الفشل_علمني | تعلمت برمجة مصيري

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/01 الساعة 11:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/01 الساعة 11:19 بتوقيت غرينتش
Shot of a young businessman looking displeased while using a computer at his work desk

كنت في السنة الأولى في الجامعة أتعلم موضوع "مقدمة في البرمجة"، وكان موضوع الحاسوب موضوعاً جديداً جداً لا يعرفه إلا القلائل، وكان التركيز في هذا الكورس حول البرمجة في لغة الباسكال، صراحةً لم نتعلم في المدارس طريقة التفكير المجرد، ولا كيف نحل المسائل بواسطة الخوارزميات، في نهاية العام تقدمت للامتحان ورسبت، وبحسب قوانين الجامعة مَنْ يرسب في موضوع رئيسي يُفصل من الجامعة، ولذلك فبعد أسبوع من نشر النتيجة استلمت رسالة من الجامعة تعلمني بأنني مفصول من الجامعة، لكنني أستطيع التوجه إلى مكتب العميد لطلب النقض في القرار وإقناعهم بأن سبب الرسوب لم يكن عدم فهم المادة بل لأسباب أخرى مُقنعة، ولذلك فقد تقدّمت بطلبٍ لمكتب العميد أطلب منه أن يعطيني فرصة أخرى؛ معلّلا ذلك بأنني مررت بظروف عائلية صعبة، وبأن وفاة جدي قبل الامتحان أثّرت فيّ كثيراً ولم أستطع أن أدرس كفاية للامتحان، وأطلب أن تُعطى لي فرصة أخرى للتقدم للامتحان لموعد خاص لأثبت لهم أنني متمكّن من المادة. بعد أسبوع استلمت رسالة تبلغني بأن الجامعة لا تعطي مواعيد خاصة، ولذلك فإن طلبي مرفوض لكنني أستطيع التوجّه للمستشارة في قسم مساعدة الطلاب التابع لمكتب العميد لمساعدتي في إيجاد حل للموضوع.

كانت المستشارة سارة إنسانة رائعة اهتمّت بأن تصغي إليّ وأن تسمع كل ادعاءاتي، لكنها اعترفت لي بأن عشرات الطلاب يتوجهون إليها كل فصل وأنني لست الأول الذي يقدم هذه الحجج، وقالت بصراحة إن فرصتي ضعيفة وتنصحني بالتسجيل في الجامعات الأخرى فقد يكون حظي أفضل.

لم أقتنع بكلامها لكنني كنت مُرغماً على أن أسجل في جامعة أخرى، وقد فعلت وقُبلت في جامعة أخرى، لكنني لم أكن مقتنعاً بما فعلته وقررت أن أصارح أهلي بما حدث لتخفيف الضغط النفسي، وكانت المفاجأة أنهم تفهموا ما حصل رغم صدمتهم مما حصل ونصحوني بأن أجرب في جامعة أخرى.

بعد كل ما حصل لم أكن مقتنعاً كوني سجلت في جامعة أخرى وقررت ألا أستسلم وأحاول من جديد، فطلبت لقاءً مع رئيس كلية الحاسوب، وشرحت له في اللقاء ما حدث معي وكان بارداً جداً، وقال بالحرف الواحد: "أنت لا تناسب جامعتنا، ابحث عن حظك في مكان آخر"، كنت مصدوماً لكنني أحسست بأن طعنته لي سببت لي إحساساً غريباً، وقلت في نفسي وأنا خارج من عنده: "سألقنك درساً لن تنساه، ستضطر أن تسلمني شهادة التخرج بنفسك"، خرجت من عنده متوجهاً إلى سارة وأبلغتها بما حصل وقلت لها لن أستسلم وسوف أبحث عن طريقة لإقناع إدارة الجامعة بطريقة ما.

توجهت برسالة إلى مكتب العميد في الجامعة وشرحت له الظروف ووضحت له أن جميع الامتحانات الأخرى التي تقدمت إليها بعد رسوبي في هذا الكورس نجحت بها، ولذلك فإن ما حصل كان كبوة ولن تعود، كتبت له بالحرف الواحد: "أعطني فرصة لأتقدم للامتحان وسأبرهن لك ما أقول"، بعد أسبوع تسلمت رسالة من العميد تُعلمني بأنهم قرروا بالتنسيق مع المستشارة أن أحصل على فرصة واحدة ووحيدة بأن أتقدم للامتحان في نهاية الفصل وأن أحصل على علامة لا تقل عن 75.

قبلت التحدي وتقدمت إلى الامتحان في نهاية الفصل وحصلت على علامة 93، وبعد حصولي على تلك العلامة توجهت إلى سارة وأعلمتها بما حدث فكانت سعيدة جداً، وسألتني إذا كنت مستعداً لمساعدة الطلاب العرب الذين يواجهون مصاعب في فهم لغات البرمجة، وأن أقوم بتدريسهم وتحضيرهم للنجاح في الامتحان.

في العامين المقبلين كنت مرشداً لمجموعة كبيرة من الطلاب والطالبات العرب في لغات البرمجة: باسكال، فورتران وبي ال ون، ونجح كل مَنْ قمت بتدريسهم، ومنهم اليوم شخصيات معروفة ومرموقة، وكانت سارة تحكي عني لكل طالب أو طالبة يتوجّه إليها بطلب المساعدة بسبب رسوبهم في كورس البرمجة.

بعد ثلاث سنوات أي في نهاية السنة الرابعة، كنت الخريج العربي الوحيد في تلك الدفعة من بين 10 بدأوا الدراسة في نفس الكلية، وفي حفل التخرج قمت بمصافحة البروفيسور شمعون إيفن، وقلت له بالحرف الواحد: "أتذكرني، قلت عني إني لا أنتمي لجامعتكم واليوم أنت تسلمني باليد شهادتي التي أستحقها وبجدارة"، نظر إليّ وقال ببرودة: "بالنجاح!"، أما سكرتيرة العميد فصافحتني بحرارة وقالت لي وهي تبتسم: "لقد فعلتها يا إياد، كل الاحترام".

كانت هذه البداية الصعبة جداً، لكنها ألهمتني أن الإرادة والمثابرة ستضعك حيث تريد، وأن مصيري أحدده بنفسي، وأنني أنا من أصنع النجاح أو الفشل.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إياد سليمان
باحث ومفكر سوري
تحميل المزيد