ستيفن هوكينغ.. السقوط العظيم‎

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/06 الساعة 12:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/06 الساعة 12:15 بتوقيت غرينتش
تشير النتيجة الأولية إلى أن الميكروبات الموجودة في أحشاء الحيوانات كانت متورطة بطريقة ما في مدى سرعة تقدم المرض/Reuters

العلم والفلسفة من النشاطات الإنسانية، يهتم الأول بالإجابة عن سؤال كيف، ويهتم الثاني بسؤال لماذا، الأول وصفي والثاني غائي، الأول تجريبي والثاني نظري عقلي. فإذا رأيت العالِم يجيب عن لماذا، فهذا ليس بصفته عالماً؛ بل بصفته فيلسوفاً، وإذا رأيت الفيلسوف يسأل كيف فذلك ليس بصفته فيلسوفاً؛ بل بصفته عالماً.

يقول ستيفن هوكينغ: عادة ما يسأل الناس عدداً من الأسئلة مثل: كيف يمكننا فهم العالم الذي وجدنا أنفسنا فيه؟ كيف يتصرَّف الكون؟ ما حقيقة الواقع؟ من أين أتى كل ذلك؟ هل الكون كان بحاجة لخالق؟ معظمنا يمضي وقته في قلق بشأن تلك الأسئلة، لكننا قلقون بشأنها بعض الوقت (1) ها نحن أمام فيزيائي كبير سيجيب عن أكبر الأسئلة الفلسفية التي حيَّرت العقل البشري.

لكن خيبة الأمل تأتي بعد فقرة واحدة؛ لأنه يعلن عن موت الفلسفة نفسها، والعلم هو السبب، يقول كانت تلك هي الأسئلة التقليدية للفلسفة، ولكن الفلسفة قد ماتت ولم تحافظ على صمودها أمام تطورات العلم الحديثة، خصوصاً في مجال الفيزياء، وأضحى العلماء هم مَن يحملون مصابيح الاكتشاف في رحلة تنقيب عن المعرفة (2).

لكن هناك إشكال يظهر للوهلة الأولى، وهو أن الكتاب نفسه في الفلسفة، فكيف نجمع بين موت الفلسفة من جهة وبين التصريحات الفلسفية الموجودة في الكتاب من أوله إلى آخره من جهة أخرى. وكمثال على بعض تلك التصريحات قوله إن للكون تصميماً، وكذلك هذا الكتاب، لكن على خلاف الكون، فإن الكتاب لا يظهر من العدم (3) هذا تصريح فلسفي وليس علمياً تجريبياً؛ بل هوكينغ نفسه يعترف بأن العلم لا يجيب عن لماذا، ولكن يجيب عن كيف، فكيف يمكن القول إن العلم قتل الفلسفة، وإنها ماتت. في نفس الكتاب يقول إن قوانين الطبيعة تخبرنا بالكيفية التي يتصرف بها الكون؛ لكنها لا تجيب عن سؤال لماذا، وهي الأسئلة التي وضعها في بداية هذا الكتاب، لماذا يوجد شيء ما بدلاً من لا شيء؟

لماذا نحن موجودون؟

لماذا هذه المجموعة من القوانين وليست مجموعة أخرى؟ (4)

بعد هذا هل يمكننا أن نقول إن الفلسفة ماتت، وإن العلماء هم من يحملون مصابيح المعرفة بدل الفلاسفة؟ لا يمكننا القول هذا تماماً، كما لا يمكننا القول إن الماء يغني عن الهواء أو القلب عن العقل لكل واحد منهما له مجال، هذا التناقض الموجود في بداية الكتاب وفي نهايته يخبرنا بالكثير.

ومن الأشياء التي يخبرنا بها أن هوكينغ لا علاقة له بالفلسفة أصلاً، وأنه يتكلم فيما لا يعلم، كما يخبرنا صدق قول أينشتاين بأن رجل العلم هو فيلسوف ضعيف (5).

بل إن من العلماء الكبار من يخبروننا بأن العلم ليس له الشيء الكثير، لكي يخبرونا به في كثير من المجالات التي تهمنا كالبشر، يقول إرون شرودنجر، إن الصورة العلمية للعالم ناقصة جداً، إنها تعطيني الكثير من المعلومات الواقعية، وتضع كل خبرتنا في نظام رائع الاتساق، ولكن الصمت الذي يحيط بقلوبنا هو ما يهم حقاً، إنها لا تستطيع القول شيئاً عن اللون الأحمر أو الأزرق، عن الحلو والمر، عن مشاعر الحزن والبهجة، عن الجمال والقبح، عن الخير والشر، عن الإله والخلود (6).

ويمضي شرودنجر أبعد من هذا، فيقول: تتظاهر العلوم بقدرتها على الإجابة عن الأسئلة في هذه الأبعاد، ولكن الإجابات غالباً ما تكون سخيفة جداً، بحيث إنها تجعلنا نميل إلى عدم أخذها على محمل الجد، العلم متحفظ أيضاً عندما يكون السؤال عن الوحدة العظيمة التي ننتمي إلى الجزء منها، والاسم المشهور في هذه الأيام عن هذه الوحدة هو الإله (7). هل فعلاً ماتت الفلسفة، والعلم هو السبب، لماذا لا يكون العلم لا علاقة له بمجال الفلسفة أصلاً؟

لكن ما هي هذه الأجوبة التي يزعم أن العلم يعطيها لنا عن الأسئلة التي حيَّرت الفلاسفة وكثيراً من الناس، أو بتعبير أدق ما هي الإجابات التي قدَّمها ستيفن هوكينغ عن إجابات الفلاسفة، للأسف سرعان ما تتملكنا خيبة أمل أخرى أسوأ من الأولى، يقول هوكينغ أجسام مثل النجوم أو الثقوب السوداء لا تستطيع الظهور وحسب، من لا شيء، لكن مجمل الكون يمكنه (8)، ذلك وذاك لأن هناك قانوناً مثل الجاذبية، فإن الكون يمكنه أن يخلق نفسه من لا شيء (9).

الاعتراض الأول هو أن هذا ليس بعلم، هذه فلسفة، لكن فلسفة ركيكة، الشيء لكي يخلق نفسه أو يقوم بأي أثر عليه أن يكون موجوداً، ونحن فرضنا أن الكون كان معدوماً قبل الانفجار العظيم، والمعدوم لا فعل له، لكي يخلق عليه أن يكون معدوماً، فإذا قلنا عنه خالق نفينا عنه أنه مخلوق، وإذا قلنا إنه مخلوق نفينا عنه أنه خالق.

إن القول بأن الشيء علة نفسه هو قول سفسطائي وليس قولاً فلسفياً محترماً، فكيف يستقيم القول أنا خلقت نفسي، الخلق الذاتي يجمع بين النقيضين، خالق مخلوق، واجتماع النقيضين مستحيل عقلاً.

والقول إن قانون الجاذبية هو الذي تسبَّب في خلق الكون كما قال ستيف هوكينغ، فهذا لا يخول له القول بأن الكون خلق من لا شيء؛ لأن الجاذبية من الكون، وهي قوة فاعلة، ألم ينسب لها هوكينغ الخلق، ولكي نقول شيء خلق شيئاً آخر عليه أن يكون سابقاً عليه بالزمان، مثلاً النجار صنع الطاولة؛ لأن النجار يسبق الطاولة، أي كان النجار ولم تكن الطاولة، ثم كان النجار والطاولة.

والكون وقانون الجاذبية كما يخبرنا الفيزيائيون وُجدا معاً.

أضف إلى هذا أن قانون الجاذبية ليس بشيء، أي لا توجد قوة فاعلة يقال لها الجاذبية، قانون الجاذبية يصف لنا الظاهرة، ويجعلنا نتنبأ بما سيحدث، لكنه لا يخلق شيئاً كما أخبرنا هوكينغ نفسه، يقول قانون الجاذبية الذي فسَّر مدارات الأرض والقمر والكون كما شرح ظاهرة كظاهرة المد والجزر (10) فسر وشرح، لكنه لم يخلق الأرض والقمر، والمد والجزر. أليس هوكينغ هو الذي قال إن قوانين الطبيعة تخبرنا بالكيفية التي يتصرف بها الكون، لكنها لا تجيب عن سؤال لماذا.

يخبرنا هوكينغ عن معنى القانون، يقول إن معظم العلماء يقولون إن قانون الطبيعة هو القاعدة التي تقوم على الانتظام الملحوظ، وتمدنا بتنبؤات تذهب خلف الأوضاع الراهنة التي تقوم عليها، ويضرب لنا مثالاً يقول على سبيل المثال ربما نلاحظ أن الشمس قد أشرقت من جهة الشرق كل صباح طيلة حياتنا، فنفترض القانون التالي الشمس تشرق دوماً من جهة الشرق (11) هذا القانون يصف لنا الظاهرة، لكنه لا يستدعي الأشياء من العدم؛ لأنه هو نفسه عدم من دون وجود ظاهر وانتظام لكي يفسره لنا، بل لن يوجد إذا لم يوجد العقل؛ لأن القانون مجرد مفهوم ذهني يكونه العقل عن أشياء تحدث في الخارج.

مثال: يوجد قانون الواحد والعشرون يوماً، الذي يصف لنا متى سيخرج الكتكوت من البيضة، وكيف خرج الكتكوت، يعيش الكتكوت أيامه الأولى داخل قشرة البيضة، ويخرج منها بعدما تنكسر مضغة لحم في اليوم الحادي والعشرين، بعد أن يظهر قرن صغير على منقار الكتكوت يستعمله في تكسير البيضة، لينطلق خارجا منها (12). هذا يسمى قانون الواحد والعشرون، يصف لنا كيف خرج الكتكوت من البيضة، ويجعلنا نتنبأ متى سيخرج من البيضة قبل خروجه؛ لكن من الخطأ القول إن قانون الواحد والعشرون خلق البيضة، أو خلق الكتكوت، أو خلق القرن، تماماً كما من الخطأ القول إن الكون خلق نفسه، أو الكتكوت فعل ذلك. هذا كلام غير عقلي، وغير فلسفي، وغير سليم، ولا يُعقل.

المراجع

(1) التصميم العظيم ستيفن هوكينغ ص 13.

(2) نفس المرجع ص 13.

(3) نفس المرجع ص 7.

(4) نفس المرجع ص 206.

(5) أنتوني فلو هناك إله ص 109.

(6) أنتوني فلو هناك إله ص 123.

(7) نفس المصدر 123.

(8) تصميم العظيم ص 216.

(9) تصميم العظيم 216.

(10) تصميم العظيم ص 38.

(11) تصميم العظيم ص 38.

(12) الإسلام يتحدى وحيد الدين خان ص 31.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
نبيل ينسي
كاتب مغربي مهتم بالفلسفة وعلم الكلام الإسلامي
تحميل المزيد