كعادتي قبل غروب الشمس أجلس في حديقة النادي، أتأمل في خلق الله وأنا أحتسي "مج النسكافيه"، وأستمتع بالهدوء وبنسمات وقت العصاري الجميلة.
فجأة، إذا بصوت رجل يخترق الهدوء محدِّثاً شخصاً في الهاتف بغضب شديد: "إنتِ فين يا زفته تعالي حالاً وعلى الله تتأخري"، فعادي مخدتش في بالي وأكملت تأملاتي.
وإذا بي بعد دقيقتين، أجد أن من كان يحدثه هو زوجته، حضرتْ وفي عينيها الرعب وكأنها تعلم ما ينتظرها من عقاب، وبمنتهى العنف صرخ فيها: "اترزعي هنا"، ثم خفض صوته واستمر بوابل من الشتائم، وهي تنظر في الأرض، وأطفالها ينظرون إليها، ثم ذهب!
حقيقةً كاد قلبي ينفطر، بعدما نظرت إليها لأجد الوجه الشاحب الممزوج بالسواد، وجه مرسوم عليه علامات الإهانة والهزيمة.
وبعد خمس دقائق عاد، وما فاجأني أنها تعاملت معه بمنتهى الرقة وكأن شيئاً لم يحدث، ولا ناس اتفرجت عليهم ولا أي حاجة!
وما يثير الضحك المصحوب بالغثيان "إن هو اللي زعلان، وهي اللي بتصالحه".
ومن شدة غضبي، كدت أقوم من مكاني وأسألها: كيف وصلتِ لهذه المرحلة؟! كيف هيَّأتِ نفسك لتقبُّل الإهانة؟! كيف وصلتِ لهذا البرود ولم تكترثي بوجود أولادك؟!
وتحوَّل الغضب الشديد منها إلى منتهى التعاطف معها، وبدأت أسأل نفسي: ما الذي أجبرها على ذلك؟! يا ترى، بم تشعر الآن وتخفيه وراء تلك الابتسامة الحزينة؛ لتظهر التماسك أمام أطفالها؟!
وتنهدتُ تنهيدةً تمنيت أن تخرج بنار في وجهه، خاصةً عندما تخيلتُ المشهد هذا في منزلهم من دون وجود الناس وغياب البريستيج، ماذا يحدث أمام هؤلاء المساكين الضعفاء؟!
والمؤسف أن هذا المشهد المشؤوم وغيره من مشاهد عنف لفظي أو جسدي، تُعرض عليَّ من خلال الاستشارات، لم يعد يقتصر على فئة معينة؛ بل يصل لأرقى فئات المجتمع.
وعندما توجِّه تلك التساؤلات لإحداهن، تجيب وهي مطأطئة الرأس: "هو كويس جداً لولا ألفاظه أو إيده الطويلة!"، وهي لا تدري أن تنازلها هذا في الحقيقة أمر مدمِّر نفسياً للأبناء ومِن قبلهم لها.
وكيف تصبح سويةً نفسياً وقلبها يحمل كل هذا الغلّ تجاهه، ولا تجد متنفَّساً حتى بالبكاء وقتها، ولا حتى عن التعبير عن خوفها، وتضطر إلى التظاهر بأن الأمر عادي (وتعدي علشان المركب تمشي).
فكْر عقيم من مجتمع عقيم لم يربِّ بناته غير أن قوتهم فقط في ظل الراجل، وهو حتى لا يرقى إلى ظل تحتمي به من ألم نفسي.
وكيف لخلق أبناء أسوياء وهم يرون ملاذهم الآمن لا يجد ملاذاً آمناً يحتمي به من الطعنات اللفظية.
إذاً، ما السبب في هذا التدني الأخلاقي لمن يسمون رجالاً يحمون المجتمع ويطلبون القوامة؟
- السبب الرئيسي لأي تطاول يحدث على أي شخص هو الشخص ذاته، فأنتِ السبب، كان لا بد أن تأخذي موقفاً من أول موقف حدث فيه هذا التطاول.
- وأنا من دون أي مبالغة أبرّئ ساحة سليط اللسان تماماً، مهما كان السبب في سوء خُلقه، فهذا الشخص السليط نفسه لن تجده أبداً ينطق بحرف سيئ وهو مع مديره مثلاً، أو مع امرأة أخرى يريد كسب ودها. إذاً، فهو مدرك تماماً ما يفعله ويعلم أن الحكاية ستكون نهايتها الاعتذار أو التهديد بخراب المنزل، أو بأي نقطة ضعف عندك.
- هؤلاء الأشخاص في غالبية الحالات سوء سلوكهم يظهر في فترات التعارف الأولى ولو على سبيل الدعابة، فهو لم يصبح فجأة سليط اللسان، فهي مسؤوليتك أيضاً.
إذاً، ما الحل؟
- ابحثي عن السبب الرئيسي وراء ذلك العنف اللفظي.
- خذي قراراً صارماً بأنك لن تتحملي هذه الإهانات مرة أخرى، وابدئي في وضع خطة ذكية لتحقيق قرارك.
- بداية الخطة، المصارحة التامة مع الزوج، واختاري الوقت المناسب (مش وهو جاي من الشغل مثلاً)، وتحدثي معه بمنتهى الرقة، واجعلي بداية الحوار اتفاقاً على أننا نريد أن نصل إلى حل لهذا الألم النفسي الواقع عليك وعلى أطفالك.
- ابدئي في زيادة التواصل بينك وبين زوجك وتضييق الفجوة التي سببتها الأيام، عن طريق البحث عن أخطائك وأخطائه وتقييمها معاً.
- إذا فشلت كل تلك المحاولات، فأشركي طرفاً حكيماً من أهلك أو أهله؛ للفصل في هذا الموقف.
- إذا لم يؤثر ذلك، فالْجئي إلى الخصام، سواء في منزلك أو منزل أهلك، علّ الغياب يشعره بأهمية وجودك في حياته وقيمتك.
- إذا لم يؤثر كل ذلك فالجآ إلى متخصص ثقة وهو يحدد الأصلح لهذا المنزل، وأنا أُفضل -ما دمتما اتفقتما على بداية جديدة- أن تلجآ فوراً إلى استشاري أسري يضع لكما الصورة الصحية لبدايتكما الجديدة.
المهم أن تحاولي بكل الطرق التخلص من الإهانة؛ لأنك -يا صديقتي- لم تُخلَقي إلا حرة ذات كيان لتكوني مربّية قدوة مقْبلة على الحياة؛ لتتمكني من صنع رجال أسوياء نفسياً، فإن لم تستطيعي تحقيق ذلك بكل الطرق السابقة، فالانسحاب من هذه العلاقة المريضة أفضل لكِ ولأطفالك؛ لأن المجتمع لم يعد يحتمل مَرضى نفسيين أكثر من ذلك.
وأخيراً، أتمنى أن يكون المقال نقطة تحوُّل في حياتكم، وأشوفكم الأسبوع الجاي في مقال جديد، مقال يجعلنا سنداً لبعضنا في دنيا مليئة بالأعباء.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.