انقلاب أردوغان الديمقراطي

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/17 الساعة 14:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/17 الساعة 14:46 بتوقيت غرينتش
Turkey's President Tayyip Erdogan arrives for the NATO Summit in Warsaw, Poland, July 9, 2016. REUTERS/Kacper Pempel/File Photo - RTSRWLW

لم تكد تضع الانتخابات التركية الأخيرة أوزارها وتُعلن النتائج الرسمية بالفوز المريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأغلبية مُطلقة ويرتاح الرجل من الدعاية الانتخابية القوية بكل المدن التركية التي تسببت بفوزه الساحق على منافسيه، حتى سارع إلى إعلان براءة ذمته المالية بنشر كل ما يمتلك في ثلاثة بنوك من أموال وممتلكات خارجية بالجريدة الرسمية تتضمن أموالاً وسيارات وممتلكات في سابقة لم يفعلها مدير عام عربي في وطن يمتد إلى 22 دولة.

أراد الرجل من خلال إعلان براءة الذمة المالية أن يُعلن عن ملامح المرحلة الجديدة التي تولّدت عن الانتخابات الأكثر حساسية وخطورة في تاريخ الجمهورية التركية منذ تأسيسها قبل أقل من قرن بقليل. أصبح أردوغان الآن الرئيس الأول في تاريخ تركيا بنظام الحكم الرئاسي الممتد الصلاحيات.

وبغضّ النظر عن ردود أفعال المعارضين لأردوغان عن قولهم تعليقاً على نشر الذمة المالية له بأن ما خفي أعظم وأنه يمتلك أضعاف ما نشر، أو قول من يؤيده إنهم يتحدون أي مسؤول عربي أن يفعلها، تبقى النظرة العربية منقوصة لسياسات الرجل وحزبه فكلا النظرتين يحكمها الانتماء الأيديولوجي وليست موضوعية، فأردوغان كغيره من رؤساء الدول له ما له وعليه ما عليه. فليس الرجل بالسلطان الذي سيقود جيشاً لتحرير الأقصى غداً من الاحتلال، ولا هو الرجل الديكتاتور المتفرد الظلامي كما يصفه المعارضون.

فالنظرة العربية المؤيدة لأردوغان من قِبل العرب سواء الهاربين من بلدان الربيع العربي أو الذين ما زالوا يرزحون تحت القهر وينتظرون المحرر، وتحديداً سوريا ومصر وتونس والتي تصفه بالخليفة الإسلامي والسلطان الذي سيحرر الأقصى غداً هي نظرة عاطفية قاصرة غير مطلعة على حقائق الأمور، فالهاربون من الموت في سوريا والأحكام القضائية بالسجن في مصر أو البطالة في تونس يصفونه بالرجل المخلّص لهم من كل الشرور، والنظرة الناقدة لكل ما يفعله الرجل قاصرة، فأردوغان وحزبه ليسوا بإسلاميين ولا محافظين ولا إخوان أو يمتون لهم بصلة وإن كانت خلفياتهم إسلامية كأشخاص، هم حزب سياسي يمارس السياسة باحتراف في الملاعب الدولية.

ففي ندوة صحفية نُظمت للإعلاميين العرب في إسطنبول، ألقاها أيهان أوجان، رئيس منظمة التعاون التركية، قال إن الرئيس قال جملة تاريخية بعيد إدلائه بصوته في الانتخابات الأخيرة بأنه قام بانقلاب ديمقراطي على البيروقراطية المتغلغلة في مؤسسات الدولة التركية وأنه قام بتغيير الدستور في تركيا عبر صناديق الاقتراع للانتقال لتركيا الحديثة. وأكد على رغم من  أنهم من خلفيات إسلامية لكنهم سياسيون يلعبون وفق ما تقتضي مصالح بلادهم داخلياً وخارجياً.

فأردوغان، الذي كلما أراد أن يُربك خصومه سياسياً اتجه لصناديق الاقتراع، ولا يخفى على أحد أن أردوغان ينتخبه الكثير من الأتراك العلمانيين لمشاريعه الاقتصادية وليس لشيء آخر، فالرجل معروفٌ عنه أنه من جذور إسلامية رغم تأكيده الدائم على علمانية دولته القائمة على مبادئ مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك.

فمنذ العدوان الإسرائيلي الأول على غزة عام 2008 والانتقادات الحادة التي وجهها أردوغان يوم أن كان رئيساً للوزراء في تركيا وانسحابه من منتدى دافوس الاقتصادي لأنهم لم يعطوه فرصة للتعقيب على كلام بيريز حول عدوان اسرائيل على غزة، بدأ الجدل حول مواقف الرجل، سواءً من الكيان الإسرائيلي والذي يمتلك علاقات تجارية ودبلوماسية عالية المستوى مع تركيا والتي اعتبرت ما فعله أردوغان هو كسب مواقف سياسية على حساب دولة الاحتلال.

أو حتى موقفه من الثورات العربية بفتح بلاده لملايين اللاجئين والفارين العرب من جحيم بلدانهم، الذي تحولوا فيما بعد لمساهمين بشكل أو بآخر في إنعاش الاقتصاد التركي وبناء تركيا، أو إلى ورقة ضغط وابتزاز في وجه خصومه السياسيين سواء العرب أو الأوروبيين. فالرجل كسب مواقف إنسانية وسياسية واقتصادية جمّة خلال الأزمة منذ عام 2010 حتى الآن.

وبالرغم من تأثير هذه المشاكل ومواقف الرجل منها، وفتح بلاده للعرب في الحملات الانتخابية لأردوغان ومنافسيه، والوعود التي أطلقها منافسوه وعلى رأسهم محرم إنجه وميرال أكشنار بإعادة السوريين إلى بلاده، إلا أن أردوغان مصر على إبقاء اللاجئين في بلاده حتى اللحظة على الأقل، وهو أيضاً ماضٍ في سياساته تغيير ملامح الدولة التركية ونقلها إلى مصاف الدول العشر الأولى على العالم اقتصادياً وسياسياً رغم كل التحفظات والضغوط الخارجية والداخلية.

لكن الفارق بالانقلاب الذي قام به أردوغان هنا بتغيير الدستور وتغيير نظام الحكم بتركيا هو انقلاب إرادة شعبية يعترف بها العدو والخصم قبل المؤيد، فإنجه اعترف بهزيمته فوراً أمام خصمه السياسي أردوغان، فشعبية أردوغان وقوته بالحكم مدعومة بما يقارب 52% من الشعب التركي وهي النسبة التي انتخبته وخرجت ليلة الخامس عشر من تموز قبل عامين للدفاع عن شرعيته برمي نفسها أمام الدبابات التي أرادت إسقاطه.

فالرجل يعرف كيف يخاطب شعبه ويستفز القومية التركية والانتماء للوطن داخل قلوب مؤيديه، يعرف متى يُعلي صوته ومتى يتجه للمفاوضات، متى يذهب لصناديق الاقتراع، فهو الذي يفرق بين خصومه السياسيين وأعدائه الإرهابيين، فيرد على خصومه السياسيين بكشف الحقائق وتبيانها للرأي العام، ويستخدم القوة مع أعداء حسب القانون كما هو الحال في معارك الجيش التركي على حدود تركيا. فباختصار أردوغان لاعب سياسي محترف.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
بسام أبو يونس
صحفي وباحث بالإعلام
تحميل المزيد