هذا ما يحدث بصالونات التجميل في نيويورك، عاصمة الموضة والأزياء حول العالم

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/07 الساعة 09:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/07 الساعة 11:36 بتوقيت غرينتش
Portrait of Beautiful Woman with Sparkles on her Face. Girl with Art Make-Up in Color Light. Fashion Model with Colorful Makeup

أحد أساتذتي المتخصصين في علم الاجتماع، ستيفن فالس، كان قد كاتب مقالاً بعنوان: "عبيد للجمال Slaves to Beauty"، الموضوع الرئيسي لهذا المقال هو الأنوثة البرجوازية في الحضارة الغربية، وبالتحديد في مدينة نيويورك، ولمن لا يعرف فنيويورك تعتبر عاصمة الموضة والأزياء حول العالم، المقال يطرح بعض الإشكاليات فِي المجتمع الغربي منها الهوس بالجمال وأشياء أخرى، مثل "سوق حر" لا تتدخل فيه الدولة.

مدينة نيويورك مليئة بمحلات المقاهي المعروفة "ستاربكس"، ففي كل شارع يوجد على الأقل "ستاربكس" واحد، أي أنه عدد لا يعد ولا يحصى، لكن صالونات الجمال تعتبر هي المنافس الأول لمحلات المقاهي، ففي زمن الرأسمالية الأميركية غير المنظمة ما أسهل اللعب على غريزة "حب الجمال"، وتحويلها إلى "استعباد الجمال"، خصوصاً مع تفشي الاستهلاك، فكما تعتبر القهوة المنشط الأول للشعب الأميركي كل صباح لا يوجد دليل أكثر وضوحاً من "استعباد الجمال" للشعب، بعد أن فاقت صالونات الجمال محلات المقاهي (الصورة والمصدر في أول تعليق).

ولكن قد يسأل سائل: ما مشكلة "حب/استعباد الجمال؟"، أليس الله جميلاً يحب الجمال؟ بلا شك إنه واجب على كل عاقل أن يهتم بنظافته ومظهره، ولكن هناك فرق بين "الاهتمام" و"الهوس" بالجمال، الهوس بالجمال يجعل من الجمال الهدف والغاية الأولى والأخيرة، أما الاهتمام فيساوي الجمال مع أهمية الأخلاق، القيم والمبادئ.. إلخ.

يقول الدكتور وليد الفتيحي إنه "هوس جنوني ابتليت به الإنسانية في عصرنا هذا، وهو الهوس بالجمال الجسدي والمظهر الخارجي، ما جعل تعريف الذات من خلال الجسد هوية أناس كثيرين، بل وانتقل إلى بُعد آخر لم تشهده عصور سابقة من حالات مرضية؛ نظراً لدور الإعلام السلبي في تحديد صور ثابتة للمعايير الجمالية، وصوَّر للناس إمكانية إحرازه والوصول إليه، بل وكأن تحقيقه أصبح من الأمور الطبيعية".

الهوس في معجم اللغة العربية هو "درب من الجنون"، وهوس القوم، أي: "وقعوا في اختلاط وفساد.

المقال في الحقيقة يبث الضوء على مقال صحفية استقصائية في جريدة "NY Times" تكشف تفاصيل العمل في صالونات "الجمال" بمدينة نيويورك، فالعمالة الموجودة في هذه الصالونات تأتي من بلاد فقيرة في آسيا وأميركا الجنوبية، وهي متوافرة بلا حدود، أي أن الذي يجد فرصة عمل في هذه الصالونات عليه دفع 100 دولار لصاحب المحل حتى يؤمن وظيفته، ويوافق على ألا يأخذ أجراً إلا بعد عدة أشهر.

للعلم، هذه الصالونات غالية جداً، وتستطيع أن تدفع أجوراً فوق الحد الأدنى الفيدرالي الأميركي، ولكن هذا هو الوجه الحقيقي للاقتصاد الذي يطلق عليه "سوق حرة"، أي أن صاحب العمل يفعل كما يشاء أينما شاء بلا تدخل من الدولة التي يجب أن تؤمن مصلحة العمال الضعاف، خصوصاً هؤلاء الموظفين بلا أوراق.

من الأشياء الصادمة هو أن العمال في هذه الحرفة عليهم دفع المزيد من أموال إلى أصحاب الصالونات إن أرادوا أن يتعلموا المزيد من المهارات، بالإضافة إلى أن هؤلاء الذين يعملون في صالونات الجمال عليهم تحمل كيماويات (محظورة في العديد من الدول الأخرى) تؤثر على الجهاز التناسلي للمرأة، وتتسبب في ارتفاع أمراض الرئة، والأمراض الجلدية، وسرطان الثدي.

للأسف، هذا يحدث في مدينة نيويورك، عاصمة الموضة والأزياء حول العالم، بل يعتبرها البعض عاصمة التنوير "المابعد حداثي".

للأسف في هذا الزمن أصبحنا نؤمن على مستوى اللاوعي بأن الأشخاص "الجميلين" خارجياً أكثر الناس أخلاقاً، مرحاً، خيراً، لكنني بعد أن قرأت تقرير صحيفة نيويورك تايمز وجدت أن هناك بالفعل علاقة سلبية بين الجمال الخارجي والجمال الداخلي في هذه الصالونات التي تهتم فقط بالجمال الخارجي على حساب صحة وأمان من يعمل فيها.

إنني انتبهت وتذكرت الدكتور عبدالوهاب المسيري وأطروحته حول "المجتمع التراحمي" و"المجتمع التعاقدي"، فالتراحم هنا يعني سمو العلاقات الإنسانية إلى مستوى الأخلاق الفاضلة من حيث التعاون الترابط والتبادل الإيجابي، بينما "المجتمع التعاقدي" تتأسس معاملاته على المنفعة والمصلحة المادية الباردة والخالية من العواطف الإنسانية، إن كان هناك أي تراحم في هذا المجتمع، لعرف الزبون بالذي يحدث للعمال وقد يقاطع هذه المحلات من باب الرحمة.

أما في زمن التعاقد وفي سرعة مدينة كنيويورك فلا يوجد مكان ووقت للحديث مع العمال؛ كي تكون هناك علاقة ومعرفة تراحمية.

عندما نكون عبيداً "لشيء" معين، لا نهتم بأي شيء سوى هذا "الشيء"، وفي هذه الحالة هذا "الشيء" هو "الجمال الخارجي"، إن لم يكونوا عبيداً "للجمال" لكان هناك فرصة أن يكونوا عبيداً للأخلاق والرحمة.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
فاروق قادوس
بكالوريوس علاقات دولية من واشنطن
تحميل المزيد