حسام أبو البخاري.. أن تعيش فارساً أو تموت كالأسود

تم النشر: 2018/07/26 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/26 الساعة 11:24 بتوقيت غرينتش

بعد وصول الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك للحكم عقب مقتل خلفه محمد أنور السادات، عمل النظام المباركي بجانب قبضته الأمنية الحديدية على تشويه التيار الإسلامي، سواءً السلفي منه أو الإخواني، عن طريق وسائل الإعلام والأعمال السينمائية والدرامية، لتصبح صورة "الإسلامي" لصيقة بأفلام عادل إمام كـ"الإرهابي" و"الإرهاب والكباب" أو كمسلسل "العائلة" أو أعمال درامية ليس المجال لذكرها.

وانطلاقاً من هذه المعطيات، انخدعت وسائل الإعلام بالخدعة التي اخترعتها هي نفسها، فظنت أن الإسلاميين ما هم إلا مجموعة من الرجال بجلابيب بيضاء ولحى طويلة، يغلب على طبعهم الغلظة البلهاء والشدة الغبية وتتمحور حياتهم حول إشباع شهوتي البطن والفرج، لكن ومع حدوث الثورة المصرية خرج علينا شاب مسلم يمثل نموذجاً مناقضاً  للنموذج الإعلامي المشوّه، شاب يعمل طبيباً بشرياً، دارس ومطلع على الفلسفة والديانات الأخرى خصوصاً النصرانية، اسمه حسام أبوالبخاري.

حائط الصد الإسلامي

هكذا لقبه رفيق الرحلة خالد حربي، المعتقل حالياً في مصر بعد الانقلاب العسكري، وهو فعلاً الدور الذي لعبه حسام أبوالبخاري، إذ انطلق الناشط الإسلامي من على منصات "البالتوك" الشهير، حيث يواجه مجموعة من القساوسة والمنصرين من داخل وخارج مصر للرد على الشبهات المثارة حول الإسلام. كان حسام هو "فارس المناظرة" صاحب القضية المدافع عن الإسلام والمسلمين، إذ يحكي حربي موقفاً له مع أبوالبخاري يقول فيه:

"مازلت أذكر حين نجحنا في إقناع أشهر منصّرة وقتها بأن تناظر الدكتور حسام عبر الإنترنت، وكوّنا وقتها فريقاً للإعداد لهذه المناظرة، وحين كنت أنتظره في أحد ميادين القاهرة لموعد مع الشيخ رفاعي سرور -رحمه الله- نزل أبوالبخاري من السيارة قلقاً فحاولت تهدئته ببعض الكلمات فقال لي: "منذ ركبت السيارة وأنا أنظر لجميع المسلمين الذين يمرون أمامي وأقول في نفسي.. أخوض غداً مناظرة بالنيابة عن كل هؤلاء المساكين.. إنهم جميعاً في رقبتي"

أما شهرة حسام أبوالبخاري وظهوره على الفضائيات، حيث تعرّف به الشباب والنشطاء من مختلف التيارات فكانت إبان قضية المسلمات المحتجزات لدى الكنيسة الأرثوذكسية في مصر، وعلى رأسهن كل من كاميليا شحاتة زاخر ووفاء قسطنطين، خصوصاً الأولى وهي زوجة كاهن مسيحي أسلمت، ليتم تسليمها من طرف جهاز أمن الدولة إلى الكنيسة قبيل الثورة بعد أن رفض الأزهر قبول طلب إسلامها، كما أفاد عدد من الشهود.

خلال هذا النقاش لم يناظر حسام أبوالبخاري القساوسة النصارى ولا الإعلام الموجه فقط، بل ناظر الجميع بمن فيهم ممثلون عن الأزهر الشريف "منارة العلم" الذين جاؤوا لمواجهة هذا الناشط الإسلامي الشباب بتهم كالتشدد والتطرف والغلو الإرهاب وعدم الوعي بالواقع؛ لأنه رفض أن تسلم مسلمة إلى الكنيسة لتواجه مصيراً أسود يتأرجح بين الردة أو القتل.

نحن يراد لنا أن نكون تابعين لنخب عسكرية تابعة للغرب

بعيد قضية كاميليا شحاتة بأشهر قليلة اندلعت الثورة المصرية التي أعطت بريق الأمل للمصريين بل وللعرب والمسلمين، على اعتبار أن مصر هي قلب العالم العربي والإسلامي النابض، وكان حسام أبوالبخاري أحد فرسان الثورة وأبرز ناشط إسلامي شاب، متميزاً بوعيه الكبير ونظرته الموضوعية للواقع في الوقت الذي كان التيار السلفي متبوعاً بعدد من المواقف المخزية لبعض قياداته، إذ اعتبر عدد من السلفيين أن الخروج على مبارك أمر غير شرعي، وهو الموقف الذي تبنته الدعوة السلفية في الإسكندرية التي أسست لاحقاً حزب النور، الخنجر الذي طعن الإسلاميين خلال وبعد الثورة.

ورغم دخوله في مناظرات عديدة في مواضيع مهمة جداً كهوية الدولة الإسلامية وضرورة تحكيم الشريعة، فإن حسام أبوالبخاري ظل يؤكد في كل مرة على ضرورة إكمال مراحل الثورة المصرية لأن عزل مبارك يوم 11 فبراير 2011 أطاح برأس النظام وليس النظام القائم على قواعد عسكرية متينة، محذراً في كل مرة من عودة العسكر إلى الحكم بشكل مباشر على الدبابات وعودة شباب الثورة بجميع التيارات إلى السجون والمعتقلات، في نفس الوقت التي كانت تيارات ليبرالية وعلمانية تتشدق بالحرية تدعو العسكر إلى الخروج من الثكنات وإعلان الانقلاب على الدكتور محمد مرسي، الرئيس المعزول يوم 30 يونيو 2013.

كان حسام أبوالبخاري يشبه نجاح الثورة بالانعتاق من قيد الأسر داخل حجرة تقع داخل منزل، فالأسر فكّ ولكن السجين لازال في الغرفة ولم يخرج بعد من المنزل، فالغرفة هي النظام المباركي القائم، والمنزل هو النظام العالمي، ولا يمكن الانعتاق من كل هذا دون إنهاء السيطرة الأميركية على بلاد المسلمين، كما أنه لا يمكن الانعتاق من هذه السيطرة دون العودة إلى أسس الشريعة والحضارة الإسلامية، وهو ما يعبر عنه من خلال "بايو" حسابه على موقع تويتر، إذ كتب الدكتور حسام: "سنغير التاريخ ونزلزل الجغرافيا ونردم الزمن! سنعلو بالذات الإسلامية ونستعلي بالأنا الحضارية ونحقق الحرية الإنسانية".

وخلال الفترة القصيرة التي حكم فيها الإخوان المسلمون مصر (ولو صورياً) عارض حسام أبوالبخاري سياسات الجماعة الاقتصادية والاجتماعية ومنهجها "الإصلاحي" الذي لا يصلح لعيش اللحظة الثورية، لكنه كان أحد ركائز ميدان رابعة العدوية الذي تظاهر ضد الانقلاب العسكري، منتقداً موقف التيارات الإسلامية التي آثرت السلامة واختلفت ردات فعلها ما بين "لو تكلمت لأوجعت" أو "السيسي رجل المرحلة ونحن نعيش في فتنة تهدد المشروع الإسلامي"، ليدفع ثمن ذلك باعتقال درامي أصيب خلاله برصاصة على مستوى الفك، ويبلغ عنه الطبيب الذي كان مطالباً بعلاجه لينتهي المشهد بسوداوية قاتمة.

أما حسام أبوالبخاري فلا بواكي له

هكذا عنون "علي فريد" في مقال له حول اعتقال الناشط الإسلامي، فأبوالبخاري الذي حضر في جميع الميادين داعماً جميع المظلومين من جميع التيارات سواءً كانت إسلامية وغير ذلك، كان بعد اعتقاله آخر المذكورين وآخر مَنْ تحسّر على خسارتهم؛ لأنه ببساطة كان يبحث عن حرية حقيقة للإنسان، حرية الانعتاق من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد جل في علاه، فأبوالبخاري لم يكن من المطالبين بحرية تعرية المرأة والإفطار العلني في رمضان والتحرر من كتب التراث الإسلامي إلى سعة "الديمقراطية"، لذلك لم تتحدث عنه الجمعيات الحقوقية الدولة ولا المحلية، وأجمع خصومه من المؤيدين للسيسي والمعارضين له -قالوها أم كتموها في صدورهم- على أن المكان الطبيعي لأبوالبخاري هو السجن بتهمة استفزاز وعي الناس.

وبشكل صوري طبعاً، حُكم على حسام أبوالبخاري بالحبس لمدة 10 سنوات بتهم يخجل مَنْ لفّقها له أن يبررها أو يشرحها، ليطل على أسرته والمهتمين بأخباره بمجموعة رسائل خرجت من السجن أكد في إحداها أنه لا يطالب بالخروج من زنزانته الضيقة القذرة ولكنه يرغب فقط في استكمال دراساته العليا، فهو يدرك جيداً أن النظام قبض عليه حماية لنفسه ومجاملة للتيارات العلمانية التي كان في حاجة إلى دعمها في أولى خطوات إعادة بسط السيطرة على مصر.

وفي الختام أود الإشارة إلى أنني لم أكتب هذه السطور إلا لتذكير الناس بالدكتور القابع وراء قضبان دولة يحكمها أهبل مجرم تورط في دماء الآلاف من المسلمين لعل دعوة في هذه الأيام المباركة تشق ظلام زنزانته، وثانياً للتأكيد على أننا وإن كنا نعيش في زمن العمرو خالد وعدنان إبراهيم والعفاسي ومحمد حسان والسديس وآخرين، إلا أن هذه الأمة التي لا تجتمع على ضلال قادرة على إخراج نماذج حقيقية تمتلك بوصلة واضحة للحق، حسام أبوالبخاري -فك الله أسره- أحد هذه النماذج بوضوح.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
المهدي الزايداوي
صحفي مغربي
تحميل المزيد