إذا كان هناك شيءٌ واحد يمكننا أن نقطع به بشأن ميل الرئيس الأميركي دونالد ترمب لاستخدام تويتر في مساعيه الدبلوماسية، فهو تسبُّبُه بالكثير من المشكلات بدلاً من توفير الحلول. فقد أثارت ثورة غضبه الأخيرة ضد إيران هجوماً واسعاً، كان أوضحه ما صدَر عن منتقديه داخل الولايات المتحدة وأوروبا. وقد علَّمتنا التجارب أنَّ هذا هو ترمب؛ فعلى الرغم من حصوله على تأييد مستشاره للأمن القومي جون بولتون، الرجل المعروف بكراهيته العميقة للجمهورية الإسلامية، فقد كشف تهديده الأخير اشمئزازه من الدولة التي، حتى لا ننسى، ما زالت تصف الولايات المتحدة رسمياً بـ "الشيطان الأكبر" وتُشجع على حرق العلم الأميركي، وبدأت حالياً في القبض على مواطنيها مزدوجي الجنسية، إضافةً إلى مواطنٍ أميركي.
أمَّا الرئيس الإيراني حسن روحاني، في محاولةٍ واضحةٍ لوضع نفسه مرةً أخرى في صفوف المتشددين في بلاده، هدد عدة مراتٍ مؤخراً بالرد على العقوبات المفروضة على مبيعات النفط الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، الأمر الذي يمثِّل خطاً أحمر لواشنطن، وهو التهديد ذاته الذي تعامل معه باراك أوباما من قبل بأداءٍ دبلوماسيٍّ هادئ.
وجاء الرد الإيراني الرسمي على تغريدة ترمب صمتاً، على الرغم من أنّه يمكننا توقُّع ردٍ قوي من الحرس الثوري ومن المرشد الأعلى في الوقت المناسب. وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد ردَّ رداً محرِجاً على تويتر، مليئاً بالشعارات القومية، مشيراً إلى أنَّ إيران من عراقتها قد شهدت سطوع وأفول إمبراطورياتٍ كثيرة، بما في ذلك في إيران ذاتها.
ومن الجدير بالذكر أنَّ كثيراً من الإيرانيين تفاءلوا بانتخاب ترمب، وكان موقفهم كموقف حلفائهم الروس؛ إذ رأوه رجلاً يمكن عقد صفقةٍ معه. ويعكس هذا التصور وجهة نظرٍ إيرانيةٍ قديمة ترى أنَّ التعامل مع الجمهوريين أكثر سهولة من الديمقراطيين، وأنَّهم أقل اهتماماً بالأفكارٍ غير المرغوبة كحقوق الإنسان، وأكثر تفهماً لاحتياجات صناعة النفط. وقد شجعهم أكثر على ذلك الاعتقاد وجهةُ النظر القائلة بأنَّ تولي هيلاري كلينتون الرئاسة سيشكل تهديداً كبيراً؛ لأنَّها ستتمكن من بناء تحالفات. ويبدو ترمب، وفقاً لقراءةٍ نهِمة في كتبٍ فارسية تحدثت عنه، أكثر ميلاً لـ "فن التفاوض". في الوقت ذاته هناك احتمال في أنَّ صعوبة توقع أفعال ترمب قد وترت النظام الإيراني. ومن المذهل ملاحظة التراجع الواضح في العمليات المعتادة لإطلاق الصواريخ والعمليات الاستفزازية في منطقة الخليج التي اصطبغت بها السنة الأخيرة من رئاسة أوباما.
وليس هناك شكٌّ أيضاً في أنَّ التراشق اللفظي المتجدد مع الولايات المتحدة قد منح المتشددين في إيران ذريعةً لزيادة نفوذهم. ولكن يجب أن نحذر من افتراض وجود علاقةٍ سببية بين أفعال الولايات المتحدة وبين التطورات الداخلية في إيران، وهو تصوُّرٌ يعتقده الكثيرون في واشنطن نفسها. تعاني إيران مشكلاتٍ اقتصادية هيكلية حقيقية، ونقصاً مزمناً في استثمارات البنية التحتية، ويوضح ذلك نقص المياه على نطاقٍ واسعٍ في البلاد، وهي أمورٌ تعانيها إيران منذ عقود. ولا يستطيع الإيرانيون، وهم يعرفون ذلك جيداً، أن يكونوا تحت رحمة "الشيطان الأكبر". وما زال ترمب لم يخسر أفضليته لديهم، لكن كما تؤشِّر المظاهرات المستمرة في الشوارع، فإنَّ هذه الأفضلية لم تصبّ في مصلحة النظام الإيراني، الذي بدا غير كفؤ فيما يتعلق بالمشكلات الأساسية. قد يكون ترمب قد سكب الكثير من الملح، إلا أنَّ الجرح، بالنسبة للكثير من الإيرانيين، تسببت به إيران لنفسها على الأرجح.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.