إذا كان المثل الشعبي الشهير يقول: "الرجل تدبّ مكان ما تحبّ"، فإن أول دبة قدم لمن يزور مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة لا بد أن تكون على أرض متحف الشاعر الكبير الراحل محمود درويش، الذي يقدم صورة مصغرة عن حياة الرجل.
لا يكتسب المتحف قيمته الفنية مما يعرضه من مقتنيات وأدوات خاصة بالشاعر درويش، بل كذلك من أنه يقف كرئة ثقافية هامة لفلسطين بكل مكوناتها، وربط الشعب الفلسطيني بتاريخه وتراثه، إضافة إلى كونه فتح آفاقاً جديدة ورحبة للكتاب والمبدعين ليس فقط على مستوى الوطن المحتل بل امتد دوره إلى الشتات الفلسطيني لربط الفلسطينيين بمختلف أماكن تواجدهم مع المشهد الثقافي والوطني عبر تنسيق زياراتهم إلى الأراضي الفلسطينية من أجل تقديم إبداعاتهم وأفكارهم وأعمالهم الفنية والأدبية إلى جمهور الثقافة في فلسطين.
أجمل شيء يجذب الزائر حينما يسير في أروقة المتحف، هو مشاهدة المقتنيات الخاصة بالراحل درويش، ومكتبته الضخمة التي تضم مؤلفاته ودواوينه الشعرية ومئات الكتب الأدبية، والمخطوطات التراثية، والجوائز والأوسمة، ومخطوطة إعلان الاستقلال التي خطها الراحل بيده، وكل ما ترجم عنه إلى اللغات الأجنبية، إضافة إلى عشرات الصور التي تؤرخ لمراحل حياة الرجل منذ ولادته بمارس 1941 حتى وفاته في أغسطس 2008 في الولايات المتحدة إثر خضوعه لعملية جراحية للقلب.
ما إن ينتهي المتجول من مشاهدة مقتنيات شاعر الجرح الفلسطيني الخاصة، حتى تختلج في نفسه رغبة جامحة لمشاهدة ضريح الشاعر الكبير، إضافة إلى الصعود لخشبة المسرح الخارجي الذي تم إلحاقه بالمتحف كي يتم استخدامه في عرض بعض الأمسيات الفنية والثقافية.
ولإثبات التقدير والاحترام للأدب والثقافة، فقد تم تصميم المتحف على شكل كتاب مفتوح، ممثلاً بمبنيين كبيرين ينحنيان احتراماً لروح الشاعر الراحل الذي يعتبر أحد أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والمقاومة والوطن، إضافة إلى مساهمته الكبيرة بتطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه.
يعمل المتحف على تعزيز الانتماء للوطن والقضية، من خلال تفعيل التراث الفلسطيني في البناء، حيث تم استخدام الحجر القديم الذي يشبه ذلك المستخدم في بناء السلاسل الحجرية التي تحيط بكروم فلسطين وحقول الزيتون.
وتتوزع في أرجاء المتحف المقام على مساحة 9 آلاف متر مربع مجموعة مختارة من النباتات والورود من كل مدينة في فلسطين، بالإضافة إلى أنه يشتمل على عدد من الزوايا التي خصصت للجمهور، أولها زاوية المنبر الحر: وهي مساحة خصصت لدعم حرية التعبير عن الرأي يستطيع أيا من الزوار استخدامها للتعبير عن أفكاره وآرائه بكل حرية.
هناك أيضاً زاوية المسرح المفتوح، وهي عبارة عن فضاء خارجي يتسع لخمسمائة متفرج، مصمم على الطريقة الرومانية القديمة وتستخدم في الأمسيات الثقافية والفنية الصيفية، بالإضافة إلى الزاوية الثالثة التي هي عبارة عن قاعة الجليل التي تنظم فيها معظم الأمسيات الثقافية ومعارض الفنون على مدار العام.
القائمون على المتحف يؤكدون أن إقامته على هذا الاعتبار والفخامة جاء اعترافاً بالدور الكبير والمميز للشاعر محمود درويش في إثراء الحياة الثقافية في فلسطين، مشيرين إلى أن المتحف يسعى إلى تسليط الضوء على مسيرة الشاعر درويش المرتبطة ارتباطاً عضوياً بالرواية الفلسطينية، وتعبر عن مسيرة العمل الوطني الفلسطيني منذ النكبة عام 1948 إلى أفق التحرر على المستويين الشعبي والسياسي الملتحمين في المشروع الإبداعي للشاعر.
ويعمل المتحف على عدد من المشاريع التي لاقت نجاحاً كبيراً عند الجمهور مثل مشروع "مبدع في حضرة درويش" الذي يهدف إلى إعادة فلسطين إلى واجهة المشهد الثقافي العربي ووضع حد لاختزال فلسطين فيما تعرضه التقارير التلفزيونية. كما أتاح المتحف لجمهور الثقافة وللكتاب الجدد في فلسطين فرصة الالتقاء بكتابهم المفضلين والاطلاع عن قرب على تجارب هؤلاء المبدعين الذين كرسوا وقت زياراتهم للقاء جمهورهم والاطلاع على ما يجري من ممارسات عنصرية من قبل قوات الاحتلال على الأرض الفلسطينية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.