاء رحمة وأموال بلا مجهود فهو وجه من وجوه الريع، ولن تقوم لهذه الدولة قائمة إلا عندما تعتبر الأمانة ندامة، كما قال رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم.

عندما تودي وزارة أو مؤسسة بصاحبها أو مديرها للمؤبد كما حدث مع رئيسة كوريا الجنوبية السابقة، يومها سيبادر المسئول ويخلق ويبدع حتى يتجنب قضاء ما تبقى من حياته وراء القضبان. غير ذلك يبقى مجرد "كلام، كلام، كلام" كما قال كذلك صديقنا شكسبير في رائعته "هامليت".

قبل 19 سنة فتحت الدولة الباب مشرعاً لتفريخ 30 حزباً ويزيد لغرض في نفس يعقوب. منهم مَن قال بفرّق تسُد، ومنهم مَن أكد محاولة الماسكين تصدير مشهد التنوع بخلق "زربية مزركشة" من الأحزاب مختلفة ألوانها تسر الناظرين. لكن الدولة أهملت (وقد يتوفّر شرط الإصرار والترصد) أن معدة فارغة ليست أفضل استشارة سياسية.

خريجو مدارس فرنسا للإدارة والقناطر لم يعملوا بقاعدة أن السياسة بنية فوقية يلزمها اقتصاد قوي بنيتها التحتية. مستشارون وخبراء أغفلوا أن الانتخابات (حاجة التعبير عن الذات) تأتي بعد قضاء حاجة الأكل والمشرب والمأمن والمنكح والتفريخ (عيال)؛ لتأتي فترة الإنجاز تليها إدارة الإنجاز بانتخاب نخبة صغيرة تدير ثروات نخبة أكبر. لم يفرض الله الإيمان به حتى ضمن لعباده أمن البطون والأجساد والأنفس (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).

مرت قرابة العقدين، ربط خلالها المواطن كل خيباته بنخبة سياسية تم التسويق لها من جهة أنها وسيلة المواطن للحكم، ومن جهة ثانية أنها سبب بلائه ومتاعبه؛ لتدق ساعة الحقيقة ويعرف الشعب أن نخبته ومؤسساته وأحزابه نمر من ورق، موضوع ربما للتزيين، ربما لصد الصدمات، ربما لتنزيل القوانين والتعليمات، لكن الأكيد أن تلكم المؤسسات والهيئات والأحزاب ليست لسان حال الشعب ولا طريقه لتنفيس الأماني والرغبات بطرق شرعية ومنظمة.

ولأن ما بُني على باطل فهو باطل، فقد تحوّل الفيسبوك لأكبر تجمع حزبي حيث الصوت مسموع؛ لأنه استهدف حاجة الناس لإيصال الصوت ومشاركة الأحزان كما الأفراح، والبحث عن الاعتراف الجماعي، بينما تحولت مقرات الأحزاب (العتيقة منها كما الجديدة) لدكاكين تباع فيها التزكيات والجلود والمناصب لمن يدفع أكثر. قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أيوب رضواني
باحث وكاتب مغربي
أيوب رضواني باحث في الجغرافية السياسية وعمري 32 سنة، مغربي الجنسية منحدر من إقليم الرشيدية جنوب شرق المغرب. أعمل حالياً بمجال التعليم، وأنشر أبحاتي ومقالاتي في منابر دولية ووطنية.
تحميل المزيد