منذ أيام قلائل فُجعتُ بنبأ وفاة أحد الزملاء الذين أعرفهم جيداً. كان شاباً لم يُكمل الأربعين من العمر، تساءلت بحزن شديد غالبه الفضول: ما سبب الوفاة؟ هل هو حادث؟ أم ماذا؟! فكانت الإجابة: الوفاة كانت طبيعية حيث توفي في هدوء ورحل أثناء نومه.
كان هذا الزميل رحمه الله يعاني من السمنة المفرطة ومن مرض السكري الذي لازمه لفترة طويلة من عمره. بجانب أنه كان مدخناً شرهاً.
هذا الحادث وإن لم يكن الأخير في فجأته بالفترة الأخيرة، فقد انتشر موت الفجأة بين الشباب بشكل كبير في الآونة الأخيرة، إلا أنه فتح الباب أمام تساؤلات عدة.
عادةً التشخيص المبدئي لمثل هذه الحالات يكون "سكتة قلبية" مفاجئة، وفي أوقات قليلة تكون "سكتة دماغية Stroke".
في الآونة الأخيرة حاول العلماء صياغة مفهوم علمي للأمر وجعل أسبابه علمية منطقية عن طريق العديد من التجارب والبحوث، حتى توصلوا لما اصطلح على تسميته "متلازمة الأيض" Metabolic Syndrome.
السؤال الآن: ما متلازمة الأيض Metabolic Syndrome؟ وما الرابط المباشر بينها وبين موت الفجأة عن طريق السكتات القلبية والدماغية دون أدنى مقدمات؟
تم تعريف متلازمة الأيض MS لأول مرة منذ ما يقرب من 20 عاماً، وكانت في البداية تُعرف بأنها المتلازمة المجهولة Syndrome X، حيث كان العلماء في البداية لا يلمّون بكل جوانبها وأسبابها، أخذت هذه المتلازمة في الانتشار بشكل كبير حول العالم بأسره حتى أن العلماء وصفوا سرعة انتشارها بأنها مثل نزلات البرد.
في واقع الأمر هناك العديد من الأشخاص مصابون بهذه المتلازمة دون أن يعرفوا كثيراً عنها. لذا ما طبيعة هذه المتلازمة التي أخذت الاسم الغامض Syndrome X ولماذا يجب علينا القلق حيالها؟
يعرف العلماء متلازمة الأيض Metabolic Syndrome على أنها مجموعة من العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والعديد من المشاكل الصحية الأخرى مثل داء السكري Diabetes والسكتة الدماغية Stoke.
عند تفسير المصطلح Metabolic Syndrome سوف نجد أن الكلمة الأولى Metabolic تعني التمثيل الغذائي، وهو عبارة عن العمليات الكيميائية الحيوية المختلفة التي تتم داخل جسم الإنسان، وبحدوث خلل في عمليات التمثيل الغذائي بالجسم لأي سبب ما تصبح متلازمة خطرة على الفرد وتجعله معرضاً للإصابة بمشاكل صحية عديدة وبشكل مفاجئ وقد تصل إلى الوفاة المفاجئة.
المظاهر الخطرة في عمليات التمثيل الغذائي "الأيض"
هناك خمسة مظاهر أو عوامل قد تتواجد منفردة أو يجتمع بعضها لدى الفرد، ولكن بشكل عام فإنه -حسب توصيف العلماء- إذا اجتمع ثلاثة عوامل منها عند الشخص فإنه يوصف على أنه من أصحاب متلازمة الأيض Metabolic Syndrome وعليه فإنه عرضة في أي وقت أن يصاب بأي مشاكل صحية جسيمة وقد تصل إلى الموت المفاجئ.
هذه العوامل هي:
1- البدانة Obesity أو زيادة كم الدهون المترسبة في منطقة البطن والخصر، وقد لوحظ أنه بزيادة تراكم الدهون في منطقة المعدة والأحشاء تحديداً، فإن الشخص يصبح أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب عن غيره مقارنةً ممن يترسب عنده الدهن في مناطق أخرى كالأرداف والفخذين مثلاً. وعليه فإنه إذا زاد محيط الخصر على 40 بوصة في الرجال أو 35 بوصة في السيدات فهذا مؤشر يدعو للقلق.
2- زيادة تركيز الجلسريدات الثلاثية Triglyceride في الدم عن 150 mg/dl، وهو عبارة عن أحد مكونات الدهون بالدم.
3- انخفاض نسبة High Density Lipoprotein (HDL) بالدم، في الرجال ينخفض عن 40 mg/dl وفي السيدات ينخفض عن 50 mg/dl، وهو ما يعرف بالكولسترول الجيد وله دور كبير في تخليص شرايين القلب "التاجية" من ترسب الكولسترول عليها، ما يقي من خطورة الإصابة بالنوبات القلبية.
4- ارتفاع ضغط الدم.. وفي حالة ثباته لفترة طويلة مرتفع يجب استشارة طبيب حتى لا يؤثر على القلب بالسلب.
وعلمياً فإن ضغط الدم القياسي يكون 120/80 mm Hg، فإذا زاد على 135/85 mm Hg فإنه يعتبر في هذه الحالة مرتفعاً.
5- ارتفاع تركيز السكر بالدم عند الصيام فيما يزيد على 100 mg/dl ولفترات طويلة فإنه يكون مؤشراً مبدئياً لإصابة الفرد بمرض السكري.
تزداد خطورة إصابة الفرد بأمراض القلب المفاجئة Heart Diseases أو السكتة الدماغية Stroke أو مرض السكري Diabetes كلما تجمع أكثر من عامل من الخمس السابقين، بشكل آخر زادت العوامل على اثنين كانت هناك خطورة كبيرة على حياة الفرد، وكان هناك خطورة من إصابته بالموت المفاجئ.
– أكثر العوامل خطورة تتمثل في زيادة الوزن بشكل مفرط وتكوّن "الكرش" مع قلة النشاط البدني المبذول.
– المقاومة للأنسولين.. وهي حالة تظهر عرضياً عند بعض الأفراد وفيها لا يستخدم الجسم الإنسولين بشكل فعّال في تخزين السكر إلى طاقة بالجسم، ما ينعكس على مستوى السكر بالدم الذي يكون مرتفعاً دائماً حتى في الصيام. عادةً يكون هذا العرض مرتبطاً بالسمنة المفرطة أيضاً.
– الوراثة وتاريخ العائلة المرضي يؤثر بشكل كبير على قابلية بعض الأفراد للإصابة بمرض السكري، وقابلية الأفراد للزيادة الوزنية المفرطة "السمنة".
– بتقدم العمر تزيد احتمالية إصابة الأفراد بمتلازمة الأيض MS.
نظرة عامة
– متلازمة الأيض Metabolic Syndrome أصبحت منتشرة بشكل كبير عالمياً، وذلك بسبب زيادة معدلات البدانة والسمنة بين المراهقين والبالغين في العالم، ما يزيد معها من حالات الموت المفاجئ بين الشباب.
– بالإضافة إلى العوامل الخمس سابقة الذكر فإنه في المستقبل القريب قد يتم إدراج التدخين باعتباره أحد العوامل التي تؤدي إلى الإصابة بمتلازمة الأيض MS وذلك للتأثير السلبي للتدخين على القلب.
الوقاية
– هذه المتلازمة من الممكن جداً أن يتم السيطرة عليها، لذا غيِّر نمط حياتك إلى الأفضل من خلال:
1- ابتعد عن الأكل غير الصحي والوجبات السريعة المحملة بالدهون المشبعة غير الصحية، واعتمد في أكلك على المزيد من الخضراوات والفواكه الطازجة، بجانب الطعام المنزلي الصحي المتوازن والمتكامل.
2- احرص على ممارسة الرياضة بشكل مستمر حتى وإن كانت رياضة السير يومياً لفترة من الوقت.
3- لا تفرط في تناول السكريات والحلويات والوجبات الدسمة عالية الدهن، وإن حدث وتأكدت من إصابتك بداء السكري يجب استشارة طبيب وتقبل الأمر ومتابعة العلاج بانتظام.
4- إذا كنت مدخناً فما زالت هناك الفرصة سانحة أمامك لتربح نفسك وصحتك وتقلل من خطورة إصابتك بالعديد من الأمراض، وتذكر دائماً أن صحتك ليست لك وحدك وإنما هناك عائلتك أيضاً التي تتأثر بها بشكل مباشر.
أسماء أخرى لمتلازمة الأيض Metabolic Syndrome:
- Dysmetabolic syndrome
- Hypertriglyceridemic waist
- Insulin resistance syndrome
- Obesity syndrome
- Syndrome X
المصادر:
– المعهد القومي الأميركي لأمراض القلب والرئة والدم
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.