تختلف أحلامنا وتتنوع طموحاتنا، كما تتباين المجالات التي نسعى إلى ولوجها من هندسة، طب، إعلام.. إلا أنها تظل مناصب قد يستطيع الكل بلوغها، أو بمعنى آخر مهن مطلوبة في سوق العمل يبادر الجميع إلى حجز مقعد للتخصص في شعبها، ليحصلوا في آخر المشوار على شهادة مرموقة تؤهلهم للولوج عالم الأعمال و دهاليزه المتنوعة.
روتين ألفه المجتمع حتى أصبح حلقة تعاد وتكرر فلم يعد أحد يبحث عن التميز. صحيح أن التركيز في لبّ مهنة معينة قد يقود صاحبه إلى إتقانها بكيفية احترافية، لكن أين التميز من كل هذا؟ هل طرحنا هذا التساؤل على ذواتنا يوماً؟
مع الأسف كنا وما زلنا نؤمن بمسلمة احتكار مجال واحد وإهمال الباقية، حتى إذا ناقشت طالباً جامعياً في الفن العريق أو الأدب عربياً كان أو غربياً تصدم بأميته، أما إذا حاولت الدخول معه في صلب الموضوع اكتشفت فقر أفكاره وعوزاً في بنك معلوماته، بل نقصاً مفجعاً في معارف أساسية من المفترض أن يلمّ بها وتكون راسخة لديه كاسمه بل وأكثر!
إنه مثال بسيط على ما يعانيه مجتمعنا من نمطية قتلت التميز، ودمرت جسر الإبداع بل وجعلت من الطالب آلة ميكانيكية للاستظهار، بفضل مقررات تطمح لحشو دماغه بمعلومات لا ترفع مستوى ذكائه بل تزيد نسبة بلادته وسذاجته، وبهذا بات من الطبيعي أن نرى أطراً ذات تفكير محدود مبتذل!
لقد فقدنا عنصر التميز وفقدنا معه جيلاً من المبدعين، إذ كنا نجد الطالب العلمي محيطاً بعلوم اللغة وينظم من الشعر قوافي بليغة، حتى أنك تحسبه للوهلة الأولى أدبياً ينحدر من مدرسة جبران خليل جبران. نفس الشيء بالنسبة لنظيره الأدبي؛ إذ إنه يحيط بالمنطق وآخر الابتكارات وجلّ المستجدات في الساحة العلمية.
تغيرت ملامحنا في عصر التكنولوجيا لكن لا يزال الجوهر ثابتاً.. فلماذا لا نطمح للتميز خاصة أن العالم اكتفى من النسخ؟!
كن طبيباً مهندساً أو عبقرياً في مجال المعلومات، لكن تميز في شيء من الأدب مثلاً واجعل لنفسك بصمة تسمك أينما حللت وارتحلت، اختر أن تبدع في مجال تجد فيه ذاتك واجعله مفتاح تألقك، بادر فزمن الفخر قد ولى مدبراً؛ فما يجعلك حقاً نموذجاً يُحتذى به هو إبداعك في ما تجيده.
لا تدعي المثالية، ولكن كن عفوياً في تلك الأشياء البسيطة التي تجيد فعلها بالموازاة مع مشوارك الدراسي أو حتى المهني من كتابة، رياضة، رسم، نحت..
المهم أبدع واصنع لنفسك اسماً يخالف أسماء الغير، شقّ طريقك بشكل مختلف يتيح لك التميز حتى ولو كنت عكس التيار، سارع وتذكر دائماً القليل من الجهد يحدث الفرق ويصنع التميز.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.