لماذا لا تتحقق أحلامنا؟ ولماذا لا نعيش الحياة التي نتمناها؟.. عرفتُ الإجابة بعد 30 عاماً من عمري

عدد القراءات
5,961
عربي بوست
تم النشر: 2018/07/18 الساعة 12:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/25 الساعة 08:10 بتوقيت غرينتش
illustration of a girl standing on the balcony.

قدِمتْ إلى هذه الدنيا إنسانةً حرة، كحالنا جميعاً. إنسانة كاملة تملك كافة الحقوق، وعندها قوة وإرادة وإمكانيات لا تُعد ولا تحصى، وعندها حبّ للحياة. تملك القدرة على تحقيق أشياء تعتبر من المستحيلات عند معظم الناس، هي جميلة ومميزة وذكية وفريدة من نوعها، وليس لها مثيل.

كبرتْ في عائلة تعتبر عائلة عادية، تحبها والدتها حباً شديداً، لكنها مشغولة عنها بعض الأحيان بمشاكلها الخاصة، فهي مصابة باكتئاب خفيف منذ أن ولدت آخر طفل لها، فأصيبت باكتئاب ما بعد الولادة ولم تتعالج منه لأنها لم تعرف أنها مصابة به من الأساس.

هي في العاشرة من عمرها، تحاول أمها تقديم كل ما تعتقد أن ابنتها تحتاجه من طعام ولباس وتعليم، وتجلس معها ويتحدثان ويلعبان معاً بعض الأيام.

الأم لم تقل يوماً لابنتها إنها جميلة، فكبرت معتقدة بأنها ليست جميلة. كانت النجمات اللواتي يظهرن في التلفاز هن الجميلات فقط، وطبعاً كل من يشبههن في أشكالهن. أما هي ففتاة عادية أو مقبولة الشكل؛ لأنها لا تشبه تلك النجمات اللواتي يشبهن بعضهن البعض في معظم الأحيان. هي تشعر بأنها ليست جميلة كغيرها لذلك تعتقد أنها لا تستحق الحب، وأن الزواج بالنسبة لها سيكون زواجاً تقليدياً.

يكنّ لها ابن الجيران حباً منذ طفولته، وهو يكبرها بستة أعوام. وهي لا تعلم ذلك ولم يخطر لها أن أحداً سيحبها؛ لأنها في قرارة نفسها تعتقد أنها لا تستحق ذلك.  فباعتقادها عيناها صغيرتان، والجمال كما تعلمت عنه يتطلب عينين واسعتين. والنقيض بالموضوع أن أول ما لفت اهتمام ابن الجيران فيها هو عيناها الصغيرتان الناعمتان، واللتان كان يشعر بأنهما أجمل عينان رآهما في حياته.

حاول عدة مرات أن يلفت انتباهها فكان يقف كل صباح مستنداً إلى عمود في طريق ذهابها إلى المدرسة، يقوم بحركات خفيفة كرمي حصوة صغيرة باتجاهها. كانت تنتبه إلى وجوده دائماً، لكن لم يخطر ببالها أبداً أنه يفعل ذلك لأنه يهتم بها، ولماذا يهتم بها بينما هنالك فتيات أجمل منها في ذلك الحي، واللواتي يذهبن إلى المدرسة من الطريق ذاته.

هي تحب مادة العلوم في المدرسة، وعندها اهتمام خاص بعلم الفلك فهي تعشق السماء خاصة بالليل. تعلمت بنفسها الكثير عن النجوم والكواكب والمجرات، لأنها قررت أنها ستتخصص في علم الفضاء، وربما إذا حالفها الحظ ستصبح رائدة فضاء ذات يوم.. قررت أن تبدأ في دراسة ذلك العلم منذ الصغر، فبالرغم من صغر سنها فقد أدركت أنها إذا قامت بدراسة القليل عن ذلك الموضوع كل يوم تكون قد تعلمت الكثير عندما يحين موعد ذهابها إلى الجامعة. أسعدها ذلك الهدف الذي وضعته لنفسها سعادةً لم تشعر بها من قبل.  

في يوم من الأيام قررت إخبار والدتها عن حلمها وكانت في الحادية عشرة من عمرها آنذاك. اعترفت لوالدتها: أمي أريد أن أصبح رائدة فضاء، وكانت والدتها وافقة تغسل الصحون بعد الغداء، ضحكت ودون تفكير قالت: آآآآآخ نحن النساء مكاننا في المطبخ لتحضير الطعام وجلي الصحون! في تلك اللحظة، تخلت عن حلمها؛ لأن الشيء الوحيد الذي كان يخيفها هو أن أخواتها وبنات أعمامها وبنات جيرانها، إما تزوجن مباشرة بعد إنهاء المدرسة، أو تزوجن بعد إنهاء الجامعة وكان مصيرهن ربات بيوت فقط، فكانت تخاف ألا يكون مصيرها مختلفاً جداً عن مصيرهن. أكد لها تعليق والدتها أن مخاوفها واقع لابد منه؛ لأن ماما تعرف كل شيء!

كبرت فتاتنا المميزة التي كان بمقدورها أن تصبح أول فتاة عربية تصعد إلى الفضاء، لكنها تركت تلك الغاية، وقضت معظم أوقاتها تقرأ روايات الحب الرخيصة كبقية زميلاتها في المدرسة، بالإضافة إلى مساعدة والدتها في المطبخ.

تخرجت في المدرسة لا تعلم ما وجهتها، وما أحلامها، وماذا تريد من الحياة. حتى جاءها العريس ابن الجيران الذي كان يحبها سراً، فقد تقدم لخطبتها. وافق والداها ووافقت هي أيضاً لأن ابن الجيران كان وسيماً ذا سُمعة طيبة، وكان يعمل في مهنة جيدة بدخل ممتاز، وقتها أحست أنها ملكت الدنيا. خلال أشهر الخطبة أخبرها عن حبة القديم لها، لكنها في قرارة نفسها لم تصدقه، لأنها في اللاوعي كانت تعتقد بأنها لا تستحق الحب، خصوصاً من رجل كامل الأوصاف مثله.

بعد أشهر قليلة تزوّجا، الشهر الأول كان رائعاً، لكن بعد ذلك بدأت المشاكل عندما أصبحت تشك في إخلاصه لها كلما تأخر في العمل، أو كلما تلفت يميناً أو شمالاً في طريقهما إلى السوق أو لزيارة الأقرباء. لم يحتمل شكها فقد سبب له ذلك ألماً شديداً، فقد كان مخلصاً لها منذ صغره فكيف يخونها بعدما أصبحت زوجته! ولم يخطر بباله أبداً أن المشكلة ما هي إلا قلة ثقة بالنفس عندها، ففي نظره هي كاملة لا ينقصها شيء. لكنه لم يحتمل شكوكها، معتقداً بأنها لا تثق به لأنها تشعر بأنه لا يستحق الثقة، وأنها ترى فيه عيباً.

وتفاقمت المشاكل، حتى أدى ذلك إلى انفصالهما مؤقتاً، ورجوعها إلى منزل أهلها بعد 6 أشهر. جلست في تلك الليلة بجانب نافذة غرفتها كانت الشمس قد غربت للتوّ وبدأت النجوم بالظهور، تذكرت وقتها الحلم الذي تخلت عنه في الحادية عشرة من عمرها، وبكت بمرارة.

هل تعرفون من هي هذه الفتاة؟

إنها أنت وأنا وجميعنا نحن النساء، فهي موجودة فينا جميعاً حتى ولو في جزء بسيط منا، نأتي إلى هذه الدنيا بقدرات غير محدودة وبحماس وإرادة وحيوية لا تقهر، لكن شيئاً فشيئاً يتم كتم هذه القدرات من قبل أهلنا. فكم مرة نقول للطفل اجلس، توقف، لا تذهب إلى هناك، لا تلمس هذا وذاك.. ثم يأتي دور مجتمعنا فنفقد الثقة شيئاً فشيئاً بأنفسنا، ونعتقد أن هنالك مساراً محدداً ينبغي أن نمشي وفقاً له، ولا يهم ما هي رغباتنا وأحلامنا وميولنا، ينبغي أن نمشي بحياتنا وفقاً لما تعيش به النساء في مجتمعاتنا، فقدراتنا محدودة وخياراتنا معدومة! عندما تسألين طفلاً صغيراً عن أحلامه يتكلم عن أحلام عظيمة وغير منطقية بل ومجنونة أحياناً، ولكن عندما تسألينه نفس السؤال بعد أن يكبر يجاوب بأنه لا يعرف أو بحلم متواضع جداً. أي إنسان يستطيع فعل أشياء عظيمة، لماذا التواضع في الأحلام؟!

خُلقنا في أحسن صورة، وكل إنسانة فينا جميلة بطريقتها الخاصة، ومميزة لأنه ليس لها مثيل، فجمالها لا يقارن بجمال أخرى؛ لأن كل واحدة فينا مختلفة وهذا هو الجمال بذاته. لكن المجتمع يحطم فينا تلك الحقيقة فيقارن النساء ببعض، ويقرر من الأجمل من الأخرى. والإعلام قام بتحديد الصورة المثالية للمرأة، فينبغي أن تبدو على هيئة معينة حتى تكون جميلة، وقاموا باختراع مسابقات ملكات الجمال. ففقدت معظم النساء الثقة بأنفسهن وربطن جمالهن باستحقاقهن أو عدم استحقاقهن للحب، ما أثر سلبياً على ثقتهن بأنفسهن وعلاقاتهن مع الناس، خاصة علاقاتهن مع أزواجهن.

ليست هنالك امرأة أجمل من الأخرى، وهذا ينبغي تعزيزه عند الفتيات الصغيرات، كل أم ينبغي أن تخبر ابنتها بأنها جميلة، كل يوم، لأنها كذلك فعلاً، ولأن كل فتاة مميزة. وهذا سيكون له أكبر الأثر على ثقتها بنفسها وبالتالي سينعكس إيجابياً على حياتها وعلاقتها الزوجية المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن تؤكد كل أم لأطفالها أنهم قادرون على تحقيق جميع أحلامهم، مهما كانت كبيرة، إذا سعوا إلى تحقيقها فليس هنالك حدود لقدراتنا.

أما بالنسبة إلينا فينبغي علينا جميعاً أن نتوقف للحظة وأن نفكر، هل نعيش الحياة التي طالما أردناها؟ هل نملك الثقة بأنفسنا؟ هل تركنا أحلامنا وراءنا وعشنا الحياة التي رسمها لنا المجتمع؟ هل هنالك حلم تخليتي عنه في الماضي يدغدغ خيالك من حين إلى آخر؟ إذا كان هذا حالك، فقد آن الأوان لأن تسعي وراءه وتحققيه مهما كلفك ذلك، الذين سعوا إلى تحقيق أحلامهم وحققوا أشياء عظيمة لم يفعلوا ذلك لأنهم يملكون قدرات خارقة أو بسبب حظ عجيب كان من نصيبهم، إنما حققوها لأنهم عرفوا ماذا يريدون وآمنوا بأنهم يستطيعون الوصول إليه، ثم سعوا إلى تحقيق ذلك خطوة بخطوة، جميعنا لدينا القدرة والإمكانية والحق لفعل ذلك مهما كان وضعنا في الحياة.

لأنك مميزة وجميلة وقوية فأنت تستحقين الأفضل.

تم نشر هذه المقالة في مدونة بيت زين

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زين موسى
كاتبة مهتمة بالمرأة والمجتمع
تحميل المزيد