لطالما أثارت انتباهي الأعمال الخيرية التي قامت بها الممثلة الجميلة والرائعة أنجلينا جولي أيقونة الإنسانية، التي استحقت جائزة العمل الإنساني من الأمم المتحدة؛ لنشاطها في الدفاع عن حقوق الإنسان لسنة 2005، شخصية تتسم بالروح الفيَّاضة والمليئة بالعطاء والسخاء المادي والمعنوي، حيث عُينت لدى مفوضة الأمم سفيرة للنوايا الحسنة؛ لتوفيرها لمساعدة اللاجئين في الدول التي تعاني من الحروب، من أهم أعمالها أنها وهبت مليون دولار لكل من منظمة أطباء بلا حدود، ومنظمة الطفل العالمي، ومنكوبي دارفور في السودان.
كما أنفقت سفيرة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنجلينا جولي على زياراتها التفقدية من مالها الخاص، وزيارتها لمخيمات اللاجئين بلبنان، واللاجئين الصوماليين بكينيا وأفغانستان والصومال وباكستان ودارفور وسلفادور وتنزانيا وسيراليون وغيرها، بشاحنات محمّلة بملايين الدولارات وبمختلف أنواع الأغذية والأدوية والأطعمة.
وما قام به مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ الذي تبرع بأزيد من 99% من ممتلكاته لفائدة الجمعيات الخيرية، حيث وهب مليار دولار من أسهمه سنوياً على مدى ثلاث سنوات. بسعر السوق حالياً تصل قيمة أسهمه في الشركة نحو 45 مليار دولار. رغم ما تسرب عنه من أخبار الاستفادة من القيمة الضريبية، إلا أنها تبقى مبادرة إنسانية رائعة.
والأمثلة كثيرة ومتعددة عند الدول الغربية تجعلنا نقف وقفة إجلال لإنسانيتهم.
في المقابل، نلاحظ أن الأعمال الخيرية في العالم الإسلامي والعربي جدّ محدودة والتفاعل مع المآسي ضئيل، رغم أن العالم العربي الأكثر تضرراً، وأن ديننا الحنيف يدعو إلى المؤاخاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثل الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى).
والصدقات لقوله تعالى في سورة البقرة: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (الآية: 261).
لا أحسب أن مسلماً دخل الإيمان قلبه فملأه رحمة وإحساناً وعطفاً وحناناً يستطيع أن يجد في ظلمة الليل مضطجعاً أو يجد لنفسه في صحوة النهار قراراً حزناً على ما يتجرعه المساكين والعجزة والأيتام والمشردون واللاجئون الذين وصلت نسبتهم إلى 65 مليون لاجئ، نصفهم من ثلاث دول (سوريا والصومال وأفغانستان) والمجاعة في الصومال، مروراً باليمن وشمال النيجر وإقليم عفار، وإثيوبيا وجنوب السودان وغزة والعراق وسوريا ولبنان وبورما والروهينغا، البلد الأكثر اضطهاداً في العالم.
فالمسلم الحق يعلم مسؤوليته تجاه أخيه الإنسان المسلم وغيره، ويعلم رسالته إذ هو من يجسد شمس الرحمة الإلهية، وهو القدوة والحكم العدل الذي يجب أن يفصل في قضايا المجتمعات البشرية حين تنفصم عراها؛ نظراً لإنسانية ديننا الحنيف. ويعلم جيداً أن ازدهار الإنسانية وتقدمها يتجليان في كيفية الحفاظ على الأرواح البشرية من الموت والدمار وضمان حريتها، وضمان العيش لجميع أفرادها بسلام وتسامح وأمان.
ولهذا يجب علينا أن ننشر الفكر الجمعوي في الدول العربية عن طريق تقديم الخدمات الخيريّة والإنسانيّة للناس المُحتاجين، وخاصةً في المناطقِ الفقيرة والريفيّة، والعمل على توفير وسائل مُساندةٍ للتّعليم المدرسيّ، لعائلات الطّلاب الذين لا يملكون القدرة على شراءِ المُستلزَمات المدرسيّة لأبنائهم. ووضع خُططٍ استراتيجية تهدفُ إلى تقديمِ التبرّعات لبناء المدارس، والمراكز الطبيّة في الأماكن الفقيرة، وتوفير رعايةٍ كافيّة للأراملِ، والكبار في السنّ من غير القادرين على رعايةِ أو خدمة أنفسهم، والمُساهمة في تخفيف مُعاناة بعض الأسر من خلال توفير مبلغٍ ماليّ شهريّ لهم يُساعدهم على تسديدِ الالتزامات المُترتّبة عليهم، والمُساعدة على تحقيق التّكافل والتّضامن الاجتماعيّ بين كافة فئات الأفراد في المُجتمع الواحد، وتوزيع المُساعدات على الأفراد المُحتاجين في كافّةِ المناطق التي تتمكّنُ الجمعيّة الخيريّة مِنَ الوصول لها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.