تعيش المنظومة العربية بشكل كامل مرحلة حرجة تموج بالتطورات المتسارعة والتغييرات المتلاحقة، نتيجة لعوامل متعددة، أهمها الظروف السياسية المعقدة، والثقافية والاجتماعية، والاقتصادية، وليس بآخرها ثورة المعلومات والاتصالات، وتلعب فيها الحوكمة الرشيدة الدور الحاسم في النجاح، والتغلب على التحديات التي تواجهها، ومن هذا المنطلق فإن جامعاتنا العربية بمختلف أنواعها ينبغي عليها اللحاق بركب الدول المتقدمة، واعتماد نظم واستراتيجيات شاملة تؤسس لمستقبل قادر على أن يحقق طموحاً مشرقاً للمجتمعات العربية.
وتمثل الجامعات العربية الركيزة الأساسية للتعليم العالي، حيث تُسهم في بناء الإنسان معرفياً وثقافياً ومهارياً على النحو الذي يساعد على تنمية الموارد البشرية في كافة التخصصات التي تحتاجها خطط التنمية المستدامة.
ومن هنا تزايد الاهتمام على المستويين الحكومي والمجتمعي بتطوير مؤسسات التعليم العالي، وذلك بهدف تحسين مستوى جودة أداء هذه المؤسسات، وتفعيل دورها في قيادة عمليات التنمية الشاملة.
وتُعد القيادة الجامعية العربية الفعالة من أهم الركائز الأساسية لنجاح المنظومة التعليمية، والتغلب على كافة التحديات التي تعصف بالمؤسسات العربية، وللتأكد من جودة المؤسسة التعليمية وكفاءتها وجودة مخرجاتها، يُنظر أولاً إلى قيادتها وما يتوافر لديها من قدرات وإمكانات ووعي متكامل للأدوار المطلوبة منها، ولدور المؤسسة التعليمية في المجتمع، ويُخطئ مَن يظُن أن قيادة مؤسسات التعليم العالي العربي سهلة ومُيسَّرة.
فلا يمكن الاكتفاء فقط بأن تنسج قيادة الجامعات العربية والمنظومة التعليمية بأروقتها أهدافاً وتضع أشكالاً ومخططات للتعليم، إنما لا بد من توفير الأساليب الإدارية التي تترجم هذه الأهداف، وتنفيذ الخطط التعليمية بصورة ناجحة فاعلة.
لقد أصبح محور الحوكمة الرشيدة في هذه القيادة يدور حول الأفراد، وتحقيق الأغراض التربوية والاجتماعية.
وتطبيق نهج الحكم الرشيد في جامعاتنا العربية على كافة المنظومة التعليمية هو بمثابة إحداث نقلة نوعية للحصول على مخرجات تعليمية عالية الكفاءة والجودة، والإعداد للحياة من خلال بناء الشخصية القادرة على مواجهة المستقبل، مع التأكيد على الهوية الثقافية الإسلامية، والإعداد العلمي لمواصلة التعليم الجامعي تحقيقاً للتنمية الشاملة في منظومتنا العربية.
ولأن القيادة الجامعية العربية تواجه الكثير من التحديات، من أبرزها التوجهات الديمقراطية وتعليم القرن الحادي والعشرين، والهيمنة الدولية وتحديات التنمية؛ فقد أصبح لزاماً تغيير الجامعات العربية لفلسفتها وأدوارها وأهدافها، وبالتالي التغيير في أدوار القيادة الجامعية، فمن ميسر للعمل إلى مطور وقائد للتغيير، ومن رئيس يصدر الأوامر إلى داعم وموجّه، ومن إداري إلى قائد صاحب رؤية يؤثر ويلهم ويحفز، ويغرس الثقة في نفوس العاملين ويشركهم في القيادة، ويزيد من دافعيتهم ويشجعهم على الإبداع، ويمنح كل عضو اهتماماً فردياً خاصاً، ويرتقي باهتماماتهم واحتياجاتهم ليصنع منهم قادة آخرين.
يعد ممارسة نهج الحكم الرشيد من المواضيع الحديثة التي يتم تداولها في الوقت الحالي بكثافة في الأوساط العربية، ويجب الإشارة إليها وإلى أهميتها في تطوير البيئات التنظيمية المختلفة، وذلك من خلال علاقتها بآليات وإجراءات الإصلاح الإداري الذي يعد أحد العناصر المهمة في نظام الحوكمة الذي يُسهم في ضبط العمل وتوجيه العمليات نحو النجاح والتطور المستمر.
ويسعى هذا النهج من خلال الأهداف إلى تحقيق رفع كفاءة أداء المؤسسات، ووضع الأنظمة الكفيلة بتخفيف أو تقليل الغش وتضارب المصالح والتصرفات غير المقبولة، ووضع أنظمة للرقابة على أداء تلك المؤسسات، ووضع هيكل يحدد توزيع كافة الحقوق والمسؤوليات، وتحديد القواعد والإجراءات والمخططات المتعلقة بسير العمل.
ويتطلب تطبيق نهج الحكم الرشيد بالجامعات العربية أرضية معينة في كافة البنى التنظيمية والإدارية والاجتماعية داخل الجامعات وخارجها، بحيث توفر المناخ المناسب لإمكانية التطبيق. كما يتطلب قادة قادرين على توجيه الأفراد باتجاه تحقيق بصائرهم المتألقة، وليس هناك من مؤسسة أحرزت تقدماً ضمن نهج الحوكمة الرشيدة دون قيادة ذات قدرة إدارية عالية.
ومن الجدير بالذكر أن الحاجة الى الإصلاح لا تنتهي أبداً، وإنما هي عملية ديناميكية مستمرة، ولا تعني الحاجة إلى الإصلاح وتطبيق نهج الحكم الرشيد أن هناك حالات مرضية تستوجب العلاج، وإنما تبقى الحاجة إلى التطوير باقية بقاء المنظمة أو الجهاز الإداري ككل للوصول إلى أرقى صورة للمؤسسة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.