قبل أن تشمئزي منه أو تطلبي الانفصال.. هذه الأسباب هي التي تُجبر زوجك على إدمان الأفلام الإباحية

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/25 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/26 الساعة 09:12 بتوقيت غرينتش
Young couple having a problem. Guy is sitting on bed and looking sadly away, his girlfriend in the background

 

أنا: اتفقنا في الجلسة السابقة على أن تكوني أنت اليد الحانية التي سنتتشل الزوج من مستنقع الإباحية، وأن هذا لن يحدث دون أن تهدئي من داخلك وتتبنَّي مفاهيم جديدة لخلق قناعات جديدة، وتطرقنا كذلك إلى كيفية تطبيق ذلك في بعض نقاط، هل نفذّتِ ما اتفقنا عليه؟

هي: أحياناً أستطيع، وكثيراً لا، فأنا أعيش في صراعات نفسية، وكل ما يؤرقني ويخلق بداخلي شعور الانتقام وعدم رغبتي في الحل، سؤال يلحّ عليّ: لماذا وجب عليّ أن أتحمل كل هذه الصراعات؟ وهل لو تبادلنا الأدوار كانت ردة فعله بنفس الطريقة؟ هل ستطلبين منه ما تطلبينه منّي؟

أنا: أولاً في رأيي على المرأة أن تتحمل الرجل؛ لأنها المرأة، ولأنها المرأة تستطيع حل أي معضلة لو أرادت ولو لم تستسلم للضغوط والإحباطات التي يفرضها الزمان والمجتمع، ولكن تَحَمّل مع وضع خطة لإصلاح الوضع للطريقة التي تناسبها، وليس تحمّلاً من باب الضعف أو القهر، أو من أجل مجتمع أو أشخاص، طبعاً مع وجود شرط أن الرجل ما زال يكنّ لها المودة والرحمة، وهي كذلك، وذلك لأن ذكاءها الفطري يساعدها على ذلك، فأنتِ يا صديقتي تستطيعين أن تحطمي جبالاً من التحديات إذا عدتِ إلى فطرتكِ.

هي: إذن لم تجاوبيني على سؤالي من أين لي أن أستمد طاقة الاستكمال في الحل وأنا مليئة منه بكل هذا الضيق والاشمئزاز والاحتقار؟

أنا: لم يُسمع صديقتي أبداً أن معالجاً للإدمان اشمأز من حالة مريض برغم أنه لا يخصه ولا قريب منه، فهو لم ينظر أبداً للفعل المشين، أو أن المدمن هو مَن رمى نفسه في التهلكة، برغم أن هذا الموضوع قُتل بحثاً، وكان قبل الإدمان يعرف ما سيؤول إليه، بل إنه نظر إليه كحالة مرضية تعيش أزمة حقيقية، ولا بد من تخطّي الأزمة.

فلتأخذِي صديقتي روح هذا المعالج، واستوحي منه خطة العلاج التي لا يُوضع حل بديل غير العلاج فيها.

هي: ولكن الخطة مبنية على إرادة المدمن إن ثبت أن مشاهدي هذه المواقع مدمنون، وأنا لا أوافقك.

أنا: نعم أتفق معكِ على أنها مبنية على إرادة الشخص، ولذلك قلتُ لكِ كوني له اليد الحانية التي تنتشله من هذا المستنقع، وهيِّئي عقله الباطن لاستقبال ما تريدين إيصاله له.

أما عن أنك ترفضين فكرة أن هذه المواقع مادة للإدمان، فدعيني أستفيض لكِ في الشرح والدراسات التي تمت منذ عشرات السنين، وما زالت مستمرة على مئات المتطوعين في الغرب؛ لأنهم يعلمون جيداً خطورة ما تحمله تلك المستنقعات من أمراض قاتلة للشخص والمجتمع، علّك تجدين إجابتك فيها أنت ومن يريد الخروج من هذا المأزق.

نحن يا سيدتي نملك شيئاً في المخ يُدعى (مركز المكافأة)، يدفعنا للبحث عن الأشياء التي تزيد من فُرص بقائنا مستمتعين كالطعام والحب والجنس والتجديد المستمر، ولكي يقوم هذا المركز بدفعنا لهذه الأشياء فإنه يستخدم نظامَين مختلفَين؛ نظاماً مسؤولاً عن الإثارة، ونظاماً مسؤولاً عن الإشباع.

النظام الأول يحثنا على البحث عن الأشياء الممتعة ويستخدم هرمون (الدوبامين) بشكل كبير، أما النظام الثاني فيجعلنا نشعر بالإشباع والسعادة بعد تحقيق شيء معين، وهذا النظام يعمل بواسطة (الإندورفينات).

أما المواد الإباحية فتقوم بتنشيط النظامين، ولكن تقوم بتنشيط نظام الإثارة بشكل مفرط لا يتناسب مع نظام الإشباع، فتقع مشاهد الإباحية في دائرة مغلقة، وذلك لتكون دورة مظلمة؛ لأنه كلما زاد التعود على خلق كمية كبيرة من الدوبامين يحتاج الإنسان لكمية أكبر من الإندروفين لتحقيق الإشباع، وبالتالي يزيد البحث عن مواد أكثر إثارة، وهلمّ جراً، ومن هنا بداية السلوك الإدماني.

وعندما قام الباحثون في جامعة كامبريدج بفحص أدمغة الأشخاص المعتادين على مشاهدة هذه المواقع، ومقارنتها بأدمغة أشخاص لا يتعرضون لذلك، وجدوا أن شكل الدماغ مختلف، وأن مركز المكافأة يظهر نشاطاً أقل من الفئة الثانية، وهذا ما يبرر تبلّد الإحساس لدى الفئة الأولى للمثيرات الطبيعية، ووصول هؤلاء إلى ميول جديدة تخالف الفطرة (الشذوذ)، ووجدوا أيضاً أن أدمغة الفئة الأولى تضيء بنفس الطريقة التي تضيء بها أدمغة مدمني المخدرات، وبالدراسة أيضاً وجدوا أن معظم مدمني هذه المواقع فقدوا وظائفهم بسبب فقد تركيزهم، وعلاقتهم أصبحت سيئة جداً بمن حولهم، وأصبح بعضهم أكثر ميلاً للانتحار.

وهناك قاتل حُكم عليه بالسجن مدى الحياة يدعى تيد باندي اعتقل في فلوريدا، اعترف بقتل واغتصاب أكثر من 30 امرأة وفتاة، وبعد عشر سنين من الحكم عليه وجه رسالة إلى العالم مفادها: أنه وُلد في بيت صحي تماماً وتربّى بين أب وأم و4 إخوة رائعين، ولكن كان هناك عدو مدمر يعمل في عقله في صمت، ودون أن يشعر أهله بذلك، وهي تلك المواقع، ويقول: إن ما حدث منه لم يحدث في يوم وليلة، ولكنها تراكمات إلى أن وصل لتلك الحالة، وأجزم أن من حوله من المتهمين في قضايا عنف ضد المرأة والأطفال جميعهم تعرضوا لتلك المواقع بإفراط شديد دون أي استثناء لواحد منهم.

ووجد باحثون هولنديون أن المواد الإباحية تمتلك أكبر قوة إدمانية مقارنة بباقي النشاطات الإدمانية على الإنترنت، بينما تأتي الألعاب في المرتبة الثانية.

ووجد الباحثون أيضاً أنه عندما تم تعريض مجموعة من الفئران للاختيار بين ماء محلّى بالسكر وماء به كوكايين، قرابة 95% منهم فضّلوا الماء المحلّى بالسكر؛ مما يثبت أن تأثير إدمان المواد الطبيعية التي تسبب السعادة أكثر بكثير من إدمان المخدرات.

أعلم أن فكرة إدمان هذه المواقع فكرة مستغربة من الكثير، فبرغم أنهم يوقنون جميعاً أنها منافية للدين والأخلاق، لكنهم يصرون على أنها تعوّد وليست إدماناً.

وأنا لا أنكر أنها في البداية كانت تعوّداً، ولكن بحسب التعريف الجديد للجمعية الأميركية لطب الإدمان لعام 2011 أن الإدمان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتعود، فالاستخدام المستمر للمخدرات أو السلوكيات (كالقمار والسلوكيات الجنسية الخاطئة) التى تقوم بتغيير المزاج رغم عواقبها السلبية، يؤثر على دوائر المخ؛ فتقوم بخلق رابط بين ما يصل بها إلى المتعة وبين تكرار الفعل، فالطعام والسلوكيات الجنسية والقمار تشعر المخ بالسعادة فيصر على تكرار الأمر إلى أن يصل إلى الإدمان، ويصل بالشخص لفعل الشيء رغماً عنه.

وذلك ما أثبتته دراسة عام 2004 أن الرجال الذين قاموا باستخدام المواد الإباحية يعانون من عدم التحكم في رغبتهم الملحّة للدخول إلى تلك المواقع.

هي: لم أكن أتخيل أبداً أن الوضع بهذا الشكل المرضي، وفعلاً أصبح بداخلي حماس أن أعالج هذه المشكلة.

أنا: وأظن أن أمر الطلاق بسبب هذه المسألة لا يصح ما دام لم يصل الوضع للخطير عليكِ بسبب هذه المشكلة.

أما الآن صديقتي أصبح أمامنا التحدي الأكبر لإقناعه أنه مرض حقيقي حتى لو لم توجد دراسة مثبتة بأنه في حد ذاته مرض حقيقي، ولكنه نتج عنه أمراض نفسية بالاستمرار فيها سيكون هناك صعوبة في علاجها.

وأخيراً هذه السلسلة من الجلسات وما تحويها من حلول منطقية ليست مقتصرة في التطبيق على النساء فقط، ولكنها أيضاً قابلة للتطبيق على الرجال الذين يعانون من نفس المشكلة.

والحلول طُبقت، ورأينا نتائجها المبهرة، بفضل الله، أنا وكل مَن في حملة التوعية ضد الإباحية. فأرجوكِ وأرجو كل مَن يقرأ هذه الجلسات أن يستوعب حجم المشكلة ومدى تأثيرها على المجتمع العربي وأخلاقه وجرائمه، وعدم الالتفات لسفاسف الأمور، فأنا لم أسمع أبداً عن أمة قادت العالم وهي تترك المرض يستشري بحجة أنه ما دام لم يظهر بشكل واضح لمَ نعالجه؟ مع العلم أنه ظهر وتفشّى وظهرت معالمه في الجرائم، وعدم الحياء الذي فقدنا منه الكثير جداً.

وأراكم الأسبوع القادم في مقال جديد، يجعلنا سند لبعضنا البعض في دنيا مليئة بالأعباء.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
آمال عطية
كاتبة ومحاضرة فى تنمية الذات والعلاقات الاسرية
تحميل المزيد