الأمير المدلل لدى الغرب، ما هو الوجه الحقيقي لمحمد بن سلمان؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/14 الساعة 14:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/15 الساعة 08:58 بتوقيت غرينتش

يتم الاحتفاء بوليّ العهد السعودي كمحرر ومُجدد، لكن سياسته الخارجية المتسمة بالعدوانية ينبغي لها أن تدقّ ناقوس الخطر.

عندما تغازل وسائل الإعلام الغربية والمفكّرين شخصية سياسية عربية تبدو في ظاهرها ليبرالية، لكن فاسدة في جوهرها، لا يمر وقت طويل قبل أن يشعروا بخيبة أمل كبيرة. أُسمّي هذا التصرف متلازمة "وردة الصحراء" Desert Rose. ففي الوقت الذي ظهرت فيه أسماء الأسد في مجلة فوغ Vogue كسيدة أولى لعائلة "ديمقراطية" في بلد كان "الأكثر أماناً في الشرق الأوسط"، كان بشار الأسد قد بدأ في عمليات القمع المكثف ضد شعبه.

يمثل محمد بن سلمان، ولي العهد والحاكم الفعليّ للبلاد، أحدث حالة لمتلازمة "وردة الصحراء". فقد منحته سحنته الودودة تجاه الغرب العديد من المعجبين به؛ لكنهم سُرعان ما صُدموا الأسبوع الماضي بعد أن قطعت السعودية كل العلاقات مع كندا بسبب تغريدة على موقع تويتر.

نحن منزعجون للغاية من سجن سمر بدوي، أخت رائف بدوي، بالسعودية. تقف كندا مع عائلة بدوي في هذه الأوقات العصيبة؛ وما زلنا ندعو بقوة إلى إطلاق سراح كل من رائف وسمر بدوي.

لم تكن حتى تغريدة درامية بشكل خاص. فقد أتت التغريدة ضمن متابعة وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند لقضية الشقيقين رائف بدوي، كاتب وناشط في مجال حقوق الإنسان ومسجون منذ عام 2012 بسبب "ازدراء الإسلام عبر الوسائل الإلكترونية"، وسمر بدوي، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة. قالت فريلاند: "نحن منزعجون للغاية من سجن سمر بدوي، أخت رائف بدوي، بالسعودية. تقف كندا مع عائلة بدوي في هذه الأوقات العصيبة؛ وما زلنا ندعو بقوة إلى إطلاق سراح كل من رائف وسمر بدوي". ثم تبعتها دعوة من وزارة الخارجية الكندية لإطلاق سراح "جميع نشطاء #حقوق_الإنسان السلميين" المعتقلين بالمملكة.

وبرد فعل غريب، فُتحت أبواب الجحيم. فمِن جانبها، قامت السعودية بطرد السفير الكندي واستدعاء سفيرها، وتعليق الرحلات الجوية التابعة للخطوط السعودية إلى تورونتو، وأمرت آلاف الطلاب السعوديين الذين تمولهم الدولة في الجامعات الكندية بترك مقرّراتهم هناك ومواصلة دراستهم في دول أخرى. وقد صرحت وزارة الخارجية السعودية عبر تويتر بأن "الموقف الكندي تدخُّل صريح وسافر في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية، ويتعارض مع أبسط المعايير الدولية وجميع المواثيق التي تنظم العلاقات بين الدول". ثم أتبعتها محذرة: "ستمثل أي خطوة أخرى من الجانب الكندي في هذا الاتجاه إقراراً بحقنا في التدخل في الشؤون الداخلية الكندية".

حتى وصف هذا بـ"رد فعل مبالغ فيه" لا يعطي الأمر حقه. لقد كانت مجرد تغريدة، ومن كندا. وهذا ليس حتى بالأمر الجديد على السعودية: فحتى وقت قريب، كان يوجد بروتوكول متفق عليه ينظم انتقاد حلفاء السعودية لها (نادراً، بشكل معتدل، ودون التهديد باتخاذ إجراءات) وكيف تتفاعل السعودية مع هذا الانتقاد (نادراً، وبشكل معتدل، ودون تهديد باتخاذ إجراءات). هكذا كان البروتوكول يحفظ ماء الوجه. لكن شيئاً ما تسبب في تجاهل ذلك، وبشكل خطير.

تتجه أصابع الاتهام إلى بن سلمان، الرجل الذي يكافح من أجل السلطة، ويشعر بالإهانة بسهولة. وهو أبعد ما يكون عن صفة "الأمير الحداثي"، والذي وصفته صحيفة نيويورك تايمز، في لقطة سيئة شبيهة لما حدث في مجلة فوغ، بالرجل الذي "يدفع بالربيع العربي السعودي من القمّة إلى القاع". انتهى المطاف بكل حملة أطلقها محمد بن سلمان إلى مستنقع. فالحرب في اليمن مستمرة في إزهاق أرواح المدنيين وتشويه السمعة الدولية للمملكة العربية السعودية. أضف إلى ذلك الحصار المفروض على قطر، وهي قضية تافهة وانفعالية، لأكثر من عام حتى الآن، وهو عام استمر فيه الاقتصاد القطري بالنمو؛ فيما على النقيض من ذلك، أفادت التقارير في يونيو/حزيران بأن المملكة العربية السعودية قد عانت من انهيار صادم في الاستثمارات الداخلية. لقد تسبب بن سلمان بإضاعة أفضل أعماله والمتمثلة في إنهاء الحظر على قيادة المرأة، وتبخرت العلاقات العامة الجيدة عندما تم اعتقال العديد من الناشطات قبل بضعة أيام من دخول القرار حيز التنفيذ.

وبطبيعة الحال، هناك ترمب. هناك دائماً ترمب. فلا يمكن فصل السلوك الفوضوي للمملكة عن الغياب الأوسع للقواعد الدبلوماسية. فدائماً ما يشيد ترمب ويشجع، بشكل عام، الديكتاتوريين الذين يضطهدون شعوبهم ولا يتعين عليهم التعامل مع قيود الديمقراطية. (وبالطبع، فقد اختار شجاره الخاص مع كندا). والآن، قد عَلا صوت المشاكسات وحروب الأخبار المزيفة بين الحلفاء السابقين لتبلغ ذروتها؛ فوفقاً للصحافة السعودية، لا تمتلك كندا أي سلطة أخلاقية أعلى لتتهم السعودية بالاضطهاد؛ فهي بدورها تضطهد مواطنيها في مقاطعة كيبك، إضافة لاعتقالها الشخصية العامة جوردان بيترسون كسجين رأي. يبدو أن عدد العقلاء يتناقص تدريجيّاً.

لطالما تودَّد الغرب للسعودية لقدرتها على توفير صفقات أسلحة مربحة بجانب وسائل أخرى للتربّح. لكن يبدو أن المملكة باتت تتصرف بشعور قوي بالاستحقاق، فباتت تطالب حتى بوقف الاعتراض الشكلي بشأن حقوق الإنسان. حتى الآن، تحت حكم محمد بن سلمان، دخلت البلاد في مشاحنات مع كندا وألمانيا والسويد، وتورطت في نزاع مع اليمن وقطر ولبنان. لا وجود هنا لشيء اسمه ربيع عربيّ "من القمة إلى القاع". إنها فقط مجرد لمحة لما يمكن للأمراء متقلّبي المزاج -والذين يدلِّلهم الغرب الساذج- فِعلُه في عالَم لا تنطبق عليه القواعد القديمة.

هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
نسرين مالك
كاتبة صحفية
كاتبة صحفية وعملت سابقًا في أسواق الأسهم الخاصة
تحميل المزيد