أنا أعيش في ألمانيا.. كيف علَّمتُ أبنائي الصلاة وجعلتهم يحافظون عليها؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/31 الساعة 11:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/31 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش
A Muslim father and daughter are indoors in their living room. They are kneeling on the floor to pray. The girl is wearing a shawl.

ها قد اقتربنا أخيراً، لم أكن أتخيل أن تأتي بمثل هذه السرعة، لماذا يمضي الوقت سريعاً في أوقات سعادتنا؟ نعم إنها الذكرى السابعة لمَقدمه، لا أعلم كيف مضت هذه السنون السبع منذ أنار بمَقدمِه حياتنا.. لقد اقترب ابني الأكبر من إتمام عامه السابع، لقد انتقل أيضاً من مرحلة رياض الأطفال إلى بداية مرحلته الابتدائية، فهو احتفال بمناسبتين؛ أم هم ثلاث؟

نعم إنها ثلاث مناسبات، فابني سيبدأ ومنذ العام أول انتظام له في الصلاة، كان يصلي معنا من وقت لآخر، يصلي ركعة أو ركعتين؛ ليركض بعدها ليكمل لعبه ومرحه، ولم نكن نغصب عليه أن يكمل صلاته، فهو ما زال صغيراً، إنما هو التعود عليها، ومعرفة كنهها،

أما الآن فقد وصلنا أخيراً إلى مرحلة جديدة، مرحلة الأمر بالصلاة.

كنت قد سمعت الكثير من الشكاوى من صديقاتي أن أبناءهم يصلون إلى سن العاشرة ويبدأون في التكاسل عن الصلاة، وفي بعض الأوقات يرفضون القيام بها، وقد شغلني هذا الأمر كثيراً، فمن المهم أن أعلم أولادي الصلاة، ولكن الأهم هو أن أحاول أن أزرع فيهم الحرص عليها، وأن يكون هذا الحرص نابعاً من أنفسهم، لا بسبب إلحاحنا عليهم.

فكرت في الأمر ملياً، وبدأت أفكر في حديث الرسول -عليه أفضل الصلاة- عن تعليم الأطفال للصلاة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع". [رواه أبو داود 494، واللفظ له، والترمذي 407، والدارمي 1431].

لماذا ذكر في الحديث الشريف أن الأمر بالصلاة يبدأ مع سن السابعة، ولكن العقاب على عدم أدائها لا يبدأ إلا في العاشرة من العمر؟!

فكرت في الأمر بشكل مختلف قليلاً، وربطت بين الحديث وبين تحريم الخمر، حرم الله الخمر على مراحل، ولم تحرم من مرة واحدة، ينطبق الأمر نفسه على الصيام، فأنا أدرب أبنائي على الصيام بشكل تدريجي، فلا آمرهم به مرة واحدة، فلماذا لا أطبق نفس الأمر مع الصلاة؟

عرضت الفكرة على زوجي ورحب بها كثيراً، مع إبداء بعض القلق من النتائج، ولكن قررنا في النهاية تجربتها.

المرحلة الأولى

احتفلنا جميعاً بإتمام ابني لأعوامه السبعة، وبعد انتهاء الاحتفال جلست وزوجي معه بمفرده (وهو ما نقوم به سنوياً مع احتفالنا بأي من أبنائنا)، تحدثنا عن متطلبات العمر الجديد، ما يحمله من المتع الجديدة، وما أصبح مسموحاً به الآن مما كان ممنوعاً عليه.

ثم بدأنا نتحدث معه عن الصلاة وأهميتها، والسبب في خلق الله لنا (أتحدث معهم دائماً ولكن بشكل غير مباشر وعن طريق ربط الأحداث اليومية بعباداتنا)، واتفقنا على أن نبدأ ومنذ الآن الحرص على الصلاة.

كانت الفكرة أن نحرص في العام الأول وحتى يبلغ الثامنة من العمر، على التعود على الصلوات الخمس في مواعيدها، وإن اضطر للجمع بين صلاتين استناداً إلى وقت المدرسة ومواعيد الصلوات، المهم هو أن يصلي خمس صلوات في البداية.

نتغاضى كثيراً إن كان قد توضأ أم لا، نتغاضى إن كان قد قرأ السور حقاً أم لا، المهم هو قيامه بالصلاة نفسها.

وفي هذا العام حاولنا أن نزيد من حفظه للسور القصيرة، حفظه للتشهد كاملاً بلا صعوبة، الحديث عن فضل الصلاة وأهميتها بشكل أكبر.

المرحلة الثانية

بدأت المرحلة الثانية مع إتمامه عامه الثامن، فبدأ التركيز على إجادته للوضوء، وأنه لا تقبل الصلاة بلا وضوء، وأن يتعلم ما يبطل الوضوء وما لا يبطله.

أصبح الحرص على إتقان الصلاة أكبر الآن، حرص على أن يقرأ الفاتحة وسورة قصيرة، ولكن لا نلتفت كثيراً إلى حركته الكثيرة أثناء الصلاة، أو متابعة ما حوله.

في هذه المرحلة عاد القلق إلينا قليلاً، وأصبحنا نتساءل هل ما نقوم به هو الصواب؟ هل سنندم في النهاية على تجربة طريقة جديدة في تعلم الصلاة مع أولادنا؟ هل سينتهي بنا الأمر إلى اكتشاف أن طريقة آبائنا هي الأصوب؟

قلق وخوف، ولكن في النهاية قررنا خوض التجربة للنهاية، ففي أسوأ الأحوال سنبدأ معه من البداية بطريقة مختلفة.

المرحلة الثالثة

في هذه المرحلة، أصبح الاهتمام بإتقان الصلاة أكبر، والحرص على عدم التهاون في أدائها، مع لفت انتباهه إذا تحرك أثناء الصلاة، وتوجيهه إذا شعرنا بشروده فيها.

بدأنا نعلمه بعض الأدعية المرتبطة بالصلاة (دعاء استفتاح الصلاة، ودعاء ما بعد التشهد)، وجعله يصلي بأخيه الأصغر كإمام أحياناً، فيحاول أن يتقن صلاته ليكون قدوة لأخيه. نضطر في بعض الأحيان إلى أن نجعله يعيد الصلاة مرة أخرى؛ ليعلم أنه لم يعد هناك مجال للتهاون، مع التأكيد على الوضوء في كل مرة.

لم تكن هذه المرحلة سهلة، فهو قد بدأ بالتمرد قليلاً، يغضب إذا طلبنا منه إعادة الصلاة، ويردد على مسامعنا إنني قد صليت فماذا تريدون أكثر؟ ليكون ردي دائماً أنه حر التصرف، فصلاته لنفسه وليست لي، هو من سيثاب عليها ولست أنا، إن كان يصلي فهو يصلي لله وليس لإرضائي، وواجبي الوحيد هو أن أعلمه كيف يصلي (لا يمنع ذلك أن أطلب منه إعادة الصلاة بلا نقاش في بعض الأوقات).

ربما ما أفادنا قليلاً في هذه المرحلة، أن أخاه الأصغر بدأ في الانتظام بالصلاة أيضاً، ففي كثير من الأحيان يحب أن يأخذ هو دور المبادر للصلاة، كشعور بأن هناك من هو أصغر منه ليمارس معه ما مارسناه نحن.

بدأت أيضاً التفكير في البدائل المناسبة، التي تسمح له بأداء صلاته خارج المنزل، فلا وجود لمسجد قريب، ويعود إلى المنزل بعد أذان العصر (خاصة في الشتاء)، تحدثت مع المشرفة عليه بصراحة، ولقد كانت متفهمة جداً للأمر، فسمحت له باستخدام غرفة للصلاة، وأصبحت تتابع أنه قد صلى بالفعل أثناء قيامهم برحلة ما.

ما أسعدني كثيراً أنه كان سيمضي ليلة في المدرسة للقراءة، ووجدته وبمفرده يذهب للحديث مع مدرسته، إن كانت تسمح له بأداء الصلاة أم لا، ويشرح لها أن هذا الأمر مهم بالنسبة إليه.

ما بعد العاشرة

ها قد مرت ثلاثة أعوام منذ بدايتنا معه، واقتربنا من مرحلة جديدة، مرحلة انتقال من حال إلى حال، انتقال من مجرد الأمر، إلى مرحلة وجوب العقاب إذا لم يمتثل، مرحلة يجب أن يفهم فيها الطفل أن عباداته سيحاسب عليها بمفرده، وسيتحمل نتائجها أيضاً بمفرده، إنها مرحلة العاشرة من العمر.

عام جديد يمضي من عمره الصغير، مسؤولية جديدة تضاف إلى حياته، مرحلة طفولة ناضجة تخطو خطواتها في اتجاه مراهقتها، إحساس بأنه قد بدأ يكبر، فإلى ماذا وصلنا معه في صلاته؟

مما أجده أنه لا يتخلى عن أي صلاة، يصلي الصلوات الخمس جميعها، قد يتكاسل قليلاً ولكنه أصبح أكثر حرصاً عليها، يصليها في بعض الأوقات خارج المنزل أيضاً (الشكر للمشرفة عليه في هذا الأمر، فهي تتابعه كثيراً)، يصلي سنن بعض الصلوات، وأحياناً دون أن نطلب منه، كما حاول في رمضان عامه العاشر أن يجتهد في الصلاة عندما علم مقدار ثوابها.

إلى ماذا وصلنا اليوم؟

لا أنكر أن أبنائي أحياناً لا يصلون، ويحاولون أحياناً إظهار أنهم قد أدوا صلاتهم في حين أنهم لم يفعلوا، إلا أنه وبصفة عامة فهم يحرصون على الصلاة في مواعيدها، وأن يصلوها قبل فوات وقتها.

يتابع بعضهم البعض أحياناً هل صلى أخي بالفعل أم لا، بل قد يتابعون صلاتي ويبدون ملاحظاتهم عليها أحياناً.

بعد مضي 7 سنوات منذ بدايتنا الأولى مع ابننا الأكبر، قد يمكنني القول أخيراً إن تجربتنا الجديدة قد أتت ثمارها، ولم أندم يوماً على اتباعي لها.

تربية الأبناء ليست بالأمر الهين، وتزداد الأمور صعوبة عند تربيتهم في بلاد لا يدين أهلها بالإسلام.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
رواء مصطفى
مهندسة وكاتبة مقيمة بألمانيا
تحميل المزيد