رواية “الحب في المنفى”.. لا تنخدع بالعنوان!

تم النشر: 2018/07/23 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/23 الساعة 15:07 بتوقيت غرينتش

"الإنسان لا يقرر أن يحب. الإنسان يحب. هذا هو الأمر…" نعود في تدوينة هذا الأسبوع إلى الرواية العربية، هذه المرة مع رواية "الحب في المنفى"، للروائي المصري بهاء طاهر، صدرت لأول مرة عام 1995 عن دار "الآداب" اللبنانية. صحافي مصري في الخمسين من عمره، لم يتخلص بعد من صدمة رحيل جمال عبد الناصر، هو المتشبع بالأفكار الناصرية حتى النخاع، والمذهول بالأوضاع التي وصلت إليها مصر في عهد السادات، بعدما تم القطع تماماً مع كل المشاريع والأفكار والأحلام الثورية التي قادها عبدالناصر ودغدغت عواطف ملايين المصريين، وربما العرب.

يعيش هذا الصحافي مشاكل عاطفية مع زوجته منار، تنتهي بالطلاق، فيسافر إلى سويسرا؛ ليعمل مراسلاً لصحيفة هناك، كل هذا بالتزامن مع فترة بداية الثمانينيات الملتهبة بالأحداث على الصعيد الإقليمي والعالمي (ويتجلى ذلك بالخصوص في وصول الحرب الأهلية اللبنانية إلى ذروتها مع التدخل الإسرائيلي الذي انتهى باجتياح البلاد وحصار بيروت الطويل، ثم المفاوضات التي انتهت بخروج منظمة التحرير الفلسطينية منها، وما أعقب ذلك من مجازر مروعة في صبرا وشاتيلا ومخيم عين الحلوة، ولا ننسَ أيضاً اندلاع تلك الحرب الطويلة والمريرة بين العراق وإيران، والمعروفة باسم حرب الخليج الأولى، وغير ذلك من الأحداث…).

 ملحوظة خارج السياق: كل العقود الأخيرة كانت ملتهبة بالأحداث في منطقة الشرق الأوسط، العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين، التسعينات، الثمانينات، السبعينات، الستينات، الخمسينات، الأربعينات…. إلخ، هل عرفت هذه المنطقة الهدوء؟ لا أظن ذلك.

هي رواية أخرى تناقش هموم المثقف العربي في الغربة، والاختلاف الجذري بين نظرته هو للآخرين ونظرة الآخرين له، وهي تتشابه في هذا السياق مع عدد كبير من الروايات العربية التي صدرت خلال تلك الفترة، وحاولت تشريح علاقة العربي بالآخر، كما تتناول رواية الحب في المنفى أيضا موضوع أثر هزيمة 1967 (لا أحب تسميتها بالنكسة) على العرب بشكل عام، بما يماثل سياق رواية الزمن الموحش لحيدر حيدر، موضوع تدوينة سابقة هنا، ولكن هذا لا يعني وجود تطابق بينها، بل هو فقط تناول لنفس الأفكار التي أقضت مضجع المثقف العربي آنذاك، وإن من وجهات نظر مختلفة جداً تجسد تباين تأثير هذه الهزيمة على مختلف الأقطار العربية.

"الحب في المنفى"، عنوان خادع آخر، مخطئ من يعتقد أنها رواية مغرقة في العوالم الرومانسية الخيالية، بالعكس، فقد جمعت باقتدار بين ثلاثية الحب والسياسة والغربة التي قلما ما يتمكن المبدعون من دمجها جميعها في عمل واحد. مسألة أخرى أثارت انتباهي، هي تعمد الكاتب إخفاء اسم بطل روايته، فطوال 254 صفحة لا نعرف له اسماً، وهي جزئية مثقلة بالدلالات والرسائل الخفية، وقد ذكرني هذا بـ "كاتب آخر"، فعل نفس الشيء مع بطل روايته التي تخلو صفحاتها الـ 480 من أي ذكر لاسم البطل، رغم أنه حينها لم يكن قد قرأ "الحب في المنفى" بعد!

يمكن اعتبار رواية الحب في المنفى رواية توثيقية تكشف حقائق وتعمل على حفظها بما لا يسمح بنسيانها، خاصة فيما يتعلق بفظاعات مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 التي ارتكبتها ميليشيات القوات اللبنانية، بالتعاون مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهي تشبه في ذلك ما تضمنته رواية الطنطورية لرضوى عاشور.

صحيح أن رواية "واحة الغروب" لبهاء طاهر نفسه، قد حازت شهرة كبيرة بعد فوزها بالدورة الأولى لجائزة البوكر عام 2008، وتحويلها إلى مسلسل درامي عرضت حلقاته في شهر رمضان الماضي على شاشات التلفاز، لكنني قرأت الروايتين وأجد أن "الحب في المنفى" أفضل، لعدة أسباب لا يتسع المجال لذكرها هنا، وقد يتم تناولها في تدوينة أخرى، لكنه يبقى رأياً شخصياً، كما أنني لم أشاهد المسلسل بعد، بعدما تعودت في السنوات الأخيرة على تأجيل مشاهدة بعض المسلسلات إلى ما بعد رمضان، والاكتفاء بالقراءة فقط، وهذا موضوع آخر.

مدونات الجزيرة

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبدالمجيد سباطة
كاتب مغربي
تحميل المزيد