عليك باحتواء نفسك بنفسك!.. ما تعلمتُه من الخسائر التي لحقت بحياتي

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/27 الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/02 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
امرأة حزينة

في حياتي مررت بالعديد من القصص، إلا أن بعضها بقي مخلداً في ذاكرتي، لم يمحُ أثرَها الزمنُ..

حديث صديقي الأخير، ووداعه.. كان سريعاً خافتاً جارحاً ذا كلمات ثقيلة رنانة، لم أستطع خلاله نزع فرصة لحماية أي شيء بداخلي، لم أرغب يوماً في تلك الردود السريعة، ولا الكلمات المختصرة الباردة التي تهتك مشاعر الإنسانية بداخلنا لتُلقيها صريعة وسط صراخ وعويلِ كل ما مررنا به معاً من ذكريات جميلة.. ظللت أعيد الحديث برأسي مراراً، في محاولة لرفضه وعدم الاعتراف به، تمنيت كثيراً ألا يكون الأمر قد حدث فعلاً وأن تعود الأمور لمسارها الطبيعي.. في الحقيقة، لم تعد ولم أعد أنا، ما حدث كان تمامُ معناه أنَّ كل شيء قد انتهي، وأن حبال الأمل لا وصل لها!

لقاء الاعتذار المُخَيِّب للآمال، لم يأتِ كما توقعته، كما أردته، الجُمل التي أعددت نفسي لسماعها وتقبُّلها، لم ينطقها، ولم يُلمِّح بمثلها، لكن من جهتي كان كل شيء جاهزاً.. الجواب، الاعتراف، التشبيهات ونبرة الصوت، ومواضع السكوت.. وإيماءات اليد، واختلاق التفكير.. الأماني الفانية والنظرات الخاطفة والكلمات التي صدئت في فمي.. كل شيء كان جاهزاً، شيء ما فقط كان يجب أن يحدث، شيء ما سيغير مجرى الحدث،  كان عليه فقط أن يسأل!

في الحقيقة، أنا لم أكن الصديق الأوحد لأي شخص، لم أكن الخيار الأول لشخص يحبني، ولم أشعر بأنني الأهم، الفارق في حياة أحد ولو لمرة، كنت دائماً شخصاً عابراً في حياة الجميع.. لا مكان لي في سمائهم.

الذين طرقوا قلبي يوماً دون استئذان لم أكن أحتاج منهم سوى أن أرى نفسي أنني لست مقصِّراً في شيء ليس واجباً عليَّ من الأساس.. أن يضموني في علاقة أتساءل فيها: كيف يرونني بهذا الكمال وأنا تكسوني العيوب؟!

في الوقت الذي هممت فيه باحتضان بعضهم ومداراتهم وطمأنة قلوبهم حين تدعو الحاجة لذلك، حين يرفضهم العالم فيركض حضني الواسع مقبلاً عليهم.. كان من الأوجب على نفسي احتواء ذاتها بدلاً من ابتعاث الغُرباء وتقريبهم هكذا بلا مقدمات ليصيروا -فيما بعد- الأقرب، ثمّ يعودوا تدريجياً ليجلسوا في مقاعدهم الأولى، التي تشبههم وتناسبهم.

لم أكفَّ يوماً عن جلد ذاتي وإرهاقها بعبء ليس لها.. في الوقت الذي كان لديَّ ما أستطيع الحفاظ عليه، أنا وبرغم كسري وأطرافي الحادة، استطعت أن أحتوي الكثير، في الوقت الذي تمنيتُ فيه الحصول على شيء وحيد لتكتمل لديَّ الصورة، لكنها معي لم تكتمل قَط.

ظننت فترةً طويلةً أن الذي يحبّني سيحبني حتى وأنا غارق في ظلامي، ومن سيقف معي ويدعمني سيفعل، حتى وأنا مليء بالندوب النفسية، حتى وأنا عاجزٌ عن حب نفسي، سيفعل رغم كل هذا.. ولكن لم تثبت ظنوني.

‏من ذَا الذي سيجازف بالبقاء الى جانبي كل ليلة وأنا دائم السقوط وذو مزاجٍ متقلبٍ وعصبيةٍ مفرطةٍ وحزن بلا سبب؟! لا أحد يخاطر ويُدخل يده في جُب بئر، كلهم يريدوننا بنسختنا السعيدة، الظلام لنا وحدنا يا صديقي..!

كان عليَّ أن أعي أنّي في طريق طويل، وأن ليس كل من مرّ فيه وجب التقاطه واتخاذه حبيباً ودوداً، ألّا أتعمق بأحد، فوحدي من غرقت. في هذه الحياة عليَّ أن أتعلّم كيف أعيش وحيداً، احتياطياً، فالكثرة حولي لا تنضب.. وأني حتماً سأمرّ باختبارات صبر هائلة، ولن يساعدني فيها أحد!

أدركت حقيقة الخسائر الفادحة التي لحقت بي بعد كل اللحظات التي ظننت فيها متعمِّداً، قاصداً المواساة لنفسي، أنّ ما كان سوف يبقى كما هو دائماً.. أنّ كل المشاعر العالقة التي تصيبني في بداية كل أمر سترافقني حتى النهاية..

تلك اللحظات التي تتسلل فيها البسمة إلى الشفاه كأننا قد أدركنا الخدعة أخيراً، بعد أن استطعنا تجميع كل قطع الأحجية على الشكل الصحيح بعدما نالت ما يكفي من راحتنا وطمأنينتنا الداخلية، ربما أسوأ لحظاتنا تلك التي نكتشف فيها أننا أشخاص عاديون، لا يميزنا شيء ولا يأبه لنا العالم ولا نثير اهتمام أحد، ومؤهلون تماماً للرفض.

أنا أحد الذين انتابهم الحزن من كل صورة أحسنتُ فيها الظن في كل ما ذُكِر أعلاه، فوجدت نفسي أقطف ثمار الخيبة مرة ومرات، كان العزاء الوحيد لنا بعد كل خيبة، وبعد كل حالة فقْد، أن ثمّة شعوراً ما في داخلنا ينضج، ثمة صورة مزيفة بداخلنا تنكسر، ثمة مبادئ اختُبرت وأماكن أصبحت شاغرة.

في النهاية، أدركت أن بعض الأشياء بـ"الصد" تمتلكها، فكان انعدام رغبتي تجاه كل الأشياء التي أدمنتها هو أعظم انتصار لي وكأنني انتصرت لنفسي، تلك التي أرهقتها في معركة اللاشيء..

الذين حدَّثوك أنك تغيرت كثيراً لا يعرفون أنك انتصرت على أوهامك عندما اخترت أن تسلك المنحنى الصحيح، حين استمررت في الهروب من ذاك الشبح الذي تركه إنسان عدواني لا مبالٍ بداخلك، ظناً أنك تهرب من الضجيج إلى العدم، والعدم يفزعك.. لا هدوء في الهدوء كما تظن.

في كل الأمور الفارقة التي أدت إلى النهاية، الكلمات التي لزم قولها، النظرات والهمسات، كل الأمور الفاصلة التي خالفت التوقعات فطرحتني أرضاً، لم أنتظر فيها سوى شيء  واحد، تلك القشة القاصمة صحيح لا أعرف ما هي، لكنها لم تحدث، لم تأتِ، لم يكتمل مُثلثي قَط، ظل غائباً دائماً ذاك الضلع الثالث..

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
منار عبدالله
طالبة جامعية مصرية
تحميل المزيد