فقراء ومرضى.. من يطالب بحقوق شعوبنا العربية؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/23 الساعة 12:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/23 الساعة 14:51 بتوقيت غرينتش
Hurghada, Egypt - Summer 2002: Typical scene on the streets of Hurghada, Egypt. An Egyptian is sitting on the chair in very cool pose, looking away, in front of the empty cafeteria in the afternoon. He is wearing a traditional men's clothing galabeya. Street cleaning trolley is in front of him. Poor man is sitting in the distance. The part of Egyptian oriantal shop is also visible in the right up corner of the photograph.

لا أعرف كيف تكون الحياة في أوروبا أو أميركا، لكنني أعرف كيف تكون الحياة في بلادي العربية التي أكاد أجزم أنها تتشابه إلى حد كبير مع جميع الدول العربية بشكل خاص ودول العالم الثالث بشكل عام.

لن أبدأ وصف الحياة في بلدي فلسطين بتلك القصص التي ملل منها إخواننا العرب! والتي تتحدث عن الاحتلال ومعاناة الفلسطينيين من قتل واعتقال وتنكيل وإذلال يومي.

بل سأحاول أن أبتعد عن هذه الأحاديث لأكون أكثر قرباً في الوصف للحال العربي في العموم، علماً بأن العالم العربي أصلاً أصبح قريباً من الحال الفلسطيني من الناحية الأمنية خارجياً وداخلياً.

إن الفرد العربي أصبح يتمتع بصفات وسلوكيات غريبة جداً تطفو بشكل واضح على سطح المجتمع إلى أن أصبحت حالة عامة منتشرة وإلى أن أصبح لها أثر كبير في صنع وصياغة سياسات الحكومات العربية.

فكيف تنشأ هذه السلوكيات والصفات، كيف تتطور، كيف تنتشر، كيف تصل لدرجة التعميم وفي النهاية كيف تستغلها الحكومات والأنظمة لتؤثر على الحياة الطبيعية داخل المجتمع سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ودينياً؟!

كيف تنشأ؟!

لعل أغلب الأسباب التي سأذكرها ستكون قد تكررت كثيراً على مسامعك في كل مكان وكل محطة تلفزيونية، لكن لا مَفّر من ذكرها مرة أخرى مع أن التكرار قد يخلو من الاستنباط الإبداعي لأسباب جديدة، ولكن للأسف هذا هو الحال العربي. الفقر، الأمية، الصحة.. تلك هي الأسباب التي نعهدها منذ القدم.

كيف تتطور؟

إنّ الأسباب الحديثة من وجهة نظري نتجت عن الأسباب العامة التي ذكرتها الفقر والتعليم والصحة، وقد تكون هذه الأسباب الحديثة تنحصر في الكسل أو الخمول، الخوف، التقليد، الاهتمام بقشور الأمور وليس بمضمونها وغيرها من أسباب قد تطورت ولكن لا أجد مسمى مناسب لألخصها فيه.

إن أول حالة وسلوك وصفة أصبح المجتمع العربي يتميز بها هي ظاهرة التهرب من المدارس، تلك الظاهرة التي تتبع ويتبع لها سبب الفقر في عالمنا العربي، فإن انتشار الفقر يعني عدم القدرة على الاهتمام بالأطفال ومتابعتهم دراسياً بسبب انشغال الوالدين بجمع قوت يومهم الذي قد يكلفهم 12 ساعة عمل في اليوم، وإن انتشار الفقر قد يمنع الأسرة أصلاً من إرسال أبنائهم الى المدارس الأساسية أو الثانوية أو استكمال تعليمهم الجامعي، وفي حالة عدم استكمال التعليم الجامعي فإن هذا يعني بقاء المستوى الاقتصادي لهذه الأسرة في مكانه ليتوارثه الأبناء.

ومن ضمن الحالات والسلوكيات والصفات الأخرى التي يتميز بها عالمنا العربي أيضاً ظاهرة التنمر.

التنمر على المرأة، التنمر على الفقير، التنمر على من هو أدنى مستوى اقتصادي، التنمر على العامل، التنمر على ذوي الاحتياجات الخاصة، خصوصاً المصابين بمرض التوحد.

فقد تكون هناك نساءٌ ضعيفات أو رقيقات لا يعرفن حقوقهنّ، فيتم قضم حقوقهنّ في مقاضاة راتب متساوٍ مع الذكور يكون بناءً على معايير متساوية أو على الأقل متوافق عليه أيضاً بناءً على معايير منطقية.

وقد يكون هناك أحد الفقراء قد احتاج أحد المسؤولين يطلب منه خدمة أو مساعدة، علماً بأن الفكرة المنطقية التي يجب أن تسود في هذه الحالة هي أن هذا المسؤول هو فعلاً المسؤول عن هذه الحالة ولذلك سُمي مسؤولاً، ولكن للأسف أصبحت الفكرة الظاهرة والمنتشرة في المجتمع هي أن هذا المسؤول قد ساعد ذلك الفقير، ويتم البدء بكيل المديح والتبجيل للمسؤول.

بل لا أبالغ بأن الوضع سيصل لمرحلة ذرف الدموع على طيبة هذا المسؤول وعطفه، وليس على فقر هذا الفقير المسكين الذي أذل نفسه وطلب ما لا يجب أن يطلبه بل ما يجب أن يأخذه دون طلب، بل وتبدأ الأغاني الوطنية في تمجيد هذا الموقف الإنساني، وتبدأ مواقع التواصل الاجتماعي بسرد هذا الخبر على أنه خبرٌ يحصل للمرة الثانية فقط بعدما كانت المرة الاولى حصلت مع سيدنا أبي بكر الصديق، وتبدأ عائلة هذا المسؤول شيباً وشباباً ذكوراً وإناثاً الذين بالطبع أصبحوا أيضاً مسؤولين، يبدأون بالمشي مرفعوي الرؤوس يتلقون التهاني والتحيات من عامة الناس على جمال وروعة وعطف هذا المسؤول.

هذه هي صفة التنمر التي تتعدد أشكالها في عالمنا العربي والتي أظن أن سببها الرئيسي هو أيضاً الفقر ومعه التعليم، فلو كان التعليم قد انتشر حقاً لكان هذا الفقير قد عرَفَ حقه وعرفَ الطريقة المناسبة لطلبه، ولو كان الفقر قد انكمش أو انحسر لكان هذا الفقير ليس فقيراً أصلا، ولكان يمكنه أن يكتفي عن سؤال الناس عن حوائجه.

كيف تصل لدرجة التعميم وفي النهاية كيف تستغلها الحكومات والأنظمة لتؤثر على الحياة الطبيعية داخل المجتمع سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ودينياً؟!

إن المستوى المتدني الذي وصل له الحال العربي هو حقاً بحاجة لأن نقوم بتكرار الحديث عنه حتى لو تكرر هذا مئات المرات، فقد نكون قد مللنا الحديث عن العدوان الإسرائيلي وعن ما يكيد لنا الغرب سياسياً واجتماعياً وثقافياً، ولكن ابداً لا يجب أن نملّ عن ذكر الحال العربي المتعلق بالتعليم والصحة والفقر؛ لأنه لن تقوم لنا قائمة طالما ما زال الأمر على ما هو عليه ومادمنا مللنا من السعي لتحقيق الأفضل على صعيد هذه القضايا فإن هذا يعني شيئاً واحداً وهو أن الأمور السيئة سوف تستمر إلى أن تتكاثر وتتطور لصفات وسلوكيات عامة يُتعارف عليها إلى أن تصل لمرحلة أن تكون مقبولة قبولاً عاماً داخل المجتمع وبالتالي تبدأ الحكومات بالسيطرة أكثر وفرض ما تريد بشكل أكبر والسبب هو:

الناس فقراء فلن تكون لهم القدرة على النهوض والمقاومة حتى لو جلدناهم بالأسعار وحتى لو استفحلنا في نشر المحسوبية وقبض الرشاوى وتعيين الأقارب في المناصب الحساسة، وحتى لو احتكرنا العلامات التجارية المربحة ومنعنا المنافسة عنها وعن أي منتجات نتربح منها نحن.

الناس غير متعلمين، أميّون، لا يفهمون عن حقوقهم شيئاً، لا يبالون بأرقام نسب الفائدة أو الضرائب التي يتم ذكرها على الأخبار لأنهم لا يعلمون أنه قد تكون هذه الأرقام سبباً في عجزهم عن شراء ما يطعم أطفالهم بسبب غلاء الأسعار.

الناس مرضى، لن تكون لهم القدرة على المقاومة والاعتراض لأنهم بحاجة لمعونة صحية نعيّرهم بها، الناس مرضى ولا يستطيعون التفكير سوى بأمراضهم وحالهم وفقرهم وعجزهم.

هكذا تفكّر الحكومات الانتهازية، وهذه الأفكار لا يفكرون بها عن دراية، بل إنه الكرسي وإنه الجاه وإنه السلطان الذي يجعلهم يفكرون بهذه الطريقة ويطبقون هذه الأفكار وهم من أعماقهم يظنون بأنهم يعملون خيراً، وأنهم يقومون بما يقع على عاتقهم. كما يقول الله تعالى: "أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد الجلاد
كاتب سياسي
تحميل المزيد