الفائزون بالانتخابات العراقية مشغولون هذه الأيام بزيارات مكوكية إلى بعضهم بعضاً في لقاءات ومفاوضات تبدأ بالقبلات والتحيات الحارة فيما بينهم أمام الكاميرات، ولا يُعرف ما يدور بينهم غير الكلام والتصريحات العامة المقتضبة التي تتردد بتعابير ومصطلحات لم تشهدها لغة السياسة في أي مكان بالعالم، والمفاوضون من أجل تشكيل الكتلة الأكبر رغم عدم ظهور النتائج النهائية للانتخابات العراقية، يسابقون الزمن من أجل الاتفاقات التي يتم الإعلان عن بعضها لكن تفشل في الصمود لبضع ساعات أو أيام، وهي تثير العجب حيث تجد اتفاق الأضداد والمختلفين في كل شيء.. في التوجهات والأفكار والتبعية والقرار، لكنهم يتفقون في شي واحد وهو السعي دون تعب أو كلل للحصول على أكبر عدد من المناصب والمكاسب من خلال الحوار واللقاء والتفاوض ليس لشيء إلا لغرض الوصول إلى أفضل موقع في الحكومة العراقية القادمة.
هؤلاء استطاعوا أن يُفاجئوا الشعب العراقي بإنجاز لم يسبقهم إليه أحد غيرهم، لا الأولون ولا الآخرون في مجال الإدارة والسياسة والحكم، فالكثير منهم يتحدث ويصرح عن (الحكومة الأبوية) و(الحكومة الشاملة) في ضوء (استحقاقات المرحلة القادمة) والحوار الذي يجري ضمن (الفضاء الوطني) مع الكتل والقوائم الفائزة الأخرى.
وهم ربما يتوّهمون أنهم قد حققوا ونفذوا كل وعودهم الانتخابية التي أعطوها خلال مسلسل الانتخابات العراقية الذي يشبه (المسلسلات المكسيكية) في عدد حلقاتها ومفاجآتها وأبطالها المتوقع منهم كل شيء، والظاهر أنهم قد نسوا في برامجهم تلك (غزو الفضاء الخارجي) واستعاضوا عنه بـ(الفضاء الوطني) حتى لا يثيروا أطماع وحسد الدول المجاورة حيث أصبحت التجربة العراقية درساً ومثالاً يدرَّس في أرقى البلدان الديمقراطية في العالم!
ربما توهموا أنهم قد نجحوا في تنظيم وترتيب وتصحيح وتغيير وتعديل كل أوضاع وحياة ومستقبل العراقيين الذين أصبحت حياتهم جنة ولم يبقَ لهم إلا الفضاء الوطني الذي ينتظر إبداعات واختراعات الحكومة المقبلة، وربما يعتقدون أن العراقيين سعداء ومرتاحين آخر راحة أو (أكثر من اللازم) لأنهم حولوا أرض العراق جنة خضراء بل وأجمل وأبهى من المنطقة الخضراء التي يسكنها السياسيون تواضعاً لا ترفّعاً على شعبهم، وحققوا ما لم يحققه أي بلد أو حزب أو سياسي في العالم من كثرة الإنجازات العراقية التي وصلت حد تجاوز الفضاء الخارجي إلى الفضاء الوطني.
هذا الفضاء الذي يكاد يذوب من حر تموز اللاهب وقلة تجهيز الكهرباء والماء وانعدام الخدمات والبطالة والفساد وعودة عمليات الإرهاب والفشل في إعمار أي مدينة أو قرية طالها التدمير خلال عمليات التحرير.
الأزمات والنكبات العراقية ما زالت غائبة عن اهتمام وأنظار السياسيين المشغولين باجتماعاتهم وتصريحاتهم عن الحوار الذي يجري ضمن الفضاء الوطني والحكومة الأبوية الشاملة واستحقاقات المرحلة القادمة.. والتي ربما لا يصلوها بعد أن وصل الحال إلى أكثر من طاقة الاحتمال، فالعديد من محافظات الوسط والجنوب العراقي تعيش مظاهرات واحتجاجات سقط فيها العديد من الضحايا جرحى وشهداء والتي ربما تكون الشرارة التي ستحرك قطاعات كبيرة من الشعب نحو التغيير وإزاحة الوجوه الكالحة التي أوصلت العراق إلى ما وصل إليه.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.