لقد أضحيتِ جحيماً لا يُطاق.. فإليكِ مني ورقةَ الطلاق!

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/02 الساعة 10:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/02 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
Frustrated young couple quarreled. Family quarrel. Household squabble

من المعلوم بالضرورة عند كل شخص، أنَّ حلم كل فتى وفتاة هو الحصول على الاستقرار النفسي والعاطفي، من خلال تكوين العلاقة الزوجية، فقد ذكر الحقُّ تبارك وتعالى في محكم تنزيله، أن عقد الزوجية سبب للشعور بالمودة والرحمة بين الزوجين، بقوله عز وجل: "وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً".

الزواج ما هو إلا الكهف الذي يلجأ إليه كل فرد راغب في الهروب من هموم الحياة وشجونها وصخبها، والحصن الذي يحميه من جميع المنغصات التي تؤدي به إلى أن يكون محبوساً في الهاجس اللامحدود.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل على الدوام يكون الزواج بمثابة العصا السحرية التي تُحلّ عن طريقها كلَّ تلك المشكلات، وتنمحي بها كل الأحزان، وبهذا الشكل التلقائي، كما يتصوّره الكثير من الشباب؟!! الجواب: طبعاً لا، فربما يكون اقترانك وزواجك هذا مجلبة للنكد والسخط والويل، فتصبح إذْ ذاك كمن ذكره الشاعر في قوله:

المستجير بعمرو عند كربته … كالمستجير من الرمضاء بالنار

وإليكم تلك المقامة التي سمَّيتها مقامة الطلاق، والتي سأعرض بها تلك القضية الاجتماعية التي تغصّ بها المحاكم في الكثير من مجتمعات العالم، ومجتمعاتنا أيضاً بوجه أخص.

(الحمد لله رب السماوات، بارئ الأحياء والجمادات، وأصلّي وأسلّم على النبي العدنان، الذي بُعث رحمةً للإنس والجان، أما بعد:

أهدي إليكم يا أهل الكرامة، أمراً ذا شأنٍ في مقامة، فقد خلق الله آدم من طين، وعلَّمه الأسماء كلَّها في حين، وغرس فيه الحاجة للماء والطعام، عكس الملائكة الكرام، المعلومي المقام.

 احتاج أبونا آدم لمن يكون معه الشريك الملازم، ولحياته المقاسم، خلق الله تعالى حواء من ضلعه الأعوج، ليتعايشا مودة بشكل رائع أبهج.

 إذ من حقِّي كبَشَر، إن أحسست بضيق أو ضجر، عند شعوري بالوحدانية، بأن أشبع غريزتي الإنسانية، وأتزوج بفتاة عطوفة وحانية، تشاركني البهجة والأفراح، وتشاطرني الهموم والأتراح.

 حدَّثني مَن هو عندي أعز الأصدقاء، ومَن هو في حياتي أصفى الأصفياء، عن قصته الغريبة، وحكايته العجيبة، فبدأ بالسلام، وأعقبه بهذا الكلام، كنت راغباً في الزواج، فطُفت كلَّ الفِجَاج، وبحثتُ بين المعتمرين والحجاج، وشربتُ لهذا الغرض الماءَ العذبَ والأُجاج، طيلة سنين، وبعد شوق وحنين، وإثر نصْبِي كلَّ فخٍّ وكمين، أمسكتُ بفريسة، أنيسة ونيسة، وفي سنة كبيسة، بدا عليها العفاف والحياء، والهيبة والنقاء، تملَّكت إحساسي بتعبيرها المتألِّق، وحرَّكت أوتارَ قلبي بطبعها المتملِّق.

 لو غبتُ دقائق قامت بالاتصال، وباحت لي بتوقها للوصال، صار حُبُّنا بين الناس مَضرِباً للأمثال، حب يضاهي حبَّ بثينة لجميل، فصرتُ مشغوفاً بعشقها دونما مرَدٍّ من سبيل.

 قلتُ لها وبصراحة، فالصراحة كما هو معلوم برد وراحة، طال عندي الغرام والهوى، حتى صار الهيام شاغلي، واحترَّ القلب واكتوى. فقالت لي أبشر يا ابن العم، لا داعي للهمِّ والغم، فالأمر تم، وأقولها لك يا حبيبي وبملء الفم، تزوجني واطلب يدي، وابعد عن نفسك ضغط الدم، فرِحْتُ بعدَ إعلانها هذا الفرح الجم، وتساءلت إثره كيف دخولي لهذا الأمر الأهم، وكم يلزمني لإتمام الأمر وكم.

بذلت كلَّ الإمكانات، وأخرجت كلَّ ما ادَّخرته في السنوات، وقلت لها أَعْلِمي الوالِدَ في الحال، أَنِّي طالبٌ يدكِ لا محال. أشارت لي أَنِ اتَّصل عليه عبر المحمول، فأخبِرْهُ الأمرَ كالمتعارف عليه والمعمول، فكلّل الأمر بعد الاتصال بالقبول.

 تمخَّض عنه تحديد وقت الزفاف، على الآنسة عفاف، استعنتُ بالله  الودود، وخطبتُ المرأةَ الودود، ففرح من بالحفل موجود، ودعا لنا بالبركة كل الحاضرين على النحو المعهود.

هلَّ علينا هلال شهر العسل، وتبادلنا خلاله الابتسامات والغَزَل، إلا أن السيدة عفاف، صاحبة العواطف والود، بدا عليها بُعيد ذلك تصعير للخد، وقحط رومانسي إلى أقصى حد، انفعال متواصل بالليل والنهار، وتذمّر شديد، مكروه وانتهار، لا أكاد أسمع عنها خبراً سار، ولا تتعامل معي بإجلال وإكبار، إن تودَّدتُ إليها لاذت بالفرار، فهي إذن على جفائها هذا في إصرار، لَعمري إني قلق ومحتار، من هذا التصرف غير السَّار.

 غَدَا عندي سِيان، وصالها والهجران، أخبرتُها بكل وضوح، كلاماً نابعاً من أعماق الرُّوح، مقالة منقولة من نفس رضية، ذاكراً تداعيات هذه القضية، مقتنعاً بها وبكل جدية، خذيها مني كهدية، لقد وصلت العلاقة حدَّ الإخفاق، وبلغت فظاظتُك كلَّ الآفاق، ولا مجال هنا للتصنُّع والنِّفاق، فقد جعلتِني كالمعاق، وأضحيتِ جحيماً لا يُطاق، فإليكِ مني ورقةَ الطلاق، أيها المخلوق العاق، فإلى ربي المشتكى منك يوم التلاق، يوم يدعى الناس للسجود ويكشف عن ساق).

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
مصطفى حسن
مدرس لغة عربية
تحميل المزيد