عجوزان في الـ60 من عمرهم يسيران على الأقدام 45 يوما.. هل تعرف ما السبب؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/20 الساعة 16:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/20 الساعة 16:00 بتوقيت غرينتش
Senior couple walking together in a forest

حتى ومع كونها يهوديّة مسيحيّة، بل وصهيونيّة مُتشددة إلا أنني – والحق يُقال – انبهرتُ جداً وأنا أطالع كتابها الذي وجدته في صندوق كُتب على حافّة الطريق في إحدى رحلاتي، وكما أدهشني العنوان من أول نظرة، فقد وجدتُ الكتاب يأخذني إلى تجربة رُوحانيّة فريدة، لم أجد لها مثيلاً بالعربيّة للأسف.

 

يُلخص الكتاب رحلة الكاتبة وزوجها بعد أن بلغوا من العُمر 60 عاماً فعبروا فيها أرض فلسطين طولاً، فمشوا لأكثر من 900 كم ضِمن ما يُسمى "مسار البلاد" والذي يمتد من إيلات (أم الرشراش) على الحدود المصرية حتى جبل الشيخ على الحدود السوريّة اللبنانية، وقد استغرق ذلك منهم 45 يوماً من الترحال، وكل ذلك إيماناً منهم بأنهم يستجيبون لأمر إلهي جاء في التوراة هو "قُم .. سِر في البلاد"، الذي أصبح عنوان الكتاب لاحقاً، وهو كما يبدو لا يختلف كثيراً عمّا نجد في القرآن الكريم وهو يحثنا: "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ..".

 

في الصحراء كانت تذكر الأنبياء وتيه بني إسرائيل فيها تارة وتتأمل سحرها تارةً أخرى، وإذا ما تسلل إليها شعور بالتعب والإرهاق تذكرت كيف تكون الراحة الكُبرى التي ستنالها بسبب إيمانها بالمسيح بعد عناء الحياة الدنيا.. ولأن الطريق لم يكن سهلاً وواضحاً، فقد كانت تُشبّه الكُتب المقدسة في حياتها كالخرائط في مشيها وحتى الصراط المُستقيم (الذي تؤمن به) كما أنها كانت تؤكد أنه كالمسارات التي تمشيها، إن لم تُراقب نفسها جيداً فسيكون مصيرها الضيّاع .. ثم تؤكد في كتابها أن رحلتها جعلتها تفهم الكُتب المقدسة من جديد.. جعلتها تفهم حياة الأنبياء أكثر من أي وقت مضى.. وراحت تسرد وتتذكر رحلاتها الروحانية حتى وصلت إلى العقيدة (اليهودية المسيحية) بعد أن كانت مُجرد فتاة عابثة تتسكع في شوارع أوروبا وأميركيا بحثاً عن الحقيقة..!

كُنت أقرأ وأتحسر على حالنا مع ديننا.. كما علاقتنا الجافّة مع الله ومع الدين التي تحوّلت في كثير من تفاصيلها إلى طقوس لا نعيها ولا "نعيشها" حقاً، هذا غير "التعبّد" على "فيسبوك" و"واتساب" الذي هو موضة العصر، فتجد الناس يختمون القرآن معاً على واتساب ويُوجهون الدعاء على صفحات فيسبوك ثم ينتظرون الاستجابة و"اللايكات"، والأنكى أن تجد منهم من يُعاتبك ويعتبرك في عِداد المجانين إن أخبرته بأنك خارجٌ في رحلةٍ، مشياً على الأقدام تتأمل بها نفسك والكون من حولك!

 

حتى أولئك الذين يصفون أنفسهم بالوطنية، تجدهم بارعين في التحليلات السياسيّة وحضور المهرجانات السنوية وحفظ الأناشيد الوطنيّة ورفع العلم.. ولبس الكوفية.. وغير ذلك.. بينما تجد أكثرهم يستكثرون على هذا "الوطن" رحلة تأملٍ في أرجائه، بعيداً عن صخب المُدن وهوس التسوّق واكتظاظ الشوارع والمؤتمرات، رحلةٍ تعرفهم بتفاصيل الأرض وبركاتها وقُدسيّتها.. بعيداً عن الشعارات!

 

من يرى المشاريع الصهيونية التي تسعى لربط الصهيوني المُحتل بالأرض في فلسطين، لا بُد أن يندهش أكثر من دهشتي بكتابٍ كهذا، ويكفيني التجوال في أنحاء فلسطين المحتلة فأرى طُرقاً ومسارات مُخصصة لأولئك الذين قرروا ترك كُل شيء من أجل "قُم سر في البلاد" وهؤلاء في الآونة الكثيرة كُثر.. ووحده مشروع "مسار البلاد" تنفق عليه أموال ضخمة جداً، واليوم هناك مشروع "ملائكة الطريق" لمُساعدة الرحالة من قبل سُكان المناطق التي يمر منها المسار، كما هناك مشروع "جواز سفر" يحمله الرحالة ويحصلون على ختم يوثق لهم النقاط التي عبروها وأفكار كثيرة لا مجال لذكرها، تؤكد لي أن القوم لا يفعلون ذلك عبثاً.. ولكن العبث كُل العبث أن نراهم يفعلون كُل ذلك.. ولا نتحرك من أماكننا!

 

ملحوظة: التدوينة الأصلية منشورة على موقع الجزيرة مدونات

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عمر عاصي
كاتب فلسطيني يعيش بألمانيا
تحميل المزيد