ناقش البرلمان الهندي، يوم الجمعة 27 يوليو/تموز 2018، اقتراح حجب الثقة عن حكومة ناريندرا مودي، والذي تقدَّم به حزب (Telugu Desam Party (TDP، وهو الحزب الحاكم لولاية أندرا براديش (AP) وهي إحدى كبرى الولايات في الهند، وحشد خلف القرار مجموعة من الأحزاب الأخرى، وعلى رأسها حزب المؤتمر الهندي أعرق الأحزاب الهندية، تحت رئاسة راهول غاندي.
واقتراح حجب الثقة هذا هو الأول منذ 15 عاماً، والـ27 الذي يشهده البرلمان الهندي منذ تأسيسه، علماً أنّه قد أخفق بسبب عدم تمكُّن المعارضة من جمع الأصوات الكافية، وكانت نتائج التصويت 126 نائباً مع القرار، و325 نائباً ضده، أمّا باقي أعضاء البرلمان فقد قاطعوا الجلسة.
والجدير بالذكر أنّ المعارضة كانت قد حاولت سابقاً أن تطرح الثقة بالحكومة، إلا أنّ رئاسة المجلس (راج صبحا) قد رفضته، وقد فُهم من قبول رئاسة المجلس المشروع هذه المرة، بأنّ الحزب الحاكم (BJP) مستعد للمواجهة ويرى فيها فرصة كي يهزم المعارضة هزيمة منكرة في البرلمان؛ من أجل أن يستخدمها للترويج لنفسه بين يدي الانتخابات العامة التي ستجري العام القادم (2019).
غير أنّ الرياح لا يبدو أنّها قد جاءت بما تشتهي سفن الحزب الحاكم، فصحيح أنّ المعارضة لم تستطع أن تُسقط الحكومة، وهو -دون شك- إنجاز كبير للحكومة ودلالة على قوتها، غير أنّ الدعاوى التي طرحتها قد رفعت منسوب المعارضة الشعبية أو رفعت صوتها، بشكل لا بد أنّه سيؤثر سلباً على شعبية الحزب الحاكم، وأهم ما طرحته المعارضة:
1.تهرُّب الحكومة من الوفاء بوعودها لحكومة ولاية أندرا براديش بإعطائها ميزات ولاية ذات وضع خاص؛ ما أدى إلى تراجع التنمية في الولاية.
2.تحميل الحكومة مسؤولية التباطؤ الاقتصادي الذي شهده الاقتصاد الهندي.
3.رفع صوت الفلاحين الذين تعرّضوا لأضرار كبيرة نتيجة سياسات الحكومة.
4.تحميل الحكومة المسؤولية عن الأضرار التي مسّت محدودي الدخل والاقتصاد نتيجة لقرار الحكومة مصادرة العملة (demonetisation) واستبدالها فجأة بقِطع عملة جديدة ذات مواصفات خاصة، تحت دعوى محاربة المال الأسود، والتي أدت نتيجة لنقص الاستعداد، إلى فقدان النقد من الأسواق والتأثير على التجارة، خصوصاً بيع التجزئة.
5.اتهام الحكومة بالتغطية على جرائم القتل خارج القانون التي تقوم بها جماهير غاضبة ضد بعض المسلمين، واتهامها بالتقصير في إنفاذ القانون وحماية النظام.
6.اتهام الحكومة بالفساد، وخصوصاً في صفقات تجارة السلاح الدولية.
7.اتهام رموز الحزب الحاكم بالفساد، وخصوصاً الأمين العام للحزب والرجل الثاني فيه أميت شاه، والزعم بأنّ ابنه ضاعف ثروته 16 ألف مرة خلال 4 سنوات.
ولعل من أهم ما لفت الانتباه، أنّ الائتلاف الانتخابي المكون من 28 حزباً، والذي قاد حزب BJP إلى سُدة الحكم، قد أخذ في التفكك؛ إذ قاطع التصويت كلٌّ من حزب (Biju Janta Dal (BJD، وحزب Shiv Sena، وحزب All India Anna Dravida Munnetra Kazhagam (AIADMK)، وهو مؤشر غاية في السلبية، فمن الأساليب التي اتبعها الحزب الحاكم لتحقيقه شعبية غير مسبوقة منذ 30 سنة، في الانتخابات الأخيرة عام 2014، استقطاب الأحزاب الصغيرة والولائية، والشخصيات المؤثرة في الأحزاب الكبيرة.
هناك قناعة بدأت تتعاظم وسط النخب العلمانية بأنّ الحزب الحاكم، الذي يعتبرونه الذراع السياسية لحركة "RSS" القومية المتطرفة، يريد تغيير طبيعة الهند من مجتمع متعدد منفتح إلى دولة هندوسية إقصائية، ما يعني نهاية الهند كدولة ديمقراطية عصرية، والدخول في حالة صراع داخلي دامٍ مع الأقليات الكبيرة وعلى رأسها المسلمون، وتهديد حرية التعبير والعمل السياسي والاجتماعي؛ بل للنظام السياسي برمّته.
وقد جاءت هذه الاحتجاجات من قضاة في المحكمة الدستورية، ومفكرين وسياسيين وفنانين وأعضاء بارزين سابقين فيبالحزب، منهم على سبيل المثال السياسي المعروف وزير المالية ووزير الخارجية الأسبق "ياشونت سينها"، الذي نشر مقالاً في إحدى الصحف مؤخراً، وضع فيه وصفة انتخابية فعّالة لهزيمة الحزب الحاكم في الانتخابات القادمة، كما ظهر تسجيل للمثقف والقيادي البارز في حزب المؤتمر "شاشي ثورور"، يتحدث فيه عن نية الحزب الحاكم تغيير الهند وهويتها من خلال تغيير الدستور في البرلمان؛ لتكوين هند وفق رؤية الآباء المؤسسين لحركة "RSS"، التي تُعرِّف الهند بأنها وطن للهندوس، ما يجعل غير الهندوس غرباء في بلدهم.
يترافق ذلك مع نزع جنسيات الملايين من الهنود المسلمين في ولاية "آسام"، حيث أقامت الحكومة هناك لجاناً للتحقق من أصول السكان، وكل من يفشل في إثبات أنّ جذوره تمتد في الولاية تنتزع منه الجنسية بحجة أنه بنغلاديشي وعليه أن يعود إلى بلده.
هذه الأحداث وغيرها، وخصوصاً القتل الجماعي، والتي تستهدف مسلمين بدعوى ذبحهم الأبقار أو أكلها أو نقلها، أصبحت كثيرة ومتكرّرة، ما أثار الذعر في صفوف المسلمين والأقليات الأخرى، وهو ما يمكن أن يتبعه ردود فعل قد يكون بعضها عنيفاً، ما يمكن أن يقود إلى تفكك بِنْية المجتمع الهندي، وتقويض النظام العام كما يحذر كثيرون، ونهاية أحلام الهند بدولة الرخاء والقانون.
في المقابل، فإنّ حزب "BJP" ما زال -وسيبقى في المستقبل المنظور- الحزب الأقوى والأكثر شعبية في الهند حتى ولو خسر التحالف الذي وقف إلى جانبه بالانتخابات السابقة، ويدعم موقفه غيابُ الشخصية الجامعة على المستوى المعارضة، التي يمكن أن تشكّل بديلاً لشخصية ناريندرا مودي رئيس الوزراء الحالي، وتفككها، فهي وإن استطاعت هزيمة التحالف الحاكم فلن يكون من بينها حزب وحيد أكبر من حزب "BJP"، علماً أنّ الحزب الوحيد الذي يمكن أن يقوم بذلك هو حزب المؤتمر، الذي يعاني انخفاض شعبيته، وفقدان القيادة القادرة على الإطاحة بحزب قوي مثل "BJP"، ولديه قاعدة أيدولوجية متمثلة بكوادر "RSS" وطيف واسع من الهندوس الذين يعتقدون أن الحزب الحاكم يمثل مصالحهم ورؤيتهم للهند كوطن ودولة.
إذاً، لماذا يمكن أن تكون هذه الخطوة غير الناجحة هامة ومؤثّرة في السياسة الهنديّة؟ يمكن القول إنّها أشّرت إلى بداية عهد جديد؛ وهو نزول الحزب الحاكم عن الذروة، وبداية انحدار ربما يكون سريعاً، خصوصاً إن حصل انفضاض للأحزاب الولائية والشخصيات المؤثرة التي اكتسبها ونجمه يصعد سريعاً خلال الانتخابات الماضية، وهناك مؤشرات واضحة بهذا الاتجاه، ما يعني أنّ الهند قد ترجع إلى حالة سياسيّة أكثر مرونة ومواتاة للأحزاب الصغيرة والأقليّات التي تخشى تغوُّل الأغلبيّة على حقوقها في ظل حكم أغلبية قومية، ويعني أيضاً أنه في حال رجوع الحزب الحاكم إلى السلطة في المرة المقبلة فلن يكون بالقدر نفسه من القوة، وستكون قدرته على الاستمرار في سياساته أقل، فضلاً عن أن يميل نحو التشدّد أو التقدم بسياسات خلافيّة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.