أخبر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مضيفيه، خلال زيارته للإمارات العربية المتحدة، بأن اتفاقاً نووياً جديداً مع إيران عليه أن يكون "مستمراً" وأن يعالج "النشاطات الضارة" التي أحدثتها الجمهورية الإسلامية في الدول المجاورة.
ضغط العديد من أعضاء الكونغرس الأميركي خلال الأسابيع القليلة الماضية لوقف التدخل الأميركي في اليمن، الذي اعتبر مشرعون أن استمراره تجاوز واضح للسلطة التنفيذية.
مثلاً قال عضو الكونغرس رو خانا في مقالة رأي حديثة إن أميركا لا شأن لها بدعم "صراع بقيادة سعودية" ساهم "عمداً في تجويع الملايين". وقد غرد بعدها قائلاً: "دعم جرائم حرب ضد المدنيين لا يزيدنا أماناً، بل هو ببساطة يحيل حلفاءً محتملين أعداءً". وغرد السيناتور كريس مورفي على نفس المنوال قائلاً: "إن اليمن هو أسوأ كارثة إنسانية نجمت في معظمها عن تمويل الولايات المتحدة حملة قصف هوجاء".
ربما يملك الكونغرس رأياً يستحق أن يؤخذ في الاعتبار حين يتعلق الأمر بتحديد وتقييد صلاحيات السلطة التنفيذية في شن الحرب. ومع ذلك، فإن حصر اليمن في هذا النقاش المجرد يشوّش على أصول الحرب في اليمن، وعلى طبيعة الأزمة الإنسانية في الدولة، بالإضافة إلى الرابط الجليّ بين هذا الصراع وبين مصداقية ومصالح الولايات المتحدة.
فعلى سبيل المثال، تصور رواية الكونغرس التحالف الذي تقوده السعودية كمسبب للصراع في اليمن. إلا أنه على الحقيقة، فإن الصراع في اليمن لم يبدأ بالتدخل العسكري للسعودية في اليمن في مارس/آذار من عام 2015 بل بانقلاب الحوثيين العنيف على الحكومة اليمنية المعترف بها عالمياً، والذي حدث في سبتمبر/أيلول عام 2014.
فرض الحوثيون، المدعومون من إيران، بعد سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، نظاماً أصولياً، طائفياً، وحشياً وقمعياً حطم أي أمل في تعددية سياسية وحكمٍ ديمقراطي في أعقاب الربيع العربي في اليمن. طلبت الحكومة المنفية بعدها تدخلاً عسكرياً، استجاب له التحالف بقيادة السعودية. تدخل السعودييون أيضاً مخافة أن يخلق الدعم العسكري والمالي الإيراني للحوثيين وكيلاً جديداً ومميتاً لفيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في الجزيرة العربية.
لا شك أن اليمن يواجه أزمة إنسانية تفاقمت بدخول التحالف بقيادة السعودية الحرب. مع ذلك، فإن جزءاً كبيراً من هذه الأزمة صنعه الحوثيون أنفسهم. وقد ساهم الإهمال الكامل لحكومة الحوثي لخدمات الصرف الصحي، وفشلهم في حفظ وصيانة شبكات المياه والمجاري في تفشي وباء الكوليرا.
بالإضافة إلى ذلك، فقد صادر الحوثي الطعام والدواء والمعدات الطبية الحيوية المنقذة للحياة لإعطائها لأعضاء الجماعة أو لبيعها في السوق السوداء بأسعار باهظة. كما أنهم استخدموا أيضاً الألغام الأرضية على نطاق واسع بالإضافة إلى اعتمادهم التجنيد الإجباري للأطفال الذين لم يبلغ كثير منهم الخامسة عشرة بعد، كل ذلك يزيد الأزمة الإنسانية في اليمن. وعلى النقيض، فإن المناطق التي أعادها التحالف بقيادة السعودية إلى الحكومة اليمنية لا تعاني من نفس الأوضاع الكارثية التي يعاني منها المدنيون في المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثيين.
علاوةً على ذلك، فإن مصالح حيوية للولايات المتحدة على المحك. فقد هدد الحوثيون مراراً بتعطيل حركة الملاحة الدولية. وقد وأوفى الحوثيون، في وقت سابق من هذا العام، بوعيدهم بإطلاقهم النار على حاملة نفط سعودية وناقلة تركية محمّلة بالقمح. ميليشيات الحوثي عدو لدود للولايات المتحدة وأداة لتوسيع زعزعة طهران للاستقرار في الشرق الأوسط. زوّد الإيرانيون الحوثيين بصواريخ باليستية أُطلقت على حلفاء للأميركيين والسعوديين والإماراتيين واليمنيين. سحب الولايات المتحدة دعمها الآن سيعني تسليم اليمن إلى إيران، ما سيوجه ضربة قوية لمصداقية واشنطن في المنطقة.
ترتبط الحرب ضد إيران والحوثيين أيضاً بحرب الولايات المتحدة على الإرهاب، التي يدعمها الكونغرس، تحديداً الحرب على تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، وهو تنظيم يتخذ من اليمن مركزاً ويعده الكثيرون الأخطر في ما تبقى من أتباع القاعدة. ساعد التحالف بقيادة السعودية، مثلاً في تكوين قوات النخبة التابعة لقوات الحزام الأمني الجنوبية المُعادية للحوثي. قاتلت هذه القوات اليمنية المدربة من قبل الإماراتيين بجانب القوات الخاصة الإماراتية، تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، وقد أخرجوهم العام الماضي من محافظة شبوة، في حين تمكنت طائرة أميركية بدون طيار، منذ ستة أعوام، من استهداف أحد إرهابيي القاعدة المسؤولين عن الهجمات على الباخرة الأميركية كول عام 2000.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب الولايات المتحدة دوراً حيوياً في تأمين المدنيين اليمنيين بإعلام التحالف بالمنشآت المدنية غير العسكرية لتفادي استهدافها عن طريق الخطأ بالضربات الجوية. لم يمنع هذا الدعم المعلوماتي الخسائر في صفوف المدنيين كلياً، إلا أنه بلا شك قد ساهم في خفض عددها. كذلك سمحت منظومة باتريوت للدفاع الجوي الصاروخي، أميركية الصنع، للتحالف باعتراض العشرات من الصواريخ الباليستية الحوثية التي أطلقت على مراكز مدنية للسكان في السعودية والإمارات واليمن. يعزز التدخل الأميركي أيضاً من العلاقات بين الجيش الأميركي مع الجيوش العربية الحليفة له وتعد هذه العلاقات حلقة محورية لنفوذ الولايات المتحدة إذا كانت تنوي الحفاظ على تأثيرها العالمي.
يجب على أميركا أن تواصل دعم المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث في محاولته للتوسّط من أجل التوصل إلى حل سياسي دائم. لكن الحوثيين لن يكون لديهم حافز يُذكر للتفاوض بحُسن نية في غياب الضغط العسكري المستمر. إن سحب الدعم الأميركي للتحالف الذي تقوده السعودية وللحكومة اليمنية المعترف بها دوليا سوف يخفف من هذا الضغط دون القيام بأي شيء لإنهاء حرب اليمن.
ولن يساعد أيضاً في تخفيف بل في الواقع ربما يفاقم، الأزمة الإنسانية في البلاد وفي نفس الوقت سيوجه ضربة للنفوذ الأميركي وإلى مصالحها الإستراتيجية على المدى البعيد والقصير. من الأفضل إذا للمشرعين أن يأخذوا باعتبارهم تكاليف كهذه في محاولتهم استعادة سلطة صناعة الحروب من السلطة التنفيذية.
هذا المقال مترجم عن موقع (The National Interest)
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.