«صغيرة وحشوة ولا إمكانيات لديكِ» .. كيف استطعت مواجهة المجتمع وترشحت للانتخابات النيابية

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/10 الساعة 12:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/10 الساعة 10:54 بتوقيت غرينتش
A photo of young and smiling Arab businesswoman gesturing while giving presentation. Emirati business people are wearing traditional clothes of those and abaya. Multi-ethnic colleagues are listening to her very carefully. All are in brightly lit office.

 

كلكم تسمعون بالمثل الشائع "المكتوب ما منه مهروب"، وعندما أتذكر  تجربتي في خوض الترشح  للانتخابات  النيابية لعام 2016 أستحضر  حال الفتاة التي يتقدم لها عريس وهي غير مقتنعة به، ومع ذاك تقبل  به زوجاً.. لا غرابة في ذلك فلم يكن ضمن مخططاتي في يوم من الأيام خوض مثل تلك التجربة  السياسية؛ لأنها ببساطة لم تكن ضمن اهتماماتي وطموحاتي.

أتذكر يوم أن أعلنت خبر ترشحي ضمن قوائم التحالف  الوطني عبر شبكات التواصل تفاجأ الجميع، رحب البعض بهذا الخبر والبعض الآخر تفاجأ، على وجه العموم  كانت ردود الأفعال متناقضة بين مؤيد ورافض ومستهجن ومستهزئ!

فكيف لفتاة تعمل في مجال الإعلام والسوشيال ميديا أن تخوض مثل هذه التجربة السياسية؟ وكيف لناشطة في القضايا الشبابية والإنسانية أن تخوض في القضايا النيابية والسياسية،  وغير ذلك من الاعتراضات.. "أنت صغيرة على هالحكي"  أو "هذا الملعب مش ملعبك" أو "هاي جاي حشوة"، وهذا المصطلح كان من أكثر المصطلحات التي استفزتني.

ردود فعل متضاربة وصادمة وجارحة في نفس الوقت.. كان ذلك أول تحدٍّ من تحديات تلك التجربة.

لا أخفيكم سراً فكرت كثيراً في الانسحاب عند سماع تلك الأصوات المثبطة،  ولكن كان هناك  دوماً  صوت في داخلي يقول لي استمري يا سلام، ولا تكترثي، فأنت تخوضين تجربة فريدة  هي بمثابة دورة تدريبية في مجال السياسة، دورة مكثفة وإجبارية في نفس الوقت.

أعود إلى مصطلح الحشوات، المصطلح الذي كنت أسمعه كثيراً يتردد على ألسنة الناس  وربما بسبب نظام القوائم المتبع وقتها لوجود 6 مرشحين في القائمة الواحدة، والتصويت يكون  للقائمة جميعها شكلياً، ولكن هناك رأس الهرم، أي هناك من يترأس القائمة، فيصب الجميع للتصويت الفعلي له؛ لذلك كان  البعض يطلق  على باقي من في القائمة  مصطلح (حشوة).

صحيح أنني لم أطمح يوماً إلى نيل مقعد في البرلمان، وصحيح أنها تجربة جديدة عليَّ، لكن لا يعني ذلك ألا أحقق الغاية التي قدرها لي رب العالمين في هذا الموقع، وهي غاية التعاون وغاية العمل بروح الجماعة والفريق، ضمن تحالف ضم العديد من الشخصيات الحزبية والنقابية والسياسية والإعلامية.

مجرد اختياري ومشاركتي مع هذا المزيج الوطني في ظني إضافة  نوعية تستحق المجازفة وتستحق أيضاً بذل الجهد.

كان شهراً مليئاً بالإنجازات  والزيارات الميدانية والمهرجانات الخطابية، شهر تعلمت فيه العديد من المعاني الإنسانية والقيم المجتمعية التي باتت تغيب عنا مع تسارع الوقت.

قصص وحكايات استمعت إليها وعشت تفاصيلها، فمن تلك القصص التي استوقفتني والتي ما زالت تفاصيلها عالقة في ذاكرتي قصة عائلة كبيرة مكونة من الجدة وأولادها وزوجاتهم وأحفادهم يعيشون في منطقة منخفضة عبارة عن زقاق  تملأه الحجارة وتغطيه الأتربة التي تتحول في فصل الشتاء إلى طين يعيق  الحركة.

منطقة بالكاد تصل إليها السيارات، التقيت بالحاجة الكبيرة وحولها جارات الحي يشكون إليّ حالهم، ويتسابقون في نقل الواقع الأليم الذي يعيشونه، انقطاع الكهرباء بشكل متكرر، انحباس مياه الأمطار في الشتاء والبرك التي تمتلئ بالطين، وتغرق كل من يسير في ذلك الزقاق، قد لا تعنيهم لعبة الانتخابات فهي تصيب أو تخيب، ما يعنيهم حقاً أن يجدوا من يسمعهم، ويحاول مساعدتهم.

 

كيف لفتاة تعمل في مجال الإعلام والسوشيال ميديا أن تخوض مثل هذه التجربة السياسة.. "أنت صغيرة على هالحكي"  أو "هذا الملعب مش ملعبك" أو "هاي جاي حشوة"..

 كنت أستمع إليهم وقلبي يعتصره الألم، وقبل أن أغادر المكان سمعت جملة قالتها لي الحاجّة الكبيرة، وما زالت محفورة في ذاكرتي: "إحنا بدناش إشي، إحنا بدنا نعيش متل البشر يا خالتي"، غادرتهم بكلمات فيها بصيص من أمل، وأدركت  أن القرب من الناس، وسماع همومهم واحتياجاتهم، مهمة إنسانية قبل أن تكون مهمة نائب أو مسؤول، تعلمت أن حبك للناس على بساطتهم وعفويتهم يكسبك حبهم لك، عندما تستمع إليهم بقلبك لا بأذنيك فحسب، تعلمت أن كسب القلوب أعظم من كسب المناصب، تعلمت أن أنظر لهذه التجربة نظرة المتعلم الذي قدر الله له فرصة التعلم؛ ليكتسب خبرات وخبرات ويوظفها في حياته.

تعلمت أن أكون أكثر ثقة في قدراتي، وألا أستمع للمثبطين الذين طالما بثوا رسائل سلبية، تعلمت أن أكون رقماً صعباً لا مجرد حشوة كما ادعى البعض، نزلت للميدان وتحدثت في المجالس  وخالطت الشيوخ والكبار والنساء والأطفال، ألقيت الكلمات في المهرجانات الخطابية ارتجالاً لا عن ورق فكانت كلماتي للناس أقرب وأصوب.

برهنت عملياً عن أنني كنت على قدر المسؤولية، ووظفت عملي الإعلامي في الدعاية النيابية في نشر فيديوهات وصور لفعاليات هنا وهناك.

 

لم أنَل مقعد النيابة  ولكن حصلت  على الكثير  من الأشياء التي فاقت مقعد النيابة  أهمية.

تعلمت أن أراهن على نفسي وعلى قدراتي واكتسابي لخبرات جديدة  من خلال  خوضي لتجارب جديدة حتى لو لم تكن  ضمن دائرة اهتماماتي، فقط عليك أن تخوض التجربة؛ لأنها فرصة جديدة منحها الله لك لتتعلم منها الكثير.

تعلمت أن أتبع سياسة النفَس الطويل مع من يخالفني الرأي والاعتقاد، ومن يحاول أن يثبط من عزيمتي؛ لأنه ببساطة سيرى إنجازك ونجاحك ماثلاً أمامه.

أيقنت أن العمل بروح الفريق يكسب المرء منا حب الخير للغير وغرس قيمة الإيثار والتعاون ونبذ حب الأنا، لا سيما عندما يكون العمل لهدف ورسالة.

والفريق الذي أتكلم  عنه  والذي يكون لك عوناً وسنداً على إكمال المهمة قد يكون متمثلاً بصديق أو بزوج أو شقيق.

بالطبع كانت هناك تحديات وصعوبات، كما في كل تجربة جديدة، ولكن هذه التحديات هي التي تكسب الواحد منا روح المثابرة والاستمرارية.

 

تعلمت أن كسب القلوب أعظم من كسب المناصب.

انتهت الانتخابات يوم التصويت وحصدت عدداً من الأصوات لا بأس به، ليست أصواتاً بل هي أنفاس تبث في قلبي  نبض الحياة لمواصلة الدرب للعمل وصناعة التأثير، هي مؤشر ودلالة على أن العمل والتغيير  وترك البصمة  والأثر لا تتخذ شكلاً  ولا قالباً واحداً، فكن أنت حيث هو موقعك وكن مؤثراً حيث قدر الله لك أن تكون.

انتهت معمعة الانتخابات والذين كانوا من المثبطين باتوا أول المصفقين المهنئين، نعم فأنا قد فزت بنظرهم وبنظر نفسي أولاً وكنت على قدر التحدي.

فُزتُ وحُزتُ محبة الناس وثقتهم، وراهنت على نفسي وكسبت الرهان.. فمَن منكم سيُراهن على نفسه؟

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سلام فريتخ‎
معدة ومقدمة برامج
تحميل المزيد