كيف علَّمتُ ابنتي تجنُّب الألم في العلاقات؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/16 الساعة 11:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/16 الساعة 11:22 بتوقيت غرينتش
Beautiful mother is comforting her sad little daughter at home. Family relationships.

جاءتني الصغيرة باكيةً عندما طلبت منها أن تحضر حاجياتها للذهاب، وارتمت في أحضاني تطلب أن تظل بعض الوقت؛ لأنها لم تكمل لعبها مع صديقاتها، وأخبرتني أنها تريد أن تقضي إحدى صديقاتها ليلتها معنا في منزلنا.

نظرت إلى صديقتها فوجدتها تلعب مع باقي الأصدقاء غير مبالية بما تشعر به صغيرتي.

طلبت منها أن تذهب إليها أولاً، وأن تخبرها بما تريد أولاً ربما هي لا تريد ذلك.

ذهبت إليها وطلبت منها ذلك فأخبرتها صديقتها لا مبالية أن الوقت غير مناسب وأن لديها أعمالاً أخرى، فعادت الصغيرة لتدفن دموعها بين ضلوعي، وهي تتألم دون أن تعلم أن قلبي أنا الذي يتألم لا قلبها، فلقد بدأت طفلتي في تذوّق ألم العلاقات.

بعد يومين كنا نجلس معاً في حجرتنا المكيفة نحتمي من الحر الشديد، وبينما أنا أحتسي كوباً من الشاي الأخضر نظرت إليها وسألتها: هل تريدين بعض (الدردشة)؟

نعم أريد يا أمي.. إذن هلمّي فأنا أريد أن أتحدث معك عن العلاقات!

ماذا؟ العلاقات؟ ماذا تعني العلاقات يا أمي؟

علاقات يا حبيبتي هي جمع علاقة والعلاقة هي ما يربط بين طرفين، فمثلاً أنا ووالدك بيننا علاقة، فهو زوجي وأنا زوجته، وتلك علاقة.

أنا وأنت بيننا علاقة، فأنت ابنتي وأنا أمك، وتلك علاقة، أنت وصديقتك بينكما علاقة، فأنت صديقتها وهي صديقتك، وتلك علاقة.

فالعلاقة هي المسمى الذي يربط شخصاً ما بالآخر، ولكن يجب أن نتعلم كيف تعمل تلك العلاقة؟ وكيف نحافظ عليها؟ وكيف ومتى نتخلى عنها؟! أتريدين أن تتعلمي ذلك؟

ولماذا أتعلمه يا أمي؟ هل هو ضروري؟!

نعم ضروري جداً، فهل كنت تفضلين أن أعاملك معاملة سيئة؟

لا بالطبع، ولكني لا أفهم يا أمي ما علاقة ذلك بأن تعامليني معاملة حسنة أو سيئة؟! ولماذا نتعلم عن العلاقة؟

هذا سؤال رائع وهام جداً، فلماذا نتعلم عن العلاقة؛ لأننا لا نستطيع العيش دونما علاقات، فمثلاً عندما تغضبين هل تفضلين أن أساعدك لكي تهدئي؟ أم أن أتركك هكذا إلى أن يزول غضبك دونما أي مساعدة؟

أفضل طبعاً مساعدتك؛ لأن ذلك يجعلني أغضب مدة أقل وأحزن مدة أقل.

جميل.. وعندما أغضب أنا منك فهل تفضلين أن أفقد سيطرتي على أعصابي وأضربك أم هل تفضلين أن أهدأ أولاً ثم أتحدث معك؟

أفضل أن تهدئي أولاً ثم تتحدثي معي.

ذلك بيت القصيد يا بنيتي، فأنا تعلمت كيف أتعامل في علاقتي بك، ولذلك أبذل مجهوداً في موضعه في تلك العلاقة، ويأتي بثماره مع كل منا، ولذلك فهي علاقة ناجحة، ولله الحمد والمنة.

ولكن إن لم أتعلم شيئاً عن كيفية التعامل معك فلن نستطيع أن نتفاهم أو أن نصل بتلك العلاقة إلى ما تؤول إليه الآن.

ولكن يجب أن تعلمي أيضاً أن العلاقة ذات طرفين فلا يجب عليَّ أبداً أن أظل أتعلم بينما أنت تجلسين هكذا لا تفعلين شيئاً، ولذلك فأنا أعلمك كيف تتعاملين معي عندما أغضب وكيف تتحدثين إليَّ بطريقة مهذبة وهكذا.

تقصدين يا أمي أنه لكي تكون علاقتنا جميلة يجب أن نظل نتعلم عنها؟

نعم ذلك ما أقصد بالتحديد، يجب أن نبذل الجهد لنجاح تلك العلاقة، ولا يقتصر ذلك يا صغيرتي على علاقتنا فقط، ولكنه يسري على كل تلك العلاقات التي بين شخصين أو أكثر.

فمثلاً علاقتك بصديقتك فلانة.. هل تتذكرين يوم كنت تبكين فراقها وتريدين أن تبيت ليلتها معك؟

نعم أتذكر.

وهل تتذكرين كيف كانت هي في تلك الأثناء؟ هل كانت تتألم مثلك؟ هل كانت إلى جوارك تخبرك أن لا بأس بعدما رأت دموعك؟ أم هل كانت تلاعب باقي أصدقائها دونما أن تعطيك اهتماماً؟

كانت تلاعب باقي الأصدقاء دونما أن تعطيني اهتماماً.

وهل تشعرين أنه من الصحيح أن نبكي ونتألم لأجل شخص لا يبالي بنا؟ لا يا أمي.

ذلك الدرس الأول يا حبيبتي، لا تبكي أبداً من أجل من لا يهتم بك مثلما تهتمين به.

العلاقة لها طرفان يا صغيرتي مثلما أخبرتك، ويجب أن يعمل الطرفان بجد؛ لكي تظل تلك العلاقة في مسارها الصحيح، ولا يجب أبداً أن يمسك شخص واحد بطرفي العلاقة بينما يظل الآخر ينظر إليه دونما حراك!

وإن كان هناك طرف يمسك بذلك الطرف بشدة بينما الطرف الآخر يمسكه قليلاً، ثم يتركه قليلاً، فستنهار تلك العلاقة يوماً ما دون شك؛ لأن هناك طرفاً يبذل مجهوداً أكبر في تلك العلاقة، هناك طرف يهتم دائماً بتلك العلاقة ويضعها نصب عينيه وضمن أولوياته، بينما الطرف الآخر ليس على نفس درجة الالتزام بتلك العلاقة، ربما لأن تلك العلاقة لا تهمه لتلك الدرجة، وربما لأن التوقيت بالنسبة له ليس مناسباً لتلك العلاقة، وربما لأنه شخص لا يلتزم بعلاقاته وربما وربما، فالأسباب يا حبيبتي لا تنتهي، ولكن النتيجة دائماً واحدة هي:

إن هناك طرفاً يعاني ويتألم، وطرفاً آخر لا يبالي والعلاقة في طريقها الأكيد إلى الانهيار طالما لا يمسك بها الطرفان بنفس القوة ولا يبذلان نفس الجهد.

لقد علمتني الأيام -يا صغيرتي- ما لم يعلمني إياه أحد، أعلم أن ذلك القلب الرقيق الذي أورثتك إياه سيكون سبباً في ألمك يوماً ما.

ولكن لتعلمي جيداً أنني سأكون إلى جوارك لمساعدتك وسأعلمك ما علمتني الأيام حتى تستطيعي أن تمري بسلام من آلام تلك العلاقات؛ لأنها مؤلمة جداً إن لم ندرك كيف تعمل وإلامَ ستؤول!

وتذكري دائماً: إن العلاقة تقوم على طرفين وتقوى بالطرفين، ولا يجب أن يمسكها طرف دون الآخر، فإن ترك طرف العلاقة فالباقي فقط مجرد وقت إلى أن تنتهي تلك العلاقة، وتصبح في عداد العلاقات السابقة، وإن أردت اختبار جدية طرف في العلاقة يوماً فتحدثي إليه بمنتهى الصراحة أن العلاقة تنهار، وأنه إن كنا نريد استمرارها فيجب أن نتحدث ونعمل على إصلاحها، وإن لم يبالِ بحديثك ولم يبذل جهداً لإصلاحها فاتركي طرفك وانظري ما سيفعل، فإن ترك الطرف الآخر فهي لم تكن علاقة جادة منذ البداية، فلتتخلَّي عنها ذلك الوقت قبل أن يلتف طرف العلاقة حول قلبك ويحدث به من الآلام ما يحترفه.

ولتعلمي أنها تؤلم، وأن ألمها موجع وموحش، ولكنه يزول لا محالة، يترك ندبة صغيرة تدل على أن ذلك الألم أو ذلك الشخص قد مر من هنا يوماً ما.

وتلك الندبة إما أن تكون سبباً دائماً في أحزانك أو أن تجعليها درساً تتعلمين منه كيف تتعاملين وتتقدمين خطوةً مع مشاعرك في العلاقة القادمة.

حفظك الله وحفظ قلبك الصغير يا حبة القلب.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أميرة سعد
حاصلة على دبلومة دولية في المنتسوري
تحميل المزيد