كيف تأثَّر الألمان بالعرب والمسلمين؟ كلماتٌ عربية في اللغة الألمانية تحكي القصة!

عدد القراءات
8,707
عربي بوست
تم النشر: 2018/08/03 الساعة 08:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/03 الساعة 12:17 بتوقيت غرينتش

إذا كانت رفرفة أجنحة فراشة في الصين تؤدي إلى أعاصير وفيضانات في أميركا كما تقول "نظرية الفراشة"، فلا شك في أن للحضارة العربية والإسلامية أثراً على ألمانيا ونهضتها حتى يومنا هذا، وإذا كان "أَثر الفراشة لا يُرَى" كما يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش، فإن الكلمات العربية التي انتقلت إلى اللغة الألمانية لا تزال شاهدة على هذا الأثر حتى يومنا هذا، فليست القهوة وحدها عربية في ألمانيا، ولكن علوم الجبر والخوارزميات التي يقوم عليها علم الحاسوب عربيةٌ أيضاً!

وعموماً، فبحسب الباحث الألماني أندرياس أونغار، فإن عدد الكلمات ذات الأصل العربي المتداولة في اللغة الألمانية يتجاوز 100 كلمة، في حين يرى الباحث نبيل عثمان أنها 400 كلمة، لكن العدد لا يهم بقدر الحكايات التي تُخبِّئها هذه الكلمات، مثل كلمة "بنزين" وهي كلمة لا نتخيل لها أصلاً عربياً، ولكن الألمان يعلمون أنها عربية!

"شمس الله.. تشرقُ على الغرب"!

صحيح أننا لا نتحدث عن آلاف الكلمات كما هو الحال بين اللغة العربية واللغة المالطية، أو العربية والتركية مثلاً، إلا أن هذه الكلمات العربية التي دخلت اللغة الألمانية وجدت لها مكانةً مميزةً في الكلمات المُستخدمة بشكلٍ يومي، وهو ما تراه المستشرقة الألمانية زيغيرد هونكه صاحبة كتاب "شمس الله تشرق على الغرب"، الذي عرضت فيه أثر الحضارة العربية والإسلامية على أوروبا. ونترككم مع هذه القطعة من الصفحات الأولى من كتابها للحديث عن الكلمات العربية في اللغة الألمانية من خلال النص الأدبي التالي:

"الباحثة: هل لي يا سيدتي الفاضلة، أن أدعوك إلى دخول هذا المقهى (Cafe) فإنك تبدين متعبة. وهل لك أن تنزعي عنك جاكتك (Jacke)، وأن تأخذي مكاناً لك على الصُّفة (sofa) ذات المرتبة الحمراء القرمزية (Karmin…Matraze).

إن القندي (صانع الحلوى) (Konditor) ذا القلنسوة (Mutze) الفارعة، والقباء (Kittel) الأبيض الناصع، سيحضر لك حالاً طاسة (Tasse) من قهوة البن (Bohnen Kaffee) مع قطعتين من السكر (Zucker) أم أنك تفضلين غرافة (Karaffe) من عصير الليمون (ليموناضة) (Limonade) إذا كنت لا ترغبين في تناول الكحول (Alkohol)؟ كلا؟ لا ريب في أنك ترغبين بقطعة من الحلوى مع شيء من البرقوق المشمش (Aprikosen) ومن بنان الموز (Banaen)".

من قُرطبة وبغداد.. إلى الحملات الصليبية!

يؤكد الباحثون أن هذا الأثر انعكاس للدور الذي لعبته الحضارة العربية والإسلامية في فترة ما يُسمى العصور الوسطى. وسواء كنا نتحدث عن قرطبة في الغرب أو بغداد بالشرق، فقد لعب كلاهما دوراً مُهماً في النهضة العلمية بتلك الحقبة، وكانت هناك بعثات وهدايا بين الخلفاء المسلمين وملوك أوروبا، كالهدايا التي بعثها هارون الرشيد إلى شارلمان -ملك الفرنجة- في مدينة آخن الألمانية، وكانت عبارة عن فيل وساعة مائية لم يكن الملك ولا رعيته قد شاهدوا لهما مثيلاً من قبل، هذا غير الأقمشة الفاخرة والبُسُط والمواد العطرية، وهذا بالطبع كان يهدف إلى إطلاع الأوروبيين على الرقي الذي بلغته الحضارة في بلاد المسلمين، كما أنه كان يشجع على تطوير العلاقات التجارية بين هذه البلاد، بالإضافة إلى التبادل العلمي والثقافي.

Sughrat سقراط

وليس هذا فحسب، فالحملات الصليبية كذلك لم تكن فترة عابرة في التاريخ، فهي أولاً لم تكن حملة -كما قد يتخيل البعض- ولكنها حملات امتدت قرابة 200 عام، وشهدت فترات من الحرب كما شهدت من السلم، وهي أطول من فترات الحروب كما يقول صاحب كتاب "أثر الشرق الإسلامي في الفكر الأوروبي خلال الحروب الصليبية" والذي ينقل عن الرحالة ابن جُبير كيف كان الصليبيون يتعلمون العربية وكيف كان المسلمون والصليبيون يشتركون في رعي الماشية؛ بل ويتقاسمون الغلة، هذا غير أن هذه الحملات كان فيها شعراء وأدباء ومؤرخون؛ ومن ثم فقد تأثر هؤلاء كثيراً بالأشعار العربية وأدب القصة في اللغة العربية، وبلا شك فقد عادوا إلى بلادهم مع الكثير من الكلمات العربية الجديدة.

رحلة الكلمات

الكثير من هذه الكلمات لم تنتقل مُباشرة إلى الألمانية في الواقع، ولهذا من الصعب أحياناً أن يُلاحظ أصلها العربي؛ لأنه تحرَّف مع الوقت و"طول الرحلة". فكلمة "شراب" مثلاً انتقلت إلى الألمانية عن طريق اللاتينية، فبعد أن كانت "siropus" أصبحت تُستخدم في الألمانية بمعنى الشراب أو بمعنى "الترياق" وتُلفظ: "سيروب Sirup"، وإن كانت كلمة "شراب" تختلف عن "سيروب"، فإن القارئ العربي قد لا يتخيل مثلاً أن كلمة "Laute"، التي تُلفظ "لاوتي"، هي التعريب للعود (آلة العزف)، ولكن الذي يتأمل رحلة الكلمة يُمكن أن يفهم العلاقة أكثر؛ فإذا كان الألمان سموها "Laute"، ففي الفرنسية "Luth" وفي الإيطالية "Liuto"، أما في الإسبانية "Laud" وهي قريبة أكثر للعربية، إلا أن الكلمة البرتغالية "alaude" هي الأكثر قرباً للعربية!

في المطبخ الألماني

في كتابها، تذكر زيغيرد هونكه حكاية رحلة وفد أندلسي إلى ألمانيا برئاسة "إبراهيم بن أحمد الطرطوشي"، وكيف وجد هناك من التوابل ما لا يوجد إلا في بلاد الشرق وتعجب من ذلك، إلا أن هونكه تقول إن الطرطوشي كان سيندهش أكثر لو اطلع على لائحة مشتريات لأحد الأديرة في أقاصي أوروبا التي تحتوي على سلع لا توجد إلا في الشرق، كالبهارات والبخور والأعشاب الطبية، التي كان الأوروبيون ينتظرون مدة طويلة قبل أن تصل إليهم ويستمتعوا بها.

أما اليوم، فلو دخلت حانوتاً في ألمانيا لشراء بعض الفاكهة والبهارات، فستجد الكثير منها أصوله عربية؛ فالـ"أورانجي" هو النارنج أو البرتقال عند العرب، والـ"بناني" هو بنان الموز، و"الإبريقوسي" هو البرقوق، و"ليموني" هو نفسه الليمون، وكذلك الزبيب ففي لهجات جنوب ألمانيا يُطلق عليه اسم "تزبيبي"، التي انتقلت من العربية إلى الصقلية ثم الألمانية، وهناك مثلاً الخرشوف في العربية يقال له بالألمانية وكذلك الإنكليزية "الأرضي-شوكي" ويُكتب "Artischocke"؛ بل إن الـ"الكوهول" هو مُجرد تعريب لكلمة "كحول" العربية.

وكي نتخيل الأثر، فإن إحدى الألمانيات كتبت لموقع "أخبار شتوتغارت": "إن زوجي لا يُمكنه أن يتخيل كعكة الجبن بلا زبيب"، فمن أين جاءت هذه الكلمة؟ وإن كان هذا هو الحال مع الزبيب، فهل يُمكن أن نتخيل مطبخاً بلا قهوة أو سكر؛ أو بلا موز وبرتقال؟ أو حتى هل يُمكن لأوروبا أن تصنع الحلوى بلا عجينة اللوز أو ما يُسمى الـ"مرصبان Marzipan"؟

في الجامعات الألمانية

ولا شك في أن هذا الأثر لم ينحصر بالمطبخ، فالكثير من العُلماء في أوروبا كانوا ينهلون العلوم فتراتٍ طويلة من العرب في الأندلس وصقلية، ولو راجعنا سيرة الملك الألماني فريدريك الثاني لوجدنا عشقه العلوم ساقه إلى دراسة اللغة العربية، وقد كان يعود للعلماء المسلمين بصقلية في الكثير من المسائل التي شغلته.

اليوم، لا يُمكن مثلاً لأي طالب، سواء بألمانيا أو في غيرها من دول العالم، أن يدرس الهندسة دون أن يدرس "اللوغاريتمات-Algorithmen"، وهي ليست سوى "الخوارزميات"، التي يعود الفضل في اكتشافها إلى "الخوارزمي" في مُحاضرة الرياضيات أو "علم الجبر-Algebra" الذي يعود تسميته إلى جابر بن حيَّان.

مُصطلحاتٌ علمية كثيرة دخلت الألمانية ولكنها استُخدمت بمعانٍ مختلفة عن معانيها العربية التي نعرفها نحن اليوم، فكلمة "صفر" لا تعني بالألمانية الرقم "صفر"، ولكنها تعني "خانة"، ومصطلح "مونسون" في علم المناخ، المأخوذ عن مصطلح موسم، يعني الرياح الموسمية، وكذلك "Azimut"، المأخوذ من مصطلح "سمت الرأس"، له استخدامات عديدة في علم الفلك والملاحة. ولكن المدهش أكثر أن مصطلح مثل "Risiko"، الذي يُستخدم كثيراً في علم الإدارة مثلاً ويعني "المخاطرة والمجازفة"، هو من الكلمة العربية "رزق"، وقد عرفته أوروبا عن طريق التعاملات التجارية بينها وبين العرب.

ولو لم تتخيل يوماً أن كلمة "رِزِقو-Risiko" مأخوذة عن كلمة "رِزق" العربية، فلعلك لم تتخيل أن كلمة "كابل-Kabil" مأخوذة عن "حبل"، وكذلك "كليبر-Kaliber" التي تعني اليوم "عياراً" هي في الأصل من كلمة "قالب"، وكذلك كلمة "Soda-صودا" وكلمة "Chemie" فهي كلمة "كيمياء".

"بنزين".. كلمة من أصول عربية!

ومن يدرس الكيمياء مثلاً، فإن بانتظاره عدداً لا بأس به من الكلمات ذات الأصل العربي، وبحسب جيرهارد مولر فإن كلمات مثل "القالي"، و"نترون"، و"نتريوم"، و"فينول" و"بنزول" وحتى "بنزين" التي نستخدمها كل يوم هي كلمات عربية الأصل!

ومع أن هناك كلمات يُشك أحياناً في أصلها العربي من قِبل بعض الباحثين، فإن كلمة مثل "بنزين" هي من الكلمات التي لا جدال فيها، بحسب الباحث واللغوي الألماني آندرياس أونغر، الذي ذكر حكاية انتقال كلمة "بنزين" في كتابه "من الجبر إلى السكر-Von Algebra bis Zucker"، وهناك يؤكد أن أصل كلمة "بنزين" من كلمة "لُبان جاوي"، واللبان الجاوي هو نوع من أنواع البخور نُقل إلى إيطاليا في القرن الـ15، فأخذوا الاسم وأسقطوا اللام من أوله، فصار "بنجَوي"، ثم حُرِّف إلى "بنزوي" إلى أن تم اكتشاف الـ"بنزين" من الزيت المستخرج من الـ"بنزوي"؛ ومن ثم فإن البنزين الذي تسير به سياراتنا اليوم ما كان ليكون لولا اللبان الجاوي والبنزوي الذي صار اليوم بنزيناً!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عمر عاصي
كاتب فلسطيني يعيش بألمانيا
تحميل المزيد